استهلال
” إنه في الخيال أنني أحاول أن أبذل قصارى جهدي وأن أقيس قدر استطاعتي”1[1]
يعتبر الخيال من الطرائق الجديدة في المعرفة التي اتبعها الفلاسفة ويُعَدُّ بول ريكورهو واحد منهم إلى جانب أفلاطون وأرسطو وأبيكتات وديكارت وسبينوزا وكانط وجان بول سارتر وكارل يونغ وغاستون باشلار وجلبير دوران وكاستورياديس الذين اهتموا بأدوار التمثل والتصور والترميز والتخيل اجتماعيا.
لقد منح بول ريكور الخيال أدوار مهمة ليس فقط في المجال الاستيطيقي والانشائي وانما أيضا في المجال الألسني والدلالي وسدده وفق قصدية فنومينولوجية وأدرجه في التأسيس الأنطولوجي. لقد ظل هذا المفهوم الاجرائي حاضرا بقوة في كل النصوص الريكورية منذ البدايات الى حد الخواتيم وتجول به من حقول الارادة والرمزية والتاريخ والتأويل الى حقول اللغة والاستعارة والسردية والسياسة والإيتيقا والذاكرة والاعتراف والمجتمع والاقتدار والحرية والحياة والفعل واعتبره ليس مجرد وسيلة لإعادة تشكيل الواقع بخلاف ماهو عليه بل أداة للتدخل فيه وتطويره. لقد ساعد التعويل على الخيال والمخيال بول ريكور في تمثله للواقع بصورة مختلفة وإحداث المنعطف الافتراضي للفكر الفلسفي بالتفكير في الممكن والاحتمالي وإدخال مفهوم المخيال في المباحث الاجتماعية والعلوم السياسية والأدب والرسم والسينما والمنتجات السمعية البصرية. كما تفطن إلى المزايا التي يوفرها الخيال بالنسبة للتاريخ والذاكرة على الصعيد الفردي وفي المستوى الجماعي وبالتالي تعامل مع الخيال من حيث هو ملكة فردية ومع المخيال بوصفه ملكة جماعية وكذلك انتبه الى المراوحات بين المعطى والمبني وبين واقع الانعكاس والقدرة البنائية وتساءل عن إمكانياته في استجلاب ابتكارات جديدة ومعطيات متنوعة إلى الفعل البشري. لكن ما الفرق بين الخيال والمخيال؟ وما علاقة التخيل بالواقع الافتراضي والعوالم الممكنة؟ بأي معنى يمكن اعتبار الخيال الملكة والموضوع الذي يسمح بتتبع وحدة العمل الفلسفي لريكور؟ هل المخيال يؤدي وظيفة شاعرية للكلام أن يسمح للذات بالتحول؟ لماذا يقحم ريكور مفهوم الخيال الاجتماعي ضمن الزوج المفهومي الايديولوجيا واليوتوبيا؟ وما المقصود عنده بالخيال السردي؟ وهل يسير على نفس درب الخيال الرمزي؟ وماهي الأدوار التي يؤديها في المسارات الاستعارية وقوة اعادة التشكيل السردي؟ من أي جهة يتدخل الخيال في الخطاب؟ و وماذا يفعل الخيال للواقع المعطى؟ وكيف يتدخل في عالم الحياة؟ ومتى يمكن التعويل علي الخيال في مجال الفعل البشري؟
ما يمكن المراهنة عليه ليس التعامل مع ملكة المخيال بوصفها تفكيرية في النموذج المعرفي الاختتامي بل التعويل على الخيال من حيث هو الملكة التأليفية القادرة على أعادة تشكيل الوساطات السردية اللازمة.
1-الخيال والمخيال بين التحدي والاستجابة:
لقد قلل أفلاطون من قيمة الخيال eikasia ولقد حدده بكونه معرفة بالصور ولكنه اعتبره انتاج للمظاهر الخادغة ووضعه في أقل درجات المعرفة بالنظر لذمه للمحسوس واهتمامها بالمعقول2[2]. ثم واصلت الرواقية هذه النظرة السلبية حيث اعتبر أبيكتات الخيال مرض للنفس يضع الانسان خارج ذاته ويمنعه من استعمال عقله بالرغم من تمييز ادراكات الخيال عن الادراكات الحسية3[3]. اذا كان اللفظ اللاتيني imaginato يشير الى ملكة تكوين الصور فإن المعنى العام للخيال يدل على ملكة تكوين الصور من المدركات السابقة التي يقوم بها الفكر بتأليفات ويؤدي وظيفة أصلية. في الأزمنة الحديثة كان ديكارت أول من اهتم بأهمية الخيال حيث اعتبره ملكة تمثل للواقع بشكل حسي ولما كان متصلا بالجسم بصورة أساسية فهو يتحول الى مجال للخطأ والغلط ويدفع العقل الى الحياد عن طريق الحقيقة والافراط في الأهواء والتفريط في قواعده والوقوع في الزلل4[4]. أما كانط فهو يميز بين الخيال التكراري5[5] الذي يكتفي باعادة انتاج صور الادراكات الحسية ويمد الفكر بالحدوسات التجريبية السابقة والخيال المبدع6[6] الذي يحوز على قوة خلاقة للصور تسبق التجربة وتقوم بعرض أصلي للمواضيع وبين الخيال المتعالي من حيث هو ملكة تأليف تضمن الربط بين الحدوسات الحسية والمقولات الذهنية بواسطة الشامات التي تعمل على الجمع بينهما7[7]. من جهة أخرى يقوم الخيال في الحقل الاستيطيقي بدور محوري فهو ملكة تعبير من خلال التمثلات الحسية مثل الصور والأشعار على انتاج العبرقية من خلال لعلب حر منسجم للملكات، وتتجلى قوة الخيال في ديناميكيته وابداعيته وبالتالي لم يعد ملكة ثانوية وفرعية كما كان سابقا8[8].
