22 ديسمبر، 2024 11:37 م

الأديان في أحاديث سريّة -20-

الأديان في أحاديث سريّة -20-

أدناه الجزء الثاني من مقال ( الأديان في أحاديث سريّة ) من كتابي ( أحترم جداً هذا الدين ) والمنشور في اسواق الكتب بأكثر من تسع لغات الأوسع تداولا على مستوى العالم :

الثاني:

كل شيء ممكن، لكن هذا لا يعني عدم وجود رجال دين يمتلكون فعلاً المواصفات المطلوبة في مهنتهم من نزاهة وزهد عن السلطة والمال ومغريات الحياة، رغم أني أعتقد أن نسبتهم قد تكون ضئيلة جداً وتكاد تقرب من الصفر بين عموم أعداد رجال الأديان في العالم، ومثل هؤلاء القلة مِن رجال الأديان أتوقع أنْ يكونوا ذوي أفقٍ كبير من الثقافة والى الدرجة التي تجعلهم يتعايشون بسلام مع كل رجال الأديان والمذاهب الدينية وغير الدينية الأخرى، حيث أتوقع أنهم يستوعبون حقيقة أنّ مُهمتهم بعيدة جداً عن محاربة بقيّة الأفكار والأديان والمذاهب، بل العمل معها بالتوازي ودون فرضٍ للآراء والمعتقدات والأحكام الدينية على الآخرين، حيث تنحصر مهمة أمثال هؤلاء مِن رجال الدين المِثاليين في منْح إنسان الذي يلجأ اليهم ومهما كان إنتماءه الفكري أو الديني أو المذهبي أملاً مُنعِشاً بوجود حياة أخرى بعد الموت، مثلما تتجه مهمتهم أيضاً الى تحفيز كل إنسان لمعاملة الآخرين ومهما إختلفوا عنه بنفس الأخلاق الحسنة التي يتمنى هو أن يُعاملوه بها.

أتوقع انّ هذه القلة المِثالية مِن رجال الأديان تدرك جيداً إنّ مهنتهم الروحانية هي أحد السبل النفسية المهمة لإشاعة ثقافة السلام والمساواة والمحبة بين البشر، مثلما هي أحد السبل النفسية المهمة لإبعاد الحزن والكآبة عن الإنسان وهو يواجه مصيره المجهول في حتمية مرضه وموته، أو حتمية مرض أو موت أحد أعزائه أو أحبته.

الأول:

كلامك منطقي ولا خلاف عليه، ولكني أود الإشارة الى أني أجريّت دراسة ميدانية دقيقة وموسّعة كلفتْني كثيراً مثلما أستغرقت مني وقتاً طويلاً وجهداً مُتعِباً عن نماذج عديدة من رجال دين من مختلف الأديان وفي عدة مدن وأرياف في عدة دول من دول الشرق الأوسط المختلفة، وتوصلت الى نتائج تُفيد أنّ ما أدّى ويؤدي بالغالبية العظمى من رجال الدين (إنْ لمْ يكن جميعهم) لإختيار العمل بمهنتهم هذه هو واحد أو أكثر من الأسباب التالية، رغم ما يدّعونه أو يتظاهرون به من أسباب أخرى ككثرة الإيمان بالله أو عُمْق قناعتهم الفكرية والعلمية بالعقيدة الدينية أو المذهب الديني الموروث إجتماعياً:

أ‌.      الرغبة في تقليد (المِهنة المُربِحة) لأحد الأقارب أو المعارف أو الشخصيات العامة مِن الذين حصِلوا على مكاسب مادية أو إجتماعية مُغرية ومُبهرة جداً بسبب العمل في (مهنة الدين).

ب‌.التخلف العلمي والحضاري في المجتمع وقلة فُرص العمل فيه بالمجالات الأخرى غير المجال الديني، مما يجعل البعض يتجهه لدراسة (الدين) أملاً في الحصول على مهنة دينية ذات فرصة عمل مُؤكدة في مجتمعات غير متحضرة تعاني دائماً من قلة فرص العمل في المجالات الغير دينية.

ت‌.التخلص من الخدمة العسكرية ومخاطرها ولاسيما أوقات الحروب في بعض المجتمعات، حيث غالباً ما يُعفى رجل الدين من أداء الخدمة العسكرية، لذا فأن الكثير من الشباب يضطرون لإمتهان مهنة دينية تَخلصاً مِن التحاقهم كمقاتلين في الجيوش.

