قرأت لشهيد المحراب السيد محمد باقر الحكيم (قدس سره) عبارة جاء فيها:( القضية الكبرى التي واجهها الإمام الحسين (عليه السلام)، هي تعرض العقيدة الإسلامية الى الخطر، الإنحراف على يد بني أمية، لذا يجب أن نفهم الشعائر من خلال جوهرها ومضمونها، ولا نتعامل معها كما لو أنها مجرد طقوس)، فما الذي ساعد هذه الطقوس، لأن تكون شعائر مقدسة عالمية، تتزايد في كل عام، إنه العطاء الذي يخلد مصيبة آل البيت، مشفوعاً بصدق النوايا، لتصل للناس واضحة غير مشوهة.
ما قدمه الحسين (عليه السلام) لم يجرِ على أحد، فقد قدم أهله وعياله، وأطفاله وأنصاره، فداء للدين والعقيدة، وقاوم الإستعباد الأموي، والطغيان اليزيدي، ومن هنا عاشوراء بدأت بمصرع الحسين، رغم أن أخبارها كُتبت في السموات قبل الأرضين، وأصبحت عنواناً للمظلوم بكل بقاع المعمورة.
أهم أسباب إستمرار الثورة الحسينية، هي مسيرة الأربعين، ففيها تتجدد أحزان آل محمد، وترتفع رايات يا لثارات الحسين، وتعلو كرامة كربلاء فوق كل الكرامات، وتطوف الملائكة حول كعبة الأحرار، وتتوزع أدوار خدام الإمام الحسين بشكل عفوي، ليرسموا لوحة العشق الكربلائي، والتي تسير بنسق غيبي ابهر العالم، حتى بات العراقيون في المرتبة الأولى، كرماً ونبلاً، وضيافة للقاصي والداني، كيف لا؟ والحسين يشعل فينا كل مشاعر الكرامة، والحرية، ورفض الضيم.
ثمرة علاقة العراق بالحسين لم تأتِ من فراغ، إنها علاقة العاشق بالمعشوق، فذاب الحسينيون عشقاً في رب الحسين، فمنحوا أرواحهم وأجسادهم فداء لعراق الحسين، حيث إندهش العالم طيلة أربعة عشر قرناً، رغم حكم سلاطين الجور والظلم، ومحاولتهم البائسة للإستهانة بهذه الشعائر، لكن الرجال الموالين لآل بيت النبوة، أبوا ذلك، وحافظوا على هذا الإرث السماوي، لأن عشقهم يكبر كلما حاول الأراذل محوه.
إن هذه الشعائر تمارس، من خلال سلوكيات عقائدية تكافلية، فلا ترى وجهاً للبخل، أو المكر، أو الرياء، بل جميع العراقيين يلهجون بشعار واحد، كان سبب وحدتهم: (لبيك يا حسين)، وهم جميعاً يرغبون بأن تسجل أسماؤهم، في سجل زوار أبي الأحرار، الإمام الحسين (عليه السلام).
لا يمكننا أن نعيش أجواء واقعة الطف، دون المرور بشعيرة أربعينية الحسين (عليه السلام)، فهذا الموكب المهيب للإمام زين العابدين، مع أسطورة الصبر والعنفوان، الحوراء زينب (عليهما السلام)، رحلة عطاء علمتنا كثيراً كيف تكون التضحية، والسعي الدائم لإصلاح أمة الإسلام، والنهوض بمكانتها، وهذا ما عمل عليه أهل البيت، بعد مصرع الحسين (عليه السلام).
ختاماً: الأربعينية سجلت للعالم أجمع، واقعة خالدة رويت بدماء الأبطال، من آل محمد وأنصارهم (عليهم السلام)، فلقد وهبنا الحسين معنى الكرامة والشهادة، من أجل الأرض والعرض، لأنهما مرتبطان بالتزكية والتطهير الى يوم يبعثون.