اذا كان سارتر قد رأى في الخيال وظيفة غير واقعية للوعي تجعله يشهد على التعالي والحرية التي تدل على الكائن لذاته بواسطة ملكة النفي والتجاوز للمعطى9[9] فإن غاستون باشلار قد خالف التقاليد السابقة واعتبره ملكة تحريف الصور المتأتية من الادراك، أي الملكة التي تحررنا من الصور الأولى10[10].
اذا كانت الصورة منحدرة من اللفظ الاغريقيeikon واللفظ اللاتيني imago فإن المخيال ينحدر من الألفاظ الاغريقية Fantastikon وFantasiaوFantasma ويرجع أيضا دلاليا الى الألفاظ اللاتينية res fictae وimaginarius ويحيل على ما يوجد في الخيال من تمثلات لا تحوز على أصول في الواقع وانما هي مستعدة لكي تتحول الى اللاواقع. فإذا كان المخيال في ماهيته يقوم بانقاص المدرك ويتضمن انتاجات الخيال الابداعي ويغير المظهر ويبدل الواقع ويسمح بانبثاق عوالم لاواقعية مع باشلار11[11] فإن كارل يونغ وجلبير دوران اعتبراه حاضنة رمزية ولغة أصلية للرغبة واللاوعي ومخترق بواسطة مقصد تواصلي عاطفي يحتوي على ماهية استعارية ويتضمن بعدا كونيا ويترتب عن ذلك وجود رمزية عامة للمخيال تتعالى على الذاتية الفردية12[12]. بيد أن الخيال عند بول ريكور هو هذه القدرة على ربط الصلة بين التجربة والانتظار وهو كذلك هذا التوتر الضروري لتحريك التاريخ والذي يسمح بالوصل بين انتظارات متجهة نحو المستقبل وتقاليد موروثة من الماضي ومحاولات للبدء منفذة في الحاضر. ان الخيال هو منبت من الصور الحسية يدركها المرء اما بصفة فردية أو بصفة جماعية حينما يولد ويعيش في مجتمع معين. لكن هل الخيال هو أمر معطى أم هو عملية انتاج وابتكار؟ وماهي الشروط التي تجعله خيالا خلاقا؟
2- منزلة المخيال في الفلسفة السردية:
من هذا المنطلق يمكن تقسيم الفلسفة الريكورية حسب الشارح ميكئيل فاوسل الى ثلاثة أروقة13:[13]
-الرواق الأول: الكلام والعالم le langage et le monde
ينقسم هذا الرواق من جهة أولى الى اشكالية التأويل والفهم ويبحث في الذات المؤولة وكيفية فهمها لذاتها من خلال النصوص وعبر الوسائط الرمزية ويكشف عن محدودية التحليل البنيوي وينتصر الى حدث الكلام في مقابل بنية اللغة. من ناحية ثانية تبرز ثنائية الفنومينولوجيا والهرمينوطيقا وأهمية الطريق الطويل الذي سلكه ريكور لكي يتفطن الى الضمنيات الفنومينولوجية للهرمينوطيقا والعلاقة الجدلية بين التفسير والفهم وأهمية فعل القراءة. لكنه في مقام ثالث يركز على الاحالات الى الكلام ويدرس المرور من الخطابة الى الشعرية ويعدي بعدا أنطولوجي للاستعارة بالتركيز على المعنى ومنزلتها في الخطاب الفلسفي وعلاقتها بالتشابه ومصادرة الاحالة ومسألة الرجوع الى الأثر والمعنى من الوجود في العالم ومن شغل النص.