وهكذا فأننا نرى أنّ أعداد رجال الدين تزداد بوجود الحروب وبأزدياد سوء الإدارة وغياب العدل والمساواة في أي مجتمع، بينما ينفر أغلب أفراد المجتمع من مهنة رجل الدين وتقل أعداد رجال الدين بشكل حاد وواضح جداً حال أنْ يُدار ذلك المجتمع إدارة سياسية وقانونية وإقتصادية تُؤمِن المساواة والحياة الحرة الكريمة للجميع وهذا ما هو حاصل الآن فعلاً في المجتمعات الغربية المتحضرة حيث يقل وبشكل حاد إقبال الأفراد فيها على إمتهان مهنة رجل دين، مثلما باتت أيام الأعياد والمناسبات الدينية في أغلب المجتمعات الغربية مُجرد أيامِ عطلٍ تتم فيها اللقاءات الإجتماعية بحثاً عن الراحة والفرح بعيداً عن إستذكار التفاصيل الدينية لتلك الأعياد والمناسبات الدينية.

الثاني:

نتائج دراستك مُتوقعة وهي منطقية جداً، وبأمكان ملاحظة صحتها من خلال كثرة رجال الأديان والمذاهب الدينية حسراً في المجتمعات المتخلفة والتي تعاني من سوء الحالة المعيشية والحقوقية لأفرادها، فهذه المجتمعات وبحكم نتائج دراستك هي بيئة خصبة لتكاثر رجال الدين والمذاهب الدينية.

الأول:

تماماً، ولذا فأن أغلب رجال الدين والمذاهب الدينية في معظم مجتمعات الشرق الأوسط وعكس ما تُعلِنه تماماً تُحارِب التحضر وتطبيق النظُم والقوانين الإقتصادية والإدارية الحديثة مثلما تَرفض حقوق الإنسان في التفكير والتعبير، لأن التحضر وتَحسّن الحالة الإقتصادية في المجتمع سيؤدي الى قلة أعداد الأفراد الضعفاء الذين يتوجهون الى رجُل الدين والى (الغَيْب) ليُنقذهم مِن مآسيهم وسوء حالتهم المادية والصحية والحقوقية، مشيرين الى أنّ تمتع الإنسان بحقوقه المشروعة في حرية التفكير والتعبير سيلحق ضرراً بالإمتيازات والسلطة الدينية التي غالباً ما تكون دكتاتورية التوجُّه.  

الثاني:

أرى أنّ النظام الديني كان أول نظام سياسي وإداري وقانوني إبتكرته المجتمعات البشرية البدائية قبل ما يقارب الخمسة آلاف عاماً وأن دماغ الإنسان تمكن بعدها من إبتكار أنظمة سياسية وإدارية وقانونية جديدة متناسبة مع التطوّر العلمي والثقافي للإنسان إضافة الى التطوّر في فِهْم المَدَيات الحديثة الواسعة لحقوق الإنسان.

الأول:

تماماً، ولذا وبعد أن تمكن العقل البشري من الوصول الى الأنظمة السياسية والإدارية والقانونية الحديثة فأن الأنظمة والأحكام الدينية لمْ تَعُد مُناسبة مطلقاً لأدارة شوؤن المجتمعات، فهناك الكثير من المفاهيم والأحكام الدينية التي تنتهك حقوق الإنسان وفقاً للفهم الحديث لحقوق الإنسان.

أرى أنّ رجال الأديان أو المذاهب الدينية في زمننا هذا وبدلاً من تمسكهم بفرض الأحكام الدينية على الآخرين، عليهم التفرغ كلياً للجانب الروحاني من مهنتهم والمتمثل بأعطاء الإنسان الذي يلجأ اليهم راحة نفسية أساسها الأمل بحتمية وجود (الله) الخالق، وأن (الله) هو القادر على التحكُم بمجريات الأقدار أثناء حياة الإنسان على الأرض، مثلما هو القادر على منح الإنسان حياة أخرى في المصير المجهول بعد الموت.

الثاني:

اؤيدك تماماً، وأضيف القول أن رجال الأديان والمذاهب الدينية لمْ يَعُد مناسباً لهم أنْ يقوموا بتحشيد الناس ليقوم أحدهم بكره أو معاداة الآخرين لمجرد الإختلاف في الدين أو الطائفة الدينية الموروثة.

