18 ديسمبر، 2024 7:18 م

الأزمات الدائمة والمؤقتة وتفريخها!

الأزمات الدائمة والمؤقتة وتفريخها!

تعتبر سياسة تفريخ الأزمات أو اختلاق الأحداث واحدة من السياسات الهادفة لإلهاء الشعب وإشغاله عن تشخيص ما يجري حوله من تخريب وتهالك وتضييع لسيادة الدولة وحقوق المواطنين!
وقد تكون تلك الأزمات أمنيّة دمويّة، وهي أخطرها وأشدّها، لأنّها تستهدف سلامة الوطن والمجتمع، وقد تكون تعقيدات سياسيّة لضرب الشركاء في العمل السياسيّ، وإطالة أمد الأزمات والبقاء أطول فترة ممكنة في الحكم، وقد تكون اقتصاديّة لتحطيم مصادر رزق الناس وعوامل استمرار حياتهم، وغير ذلك من الأسباب!
ونحن، في العراق، محاطون بدول كبيرة وصغيرة وفيها بلا شكّ مشاكل سياسيّة وأمنيّة واقتصاديّة ولكنّها لم تخرج عن السيطرة، ويمكن ضبطها بالتفاهمات الهادفة للحفاظ على هيبة الدولة وسيادتها الداخليّة والخارجيّة، ولكن يبدو أنّ الحالة العراقيّة مختلفة وتمتاز بتوالد الأزمات وتفريخها، وذلك جزء من سياسة الفوضى الخلاّقة، وكأنّ الأمر دبّر بليل بين الفرقاء، وإن ظهر بصور التناحر والتصادم!
وهنالك في العراق أزمات دائمة ومؤقتة، أما الدائمة فتتمثّل بالسعي لتهشيم شكل نظام الحكم، وتغييب حقوق المواطنين القانونيّة، وإبقاء سياسة الملفّات المبعثرة في المجالات الأمنيّة والفكريّة والاستراتيجيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة والرياضيّة، وهذه السياسات أوصلت العراق إلى حالة اللا دولة القائمة اليوم.
أمّا الأزمات المؤقتة، فهي التي تقع بتوقيتات متشابهة وظروف متماثلة، وتنتهي بنهايتها، وتبرز بشكل واضح في المراحل السابقة للانتخابات البرلمانيّة وانتخابات رئاسات (البرلمان، الجمهوريّة، الوزراء)!
ويمكن الإشارة هنا، إلى أهمّ الأزمات المؤقتة والمتكرّرة في المشهد السياسيّ العراقيّ الآن:
– التزوير: ويتمثّل بالاتّهامات المتبادلة بالتلاعب بالنتائج الانتخابيّة، وهذا هو الثابت الأبرز لكافّة تجارب الانتخابات السابقة.
– إشكاليّة الكتلة الكبرى: ظهرت هذه الأزمة بداية في انتخابات العام 2010 حيث استولى رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي على الحكم رغم الفارق العدديّ لصالح قائمة الرئيس الأسبق أياد علاوي، وحكمت المحكمة الاتّحاديّة حينها لصالحه، وقد عادت هذه الأزمة للظهور في انتخابات 2021، ولكن المحكمة الاتّحاديّة ردّت دعوى الإطار التنسيقيّ، بزعامة المالكي، بادّعائه بأنّهم الكتلة الأكبر، وبقيت كتلة مقتدى الصدر مستحوذة على أكثر المقاعد البرلمانيّة!
ولا ندري أيّ قرار من قراري المحكمة الاتّحاديّة خالفت به قوانينها الأوّل أم الثاني؟
– عدم دستوريّة انتخاب رئيس البرلمان: وقد دخلت المحكمة الاتّحاديّة مجدّدا على خطّ الأزمة، لتردّ الدعوى المقامة من قبل بعض النوّاب بعدم دستوريّة الجلسة الأولى، التي انتخب فيها النائب محمد الحلبوسي رئيسا للبرلمان، ولتؤكّد المحكمة دستوريّة الجلسة واستمراره بمنصبه!
– أزمة مرشّح الرئاسة: خصّص العرف السياسيّ رئاسة العراق للكرد، ومنذ العام 2005 حُصر هذا المنصب بالاتّحاد الوطنيّ الكردستانيّ، وبموافقة الحزب الديمقراطيّ الكردستانيّ الذي ضمن بالمقابل حكم الإقليم، ولكن يبدو أنّ موقف الحزب الديمقراطيّ مختلف هذه المرّة، وقادته مصرّون على أن يكون الرئيس القادم من حزبهم، وهذه الأزمة المعقّدة لم تُحسم حتّى الآن، وبالذات بعد قرار المحكمة الاتّحاديّة (السياسيّ) يوم الأحد الماضي باستبعاد مرشّح الديمقراطيّ هوشيار زيباري نهائيا عن سباق رئاسة الجمهوريّة، وبعد أقلّ من (24) ساعة رشّح الحزب وزير داخليّة الإقليم (ريبر أحمد) لرئاسة الجمهوريّة.
وهذه الخطوة التي فتحت الأبواب لموجة من الأزمات لحقها، بعد 24 ساعة، قرار (مسيّس) آخر من المحكمة الاتّحاديّة، ورفضه الإقليم، يقضي بعدم دستوريّة قانون النفط والغاز لحكومة كردستان!
وهذه القرارات محاولات (قانونيّة) للضغط السياسيّ لقبول شخصيّة توافقيّة لرئاسة العراق بعيدة عن الحزب الديمقراطيّ!
وقبل ساعات من اليوم الجمعة اتّهم الحزب الديمقراطيّ مَنْ أسماهم الثلث المعطِّل بإدخال العمليّة السياسيّة بدوّامة التأخير والتي قد تستمرّ لعدّة أشهر!
– أزمة رئاسة الحكومة: وهذه الأزمة مؤجّلة حاليّاً، وإن كانت تدور معاركها خلف الأبواب المغلقة بين القوى (الشيعيّة)، التي تمتلك (حقّ الاستحواذ) عليه بموجب العرف السياسيّ!
وأبرز أطراف الأزمة هما التيّار الصدريّ والإطار التنسيقيّ، ولا أحد يمتلك القدرة على تفهّم حقيقة تلك الخلافات بين (رفاق الأمس، وأعداء اليوم)!
ومن أبرز الشخصيّات المرشّحة لرئاسة الحكومة المقبلة: رئيس حكومة تصريف الأعمال الحاليّ مصطفى الكاظمي، والرئيس الأسبق حيدر العبادي، ويقال بأنّ هنالك شخصيّة ثالثة مدعومة أوربّيّا، لم تحدّد حتّى الساعة!
هذه الأزمات المُتراكمة ستعقِّد المشهد السياسيّ وتفجّره، وستقوي قوى اللا دولة وتدعمها في مخطّطاتها القاصمة لظهر الوطن ومؤسّساته المتنوّعة!
وهكذا فنحن أمام أزمات متداخلة ما أن تنتهي أزمة حتّى تنطلق أخرى، وكأنّها أزمات معدّة سلفا، أو متّفق عليها!
الأزمة العراقيّة الأبرز تتمثّل بتمييع القوانين الضابطة سواء الدستوريّة منها أو المتعلّقة بجرائم القتل والتهجير والترهيب والنهب!
مَنْ يسعى لبناء العراق يَتوجّب عليه تفكيك الأزمات الدائمة والمؤقتة لترميم هيبة الدولة، وإلا فلن تتوقّف ولادة الأزمات بشكل انشطاريّ وفي كلّ الاتّجاهات!
dr_jasemj67@