الرواق الثاني : هو الذات الساردة أو قصص الذات le sujet du récit
يتكون هذا الرواق أولا من معنى السرد في اطار الاهتمام بالصلة بين الفنومينولوجيا والتاريخ وأهمية الحبكة التاريخية في اجتماع الخيال العلمي بالتاريخ ويسلط الضوء على الحقيقة التاريخية في اطار تلاقي بين التواريخ. بعد ذلك في مستوى ثان تأتي ثنائية السرد الشعري والخطاب الانجيلي والجوء الى فن السرد من أجل التمييز بين الاعتقاد والنص والعمل على وصف التجربة الدينية وتسمية الله. غير أن الأهم هو تحديد طبيعة الذات التي يتجه اليها المشروع الفلسفي عند بول ريكور في مستوى ثالث والرد على التحدي السيميولوجي ( علم العلامات) ، هذا الى جانب الاستفادة من الرجة الهائلة التي أحدثها سغموند فرويد وعلم النفس التحليلي الذي أوجده. لقد ارتبط البحث في الذات بالخوض في مفارقة الهوية السردية ومسألة الانيةipseité وغيرية الغير والإثبات الأصليAffirmation originelle وتجربة الاقرارAttestation .
الرواق الثالث: يرتكز على الانتقال من الفعل الى الاقامةde l’action à l’institution
يتحدث بول ريكور هنا على المستطاعcapacité الاتيقي ويبحث أولا عن شروط امكان الانتقال من الشر الى الأمل ويعثر عليها في الحرية باعتبارها خاصية اناسية فريدة وفي تأويلية رمزية الشر والقدرة على الاختيار الحر بعقلنة الإثمculpabilité والذنب من خلال الاتيقا والدين و الغفران والتصالح بواسطة الاعتراف بالعزويةimputation وتحمل مسؤولية الأفعال.
ينتقل ريكور بعد ذلك وفي مستوى ثان الى الاهتمام بالعادل بين الشرعيlégal والحسن ويدرس الفوارق بين الأخلاق والإتيقا ويبحث عن القاعدة الذهبية للحياة الجيدة وعلى الصعيد العملي ويضعها موضع مساءلة ويقوم بالتمييز بين اتيقا المحبة واتيقا القاضي ويحاول تحديد تجربة الحكم القضائي والتفريق بين العدالة والانتقام vengeance ويضع الصفح في مكانة مرموقة وعلو اتيقي ويخوض أيضا في مسألة الاستحقاق ومن هي الذات التي تمتلك أهلية بالحق.
في نهاية المطاف يركز ريكور ثالثا على تجربة الفعل ويفكر في المفارقة السياسية ويكشف عن أزمة في المشروعية légitimité ويخوض في التقاطع بين الإيديولوجيا واليوتوبيا ويركز على مهمة المربي السياسي في الحياة المجتمعية ويثمن دور المبادرةinitiative الفردية والذاكرة المأمورة Obligée ويحاول الخروج من القبضة الهيجلية بالعودة الى كانط وأرسطو واسبينوزا وبطرح مشكلة الحرب والسلم وإمكانية أن يفعل الانسان غير العنيف في التاريخ14[14]. اذا انطلقنا بالتحديد من فكرة مساهمة الخيال في اعادة بناء معنى التجربة الانسانية فإننا نعثر على بينة واضحة وبرهان ساطع على وجود وحدة موضوعية وفكرة ناظمة في فلسفة بول ريكور. لعل الطابع غير المباشر للتحقيق الفلسفي الذي قام به ريكور لا يتعلق فقط بالمنهج ولا بفكرة التناهي التى زلزلت عرش الذاتية وإنما أيضا بوساطة انتاجات المخيال في الفكر الريكوري منذ التأويل الرمزي للشر الى حد التحليلات حول الذاكرة والوعد والصفح والاعتراف والنسيان. إن هذا التنصيص على أهمية المخيال نجده بشكل واضح وبدئي في الفنومينولوجيا. هذه الأخيرة ليست مجرد منهج ينضاف الى مناهج فلسفية أخرى على غرار الهرمينوطيقا والفلسفة التأملية والتحليل البنيوي أو النحوي وإنما هي تشكل أفق كل مشروع فلسفي وكل تجربة فكرية. في الواقع لا يقترح ريكور فلسفة للمخيال تمكن الوعي من القدرة على التحرر والتخلص من العالم باحالته الى العدم مثلما فعل سارتر بل يجعل من المخيال الثيمة الفلسفية بامتياز أسوة بهوسرل الذي جعل من “التخيل fiction يكون العنصر الحيوي للفنومينولوجيا”15[15]. لقد أخذ ريكور منهج التنوعات الخيالية وأسند له وظيفة انقاص الحقيقة التجريبية التي يقصدها وبلوغ ماهيتها. من هذا المنطلق يمثل المخيال استثمار الممكن وينتمي بحق إلى مسار البحث عن الحقيقة. المخيال ليس مجرد منطق واهم بل هو قدرة وصفية للتنوع والدليل على ذلك أن شيئا معينا من العالم وهب نفسه للرؤية من خلال منتجات المخيال. المناسبة الثانية التي اهتم بهار يكور بنظرية المخيال كانت في فلسفة الإرادة 1950- 1960 حينما فكر لا فقط في تناهي الإرادة الإنسانية واعتباره فعل الإرادة غير قادر على خلق لا لامكانية وقوعه في الشر بل أثناء حديثة عن شعرية الإرادة وتمحورها حول القدرة الخالقة للوعي. يرفض ريكور تصور المخيال خارج إطار ممارسته الملموسة وينصص على ضرورة التفكير في المخيال من جهة حقيقته المتعينة والتعامل معه كبعد تكويني للذاتية Subjectivité . هذا الأمر ظهر بوضوح في كتابه الأخير مسار الاعتراف 2004 حينما اعتبر قدرة الذات على الاعتراف بالآخرين والتعرف على ذاته من خلال ترحيلها إلى الخيال. الغريب أن ريكور لم يخصص له سوى نصا واحدا هو ” الخيال في الخطاب وفي الفعل” في كتاب “من النص إلى الفعل” وهو استعادة للاسم السحري لشعرية الإرادة. هنا يتحول الخيال إلى مكان تلتقي في عدة أسئلة ومأوى للشر والاستعارة والزمن والسرد والذاتية والذاكرة. كما يساءل ريكور المخيال وينظر في الخيال في سياق معين ومن جهة أثره خطابا وعملا. في هذا المقال الذي كتبه عام 1976 أشار ريكور الى ثلاثة نقاط حول الخيال والمخيال:
1 – اعادة الاعتبار الى المخيال يعود الى تحرير الصورة واثبات الصلة بين الخيال واللغة. وبالتالي لا يتعامل مع الخيال كمعطى نفسي ولا يعتبر الصورة شيئا يتكون ذهنيا بل ينظر الى وظيفة الخيال خارج اطار نظرية الصورة كإدراك ضعيف.