كل الأديان هدفها الرئيس منح الثقة للإنسان للمضي قدماً في أمل وجود (الله) الذي سيعيد للإنسان حياة أخرى بعد الموت، وأرى أنّه من حق كل رجال الدين أو المذاهب الدينية التفرغ كلياً للعمل لتحقيق هذا الهدف الوحيد دون أن يفرضوا ذلك أو أي أحكام دينية أخرى على الناس.

الأول:

كلام صحيح، لكن الواقع يشير غالباً الى وضع مغاير تماماً، فالكثير من رجال الدين، ولاسيما في مجتمعات الشرق الأوسط، ما يزالون يسعون الى الإنتقاص من الأديان والمذاهب الدينية الأخرى، وغالباً ما يؤدي هذا الى إشاعة الكراهية والعداوة بين أفراد المجتمع الواحد والتي قد تصل الى درجة الإقتتال الدموي بين أفراد المجتمع الواحد أو بين أفراد مجتمعات مختلفة.

الثاني:

أرى أنّ رجل الدين حينما يسلك طريق إثارة الكراهية والعداوة بين البشر يتحول بمهنته من مهنة روحانية إنسانية الى مهنة إجراميّة ذات أهداف ماديّة وأنْ لمْ يُكن يُعلِن صراحة عن تلك الأهداف.

الأول:

تماماً، إذا كانت الأديان والمذاهب الدينية تثير الكراهية والعداوة بين البشر فأن عدم وجودها هو أفضل بكثير مِن وجودها!

نعم، ولى الزمن الذي يستطيع فيه رجال الدين والمذاهب الدينية خداع الناس بأنه لولا وجود الأديان والمذاهب الدينية فأن الإنسان لا يستطيع الإقتناع بإحتمال وجود (الله) مثلاً، كما ولى الزمن الذي يستطيع فيه رجال الأديان والمذاهب الدينية خداع الناس بأن الإنسان ما كان له أنْ يعرف الصدق والسلام والمحبة والرحمة ومساعدة الآخرين والتعامل برقة مع الوالدين لولا وجود الأديان والمذاهب الدينية، مثلما ولى الزمن الذي يستطيع فيه رجال الأديان والمذاهب الدينية من خداع الناس بأن الأحكام والشريعة الدينية هي أفضل سبل لإدارة المجتمعات، ناهيك عن الإختلافات والتناقضات الواسعة والتي لا بداية ولا نهاية لها بين رجال الأديان والمذاهب الدينية حول تلك الأحكام والشرائع الدينية والمذهبية!

الثاني:

قبل أيام عديدة إطلعْتُ على تفاصيل محادثة خطيّة جرت في وسائل التواصل الإجتماعي بين مجموعة من الشرقيين العرب وهم يتناقشون حول مُطالبة أحدهم بضرورة قيام كل إنسان بإستخدام عقله حين التعامل مع تفاصيل الدين أو المذهب الديني الموروث، حيث أعترض شخص آخر على ذلك مطالباً بضرورة اللجوء دائماً الى رجال الدين دائماً لمعرفة التفاصيل الصحيحة المتعلقة بالدين بأعتبار أنّ رجال الدين هم أهل إختصاص، تماماً مثلما يلجأ الإنسان الى الطبيب مثلا حينما يريد أنْ يحصل على إستشارة صحية، وحين ذاك أجابه شخص ثالث بما يعني أنّ مهنة الطب أو أيّ مهنة علميّة أخرى لا تشبه مهنة رجال الدين لأن الدين هو في الأساس مبني على قضايا ومعتقدات غيبية لا علاقة لها بالعلم، ورغم كل ذلك فأن الإنسان في  عصرنا هذا مِن حقه مثلاً الإطلاع بواسائل عديدة متاحة على التفاصيل الطبية لحالته الصحية كما مِن حقه تغيير الطبيب الذي يُعالجه بطبيب آخر، بينما حينما نطالب الأنسان الشرقي بمعرفة تفاصيل دينه الموروث عن طريق رجل الدين فقط فهذا يعني حرمان الإنسان الشرقي من حقه الإساسي في إستخدام عقله في حين لا يَسمح رجال الدين لأيّ أحدٍ مِن الأفراد الشرقيين بمناقشة أو معارضة تفسيراتهم وآرائهم الدينية كما لا يَسمح رجال الدين الشرقيين لأيّ مِن وارثي الدين أو المذهب الديني في مجتمعاتهم الى اللجوء الى رجال أديان أخرى أو مذاهب دينية أخرى حيث غالباً ما يتعرض الفرد الشرقي للنبْذ والحصار الإجتماعي أو أحياناً للتهديد أو القتل فيما لو أنّ ذلك الفراد إختار اللجوء الى رجل دين آخر ضمن نفْس الديانة أو رجل دين آخر لديانة أخرى.