2- اذا كان المخيال كلاما فإن الصورة ليست فقط احساسا بل أيضا احالة ومرجعا وإن ما يطرح في انتاجات المخيال من وجهة نظر المقتضى الفنومينولوجي للوصف الذي يتبناه ريكور هو مسألة عالم بأسره حتى وان كان في شكل تخيلا.
3- المخيال هو تجربة بنائية وتكوينية للفعل والتي نتبينها في حرية الخيال الذي يمكن أن تكون خيالا للحرية. بناء على ذلك ليس الرمزي بعدا ثانويا للممارسة بل هو العنصر الذي يجعل الفعل في نفس الوقت ممكنا ومعقولا.
هكذا يكون الخيال ما يصبح بواسطته المعنى مفهوما compréhensible والعالم مقالاdicible والفعل مطبقاpraticable . وتبعا لذلك يشكل كل من المعنى والعالم والفعل القدرات الثلاثة للخيال التي تعتني بها فلسفة ريكور.
أ-الخيال والمعنى l’imagination et le sens :
ربما تعود السمعة السيئة للخيال والتشويه النسبي الذي تعرض له في الفلسفة المعاصرة الى الوضع المتدني الذي تحتله هذه الملكة في نظرية المعرفة وارتباطه بالصورة والتصوير.
في حين أن الصورة التي تسمى بالاغريقيةeikon وباللاتينية imago هي أقل من الاحساس ومن المفهوم ، فهي ليست البداهة المباشرة للمدرك ولا دقة المصور غير المتعلق بالمحسوس.
هذا النقد البسيكولوجي لملكة الخيال يتأسس على النقد الأنطولوجي للصورة التي تعود جذورها الى فكرة المحاكاة imitation. ان الخيال هو مرتبط بالغياب الذي يحدثه في قلب الوجود وذلك لأنه يسمح لشيء معين غائب بالظهور في الحاضر ويعيد انتاج واقع الشيء بشكل يشوه حقيقته.
من جهة ثانية يتطرق ريكور الى مشكل تعدد المعاني polysémie ويهتم بتنوع تعريفات الخيال ويذكر تمييز الاغريق بين الخيال بوصفه نسخة واعادة انتاج eikon والخيال بوصفه phantasia أي خلق مصورcréation imagée ويرى أن هذا التمييز موجود في اللغة الألمانية بين phantasia و Einbildung . هكذا يعني الخيال في الآن نفسه عمل اعادة الانتاج وومضات العبقري ويمكن للمرء أن يرتاب من وحدة ملكة تعني في نفس الوقت الاظهار الاعتباطي للأشياء الغائبة والقدرة التخييلية على تشكيل كائنات غير موجودة والميل الى منح الوجود الى أمر زائف. لعل المجهود الفلسفي الريكوري ينصب حول نقطة الرد على هذا النقد المزدوج من ناحية بسيكولوجية وأنطولوجية الذي يرفض الخيال ويعتبرها قوة تضليل وخداع وملكة غير مهذبة. لقد عمل ريكور منذ الكتابات الأولى على توجيه الأنظار من بسيكولوجيا الصورة حاول بلورة الخيال عن طريق الكلام الحي ورأى أن الصورة المتخيلة تسمح بالتفكير والفهم علاوة على الرؤية والإدراك الحسي. في رمزية الشر 1960 يقترح ريكور هرمينوطيقا الاعتراف aveu التي ترفض الوعي الآثم الذي لا يقدر على الوصول سوى في الكلام الذي يقوله وحسب. بينما الكلام هو رمزي من هنا وهناك والشر الذي يعبر عنه في الدنسsouillure والذنبpéché والاثمculpabilité لا يقع تلفظه مباشرة وانما بواسطة الممثالة والتخييل والتشبيه والتناسب. كما أن الوعي بالخطأ هنا ليس مشهدا تنتشر فيه الصور والتصورات الضعيفة والمفاهيم التقريبية وإنما يصرح مباشرة بخيال رمزي الذي يضع على مسافة نقدية من ذاته. من هذا المنطلق يضع الخيال نفسه على ذمة الخطاب في سبيل أن ينقطع عن كونه مضاد للحق ليصير المثل الذي يدخل الاضطراب على التمييز بين الحق والباطل. في هذا الصدد تقبل الانتاجات الخيالية التأويل لمعنى لا يمكن التعبير عنه بوسائل أخرى غير التخييل Fiction . على هذا الأساس نظر ريكور الى قيمة التحليل النفسي في كتابه في التأويل. محاولة حول فرويد 1965 في منح الحلم والتوهم حقيقة نفسية أكثر حتى من مخيال الدافعPulsion .
هكذا لا يقتصر الخيال على زخرفة الرغبة بل هو الذي يشكل منبع كل الرغبات ومصدر الذاتية نفسها وذلك حينما ينخرط في البعد الرمزي. كما أن المعنى الذي يجب على التحليل أن يعيد تكوينه ليس التعبير عن رغبة لاواعية بل هو المعنى المعيش للرمزي الذي يتلازم مع تجليه الخيالي. لكن كيف يمكن أن نعطي هذه القدرة في اعطاء المعنى الى الخيال ونحن نتعامل مع شيء يتهرب من كل معنى؟
في كتاب الاستعارة الحية الذي ظهر الى العموم سنة 1975 يوقع ريكور مفهوما جديدا هو الابداع الدلاليInnovation sémantique لكي يصف به شغل الاستعارة أو المجاز ويرفض أن تكون مجرد شكل أسلوبي ويرى أنها أثر عن الخطاب يحمل الصورة الى المعنى واحالة غريبة وتحميل مشوه بالقياس الى كونه ينطبق على حد من المحمولات غير المناسبة وتنتج صدمة دلالية بالنظر الى كونها حدث داخل الكلام. بيد أن هذا الحدث ينبثق في صورة تقوم بتقريب عالمين دلالين متعارضين ويظهر ذلك حينما يقوم الشاعر بإحداث تمفصل بين المعنى والمحسوس. بناء على ذلك يمنح الخيال داخل الاستعارة معلومة غير منشورة ويبرهن بكون مهمته لا تقتصر على انتاج الأوهام بل وأيضا على توجيه الأفهام وذلك عن طريق شعرية القول وإعادة الاعتبار للمحاكاة. ألم يقل أرسطو في كتاب الشعر: “أن نقدم استعارة جيدة يعني أن ندرك التشابهات بشكل جيد”16[16]؟
والحق أنه لا يوجد قطيعة بين علم النفس والسمينوطيقا لأنه لا توجد هوة بين الخطاب والمخيال. هذه النتيجة يطورها ريكور في كتابه الكبير “الزمان والسرد” الذي ألفه من سنة 1983 الى سنة 1985 حين يعثر على المخيال التكويني imaginaire constiturif ويسمي هذه العملية تشكيل الزمان بواسطة السرد الأدبي والسرد التاريخي. اللافت للنظر أن هذا الكتاب المسمى الزمان والسرد مبني من مفارقة أساسية حول طبيعة الزمان يذكرها أوغسطين من جهة النفس وكان أرسطو قد أثارها من جهة الكون. هكذا يجب القيام بدورة بواسطة السرد لكي يفهم المرء الزمان بما أن السرد يتمفصل على الزمان ويتيح له بأن يعطي للتجربة الانسانية شكلا معينا. كما أن التشكيلconfiguration هو تركيب خيالي للتجربة الزمانية. على هذا الأساس يعيد ريكور الاعتبار للسرد في علم التاريخ والأدب ويجعل الذكاء السردي على رأس مشروعه الفلسفي.
ان الزمان الذي يأمل الفيلسوف فهمه هو الزمان المروي والمقصود هو أن السرد يعطيه منظورية لا يمتلكها عند التجربية العارية للوعي، زد على ذلك يطرح الخيال السردي شيئا آخر مغايرا لمضاعفة الواقع بما أنه يساهم في تصميم الوقائع التي تنير الشكل الزمني للتجربة.