الأول:

أشعر بالأسف حينما يكون كثير من الشرقيين تحت طائلة مثل هذه الموروث الديني أو الطائفي الذي يمنعهم من إستخدام عقولهم، بينما يعمل رجال الدين الشرقيين على الحفاض على هذا الموروث الديني لأنه يخدم دوام مهنتهم ومصالحها.

الثاني:

لذا فأني أحترم مقولة (أن الدين هو أفيون الشعوب)!

الأول:

نحن لسنا ضد أي إيمان أو معتقد ديني، ولكننا ضد كل مَنْ يحاول أنْ يفرض علينا أحكام معتقده الديني.

الثاني:

مِن حق كل إنسان أنْ يكون حراً في أفكاره ومعتقداته وفي حياته الخاصة الى حدود الحقوق المماثلة للآخرين، بمعنى أنّ كل إنسان حر فيما يعتقده لكن دون أن يفْرِض معتقداته أو أحكامه على الآخرين.

الأول:

كلام منطقي وصحيح جداً، لكن أغلب رجل الدين الشرقيين يرون أنّ حدود حرية الفرد الشرقي في آرائه وأفكاره يجب أنْ تُحاصر بالأحكام الدينية المتوارثة من المجتمعات البدائية قبل آلاف السنين، والتي يملك رجل الدين وحده حق تفسيرها وتأويلها!

الثاني:

تلك هي مشكلة حقيقية فعلاً، فكثير من تفاصيل الموروث الديني قد يعطي الشرعية لما يُعتبر في عصرنا الحاضر أعمالاً أرهابية أو أعمالاً تنتقص من الحقوق الإنسانية الأساسية للأنسان.

الأول:

ولذا تجد إستمرار الإنقسامات المذهبية داخل كل الديانات الشرقية، حيث يسعى بعض رجال الأديان الى الإستقلال بأنفسهم وذلك بتأسيس مذاهب أو فروع دينية عن طريق تأويل وتفسير الموروث الديني أو المذهبي بشكل يتماشى مع بعض العقل ومع بعض متطلبات الفهم الإنساني الجديد لحقوق الأنسان ولكن ذلك يثير حفيظة المتشددين من بقية رجال الدين الذين لا يناسبهم خروج مجموعات من البشر عن نطاق سيطرتهم، وهكذا تَحدُث الصراعات ذات الأسس المادية والمغطاة بستار الإيمان بين رجال الدين أنفسهم ويكون الفرد البسيط بينهم هو مَنْ يدفع في النهاية فاتورة تلك الصراعات التي قد تكون دمويّة أحياناً.   

الثاني:

المشكلة الكبيرة هو أنّ الكثير من رجال الأديان يحاولون أغماض أعينهم عن حقيقة أنّ الأحكام التي كانت تُنظِم المجتمعات البشرية قبل آلاف السنين لم تعُد تناسب أسس العدل في عصرنا الحالي.

الأول:

بل أنّ الأحكام والقوانين في المجتمعات المتحضرة في عصرنا الحالي تتغير وتتطور بين فترة وأخرى وحسب قناعة الأغلبية من أفراد المجتمعات، فلا وجود لمن يعارض ذلك بحجة أنّ الأحكام والقوانين هي شريعة منزلة من الله!

الثاني:

تماماً، وأضيف القول بأن رجال الدين الشرقيين حينما يطالبون بالأحكام والقوانين التي تستند الى الشرائع الدينية فأن ذلك هو مجرد هراء يقصد به خداع الأفراد البسطاء من مجتمعاتهم، فرجال الدين يعرفون جيداً أنهم ومنذ أيام تأسيس أديانهم قبل آلاف السنين لم يتفقوا بينهم على تلك الأحكام والقوانين، ناهيك عن أنّ هناك العديد من الأديان بدلاً من الدين الواحد كما أنّ كل دين فيه العديد من الفروع والمذاهب الدينية، كما أنّ المُفسرين من رجال الدين في الفرع أو المذهب الواحد كثيراً ما يختلفون على العديد من الأحكام والقوانين!

يتبع ..

مؤلف عراقي – مستقل فكرياً وسياسياً