لعل هذا التفكير في البعد الدلالي للخيال ينخرط في الاتجاه الكانطي خول النزعة التخطيطية. اذ ينتج الخيال داخل الاستعارة تحميلا جديدا وداخل السرد يدرك تمفصل الزمان مع أطر التجربة الانسانية. هكذا يعطي الخيال الابداعي في الحالتين عند كانط وريكور صورة الى المفهوم ويشكل الوسيط الضروري لكي يتم تأويل المعنى وفهمه. من جهة أخرى يظل النقد الريكوري للبنيوية بعيداعن المحاولات التي تدرج المعنى ضمن الأنساق الرمزية الصورية وذلك لما تعانيه من نقص في عملية التخطيط schématisation. كما أن الهرمينوطيقا التي يحاول أن يجددها في هذا الكتاب ويعيد تعريفها لا تعني شيئا آخر غير تأويل شغل الخيال – بوصفه هذا الفن المخفي داخل أعماق النفس الانسانية- بالانطلاق من انتاجاته في القصيدة والسرد.
المفارقة التي تظهر هنا في آخر الكتاب تتمثل في أن الخيال يخططshématise الزمان في حد ذاته داخل التخييلfiction ويسمح في نفس الوقت بتقديم ترجمة حسية للذاتية في صورة الهوية السرديةidentité narrative. هذه الفكرة الجديدة المسماة الهوية السردية يتخذها ريكور كتاب “عين الذات غيرا” Soi même comme un autre الذي ظهر سنة 1990 وتختلف عن الهوية الشخصية وعن الهوية الثقافية.
غاية المراد أن ريكور يراجع الاتجاه المتمرد iconoclaste الذي يميز الفلسفة المعاصرة ويتضرع الى المعنى الأيقوني ويبقي على حضور منقوص للصورة في مقابل يلفت الانتباه الى قدرة التخييل ويسرع الى ابرام مصالحة في الفلسفة بين المحاكاةmimésis والتوهم phantasia، طالما أنه لا توجد مراوحة بين الخيالimagination الذي يعيد انتاج الواقع والمخيال imaginaire الذي يعيد ابداعه وبما أن معنى الواقع هو مباشرة مودع في الصور17[17].
ب-عالم متخيلimaginé وعالم مستعادretrouvé :
الخيال عند ريكور لم يعد قوة تضليل وخداع والآن ينبغي البرهنة أنه لم يعد أيضا مبدأ الوهم. وما تقوله المقاربة الثانية هو أن الخيال لا يقتصر على تحريف الحقيقة بل يتعدى ذلك نحو اثارة مشكل التمييز بين الواقع واللاّواقع وذلك بتمكين غير الموجود من الظهور. بناء على ذلك نمر من مشكل المعنى الى مشكل الاحالة ونبحث عما اذا كان ما يقوله الخيال هو لشيء معين.
اللافت للنظر أن جواب ريكور عن هذا المشكل هو ثابت ويتمثل في أن الخيال يساهم في تحييد الواقع ويتيح أيضا امكانية تشييد احالات جديدة وادراك العالم في يوم غير معلوم وبشكل مختلف.
على هذا الأساس لا تكون اللغة الشعرية امبراطورية داخل امبراطورية بل لغة استثنائية تحيط بالكلام وبالتالي هناك كثافة véhémence أنطولوجية للخطاب وبعبارة أخرى ثمة انتقالية transitivité للكلام تمنع كل بقاء في الفهم الذاتي. على هذا النحو تم التعامل مع الهرمينوطيقا بوصفها وثنية المعنى وعند ريكور تشهد صراع التأويلات وبالتالي توليد معان متعددة. دون أن ننسى أن الهرمينوطيقا عند ريكور هي فنومينولوجية بمعنى يتعلق الأمر بفعل الفهم بالقياس ما يسمح به الوصف وبالتالي يككون العالم هو أفق الكلام. لكن ما يعطى لللغة من قيمة يتم منحه الى الخيال أيضا. كما أن ريكور ظل وفيا لمصطلح هوسرل عن الانحرافات variations بما أن الخيال يحوز على وظيفة يوتوبية وهي ملكة تسمح للذات بأن تنعتق من الواقع المدرك عاديا وبالتالي يعلق الخيال ديننا الخاص من خلال وصف داخلي ويكون أحسن مضاد للأفكار المقبولة بشكل مبتذل. بيد أن وظيفته لا تتوقف عند هذا الانسحاب بل هو يؤدي وظائف أخرى بحكم ارتباطه بالكلام والجانب النفسي ولذلك فهو لا ينتج صور فحسب وإنما أيضا معنى. لكن قدر المعنى أن ينحل في إحالة وتبعا لذلك يكون الخيال قدرة على إعادة الوصف الواقع فهو يقول الأشياء بطريقة مغايرة ويبتعد عن اقتطاع جزء من العالم ويحول إدراكنا ويزيد من رؤيتنا. فماهو العالم الذي يوجد في أفق الخيال؟ أليس هو عالم الحلم الذي أخذ مكان العالم اليومي أم أنه العالم المستعاد بعد أن خضع العالم الواقعي لعملية التحييد الشعري ؟ ماذا لو كان يفيدعالم الحياة ؟
يثبت بول ريكور اصطباغ فكره بالفنومينولوجيا في كتاب جماعي شارك فيه عام 1986 عنوانه في مدرسة الفنومينولوجيا. ولكنه أصر على أصالة هذا الاتجاه عنده حينما بين أن الفنومينولوجيا لا تقوم بتحليل مباشر للإدراك بالانطلاق من العالم الراهن بل بمساعدة نظرية في الخيال والكلام الشعري. ويتمثل الأمر في القيام بخطوة إلى الوراء عن العالم المتصور نحو العالم المدرك وذلك عن طريق عملية يجريها الخيال باستثمار الكلام الشعري. هذا الأخير يتصف بكونه حر بالمقارنة مع القواعد النحوية ويقترب من اللغة العادية ولذلك فهو يسمح بمباشرة العالم بشكل مختلف. خير مثال على ذلك هو تحيل ريكور للاستعارة في مستوى دلاليتها ومن جهة إضافتها إلى الإحالة العادية إحالة من درجة ثانية واستدعائها القارئ لكي يرى الشيء كما لو لم يعهده من قبل وتشيدها لمعنى غير مألوف. لعل شجاعة ريكور تتمثل في إقراره بأن الإنتاجات الأدبية للخيال تسمح بتطوير إدراك الأشياء وتجعلها تقوم بوظيفة الكشف والإظهار للماهيات والجواهر. بطبيعة الحال لا يبدع إن المخيال بكل تأكيد المتشابهات ولا يشيدها في عالم وهمي وإنما على خلاف ذلك يسمح بظهور الأشياء في يوم جديد ويعيد تنظيم الإدراك وفق معايير مغايرة عن قواعد المنطق الصوري. على هذا الأساس يوجد ريكور على مسافة قريبة من ميرلوبونتي الذي يشير الى أن من يرى هو في الحقيقة يرى بواسطة مبدأ لا يراه أي يدخل إلى قلب الكينونة المستترة. هذه الأخيرة هي التي تحيط بالمرئي وتعطيه عمقه الضروري وتمثل ما يسمى باللاّمرئي وتتمثل مهمة الخيال في اكتشافه ومنحه إلى الإدراك من أجل توضيحه والتعبير عنه بلغة المفهوم.
هكذا يوجد عالم النص في أفق المنطق الداخلي للنص. بناء على ذلك يستعمل ريكور في كتاب الزمان والسرد مفهوم اعادة التشكيل refiguration لكي يستكمل نظرية التشكيل الخياليconfiguration imaginaire . لا يتدخل الخيال هنا في تكوين الزمان بواسطة السرد بل يشتغل أثناء تجربة القراءة ويثير الانتباه الى عوالم غريبة ويفتح قارات جديدة من المعنى. أن نقرأ هو أن نجسد مقصد الحقيقة الحاضرة في عبارة أو تخييل وذلك بأن نحسن الاصغاء لما يريده النص من قول. كما أن القارىء يجسد هذا المقصد عن طريق الخيال ويسمح بالالتقاء بين العالم المتخيل للنص والعالم الخاص لمن يقرأ وهذه المقابلة هي نوع من التقاطع ويسميها ريكور اعادة التشكيل وهي الحركة التي تعطي الى القارىء احالة الى النص ببناء العالم الذي يحمله. في الواقع أن نقرأ نصا معينا وأن نطلع على ما يتضمنه من صور شعرية ومعان وأفكار هو أن نتخيل عالما غير مألوف. لقد استعمل ريكور هذه النظرية حول تأثيرات واقعة المخيال في السرد لكي يرد على مزاعم ابستيمولوجيا التاريخ الوضعية وكشف الحقيقة الأنطولوجية للتاريخ الماضي.
في هذا الصدد يميز ريكور عندئذ بين التاريخ ومجرد نسخ المعطى ويعيد اظهار الماضي عن طريق الخيال التاريخي الذي يتبارى مع الوقائع في السرد ويعيد طابع الأحداث عبر القراءة.
يتموقع ريكور على نفس المسافة التي تفصل بين الواقعية التاريخية التي ترى وجوب قول التاريخ الأشياء كما حدثت بالفعل في الماضي والمذهب التخييلي الذي يدعي أن الماضي لا يوجد الا في السرديات المتعددة التي أنتجها كما هو عند بول فاين. أما عند ريكور فإن الخيال هو وسيلة للمعرفة بما كان. وهذا الأمر نجده واضحا للعيان في القسم الثالث من الزمان والسرد وفي كتاب الذاكرة، التاريخ، النسيان، وعبر عنه بمصطلح التمثيلانية représentance والتي قصد بها العلاقة بين السرد التاريخي والمرجع الذي يحيل اليه وجعلها تفترق عن التمثلreprésentation لأن الخيال التاريخي لا يظهر نسخة مطابقة للماضي بشكل تقريبي بل هو يمسك بهذا الماضي وينتج أثرا في حاضر القراءة ويتناول القارىء مجموعة الصور التي ترمز الى الماضي ويحرص على حكيها بطريقة مختلفة ومتنوعة مثلما يفعل المحلل النفسي مع أعراض المرض الذي يمسك بالرغبة المكبوتة ويساعد المريض على التحرر منها بتحليلها ومعرفة أسبابها ودواعي عملية الكبت. أما المؤرخ فلكي يشكل الماضي يجب أن يستعمل الوثائق والأراشيف والنصب التذكارية. غاية المراد أن ريكور ينقد أوهام الاحالة والمرجع والاحداثية ويستميت في القول بأن الخطاب هو حمال لتأثير من الواقع حتى وان كان عالم النص مخربا بالمقارنة مع الحقيقة المدركة. في حقيقة الأمر بالنسبة الى ريكور إن ” ما يحمله الخطاب الشعري الى الكلام هو عالم ما قبل موضوعي حيث نعثر على ولادة سابقة ، ولكن نسقط فيها امكانياتنا الأكثر خصوصية”18[18]. على هذا النحو تذهب الأطروحة التي يدافع عليها بعيدا حيث العالم المدرك هو منذ الوهلة الأولى عالم مؤول وهذا الوجود المؤول ليس متضايفا مع المفهوم الذي يتمثله بل مع الصورة التي تتشكل حوله أو يشكلها بنفسه. تبعا لذلك يكون تطعيم الفنومينولوجيا بالهرمينوطيقا وزرع الهرمينوطيقا في الفنومينولوجيا أمرا ضروريا داخل منظورية حيث يظهر العالم حسب معناه المطروح في الاستعمالات الرمزية والشعرية والتخييلية للكلام. على خطى هيدجر يسير ريكور حيث يصغي الى أنشودته :” نحن نرى ما نقوله عن الشيء”19[19].
لكن أليس ما نراه من الشيء عندما نقوله هو في الحقيقة ما كنا قد تخيلناه عنه؟
ث- الخيال في الفعل l’imagination dans l’action
يترتب من التحليل السابق أن الخيال ينتج معنى ويفتح الانسان على عالم أصلي ولكن دوره لا يتوقف عند هذا الحد بل يمكن أن يصبح مكونا جوهريا من مكونات ملكة الفعل. على هذا الأساس بذل ريكور جهدا كبيرا في سبيل تشييد أنثربولوجيا أخلاقية متمحورة حول فكرة الإنسان بوصفه كائن فاعل ومعذب وواجه النزعة البنيوية المعادية الإنسانية بتأكيده على فكرة الانسان القادر بديلا عن فكرة الإنسان الآثم أو الإنسان الخطاء ويعد فعل التخيل أحد القدرات المميزة له. بيد أن السؤال الذي يطرح هنا هو: كيف يمكن أن نفهم هذا النماءpromotion الإتيقي للمخيال؟
يبدو أن الخيال هو الذي يشكل الفعل في مرحلة أولى بمعنى أنه هو الذي يُخبِرُهُ ويضعه في اطار ويسمح له في مرحلة ثانية في بعض الاستعمالات أن يعيد تشكله عبر استعمال الرموز والسرد. ويترتب عن ذلك عدم وجود فكر لا يعتمد على الرمز وذلك لأنه لا توجد تعبيرات خالصة وغير إديولوجية للبراكسيس وأفعال البشر هي متمفصلة مع التمثلات والمشاريع والقواعد والمعايير. إن الفعل هو غير مفصول عن الخيال الذي يستبق الدروسcours ، وان الذات لا تقدر على امتحان حوافزها واللعب مع الممكنات في المخيال وتصطبغ بالأنا أريد الذي يعلن عن قدرتها على الفعل. وكما ذكر ماكس فيبر ان التصرف البشري لا ينال درجة النشاط إلا إذا أعطى معنى لمن يفعل وأصبح شيئا اجتماعيا. على هذا النحو تهتم هرمينوطيقا الفعل بتأويل معنى التصرف. غير أن هناك مفارقة تتمثل في أن الفرد يتعلق بما يريد فعله وقصده وفي نفس الوقت يتفق مع نسق القواعد التي يجعلها تشتغل ضمن العالم الرمزي الذي يطوره. يترتب عن ذلك أن الخيال يعني هنا القدرة التي تتيح ادراك الامكانيات التي وفرها المجتمع. أنا أفعل باندراجي داخل عالم رمزي لم أختره. من هذا المنظور تثمر المماثلة بين الفعل والنص وتشبه الدلالة الاجتماعية للحركة الى دلالة الجملة داخل النص. ان الفعل الانساني هو فعل رمزي بمعنى تعبره توسطات خيالية. ولهذا السبب يمثل الرمز الطريق المفضل للدخول الى الإتييقا. كما التحقيق في الوعي الآثم يبدأ بدراسة رمزية الشر. وحتى ان لم تكن الذات سيدة أفعالها فإنها تفكر في الفعل بمساعدة الرموز المتاحة في ذاكرة اللغة. أن يبدأ المرء في الفعل هو أن يواصل الفعل داخل تراث كان قد هو بدروه قد وضع بنفسه أسباب فعل. تبعا لذلك ليست الاتيقا الريكورية متمركزة حول مفهوم القانون ولا حول مفهوم العقل العملي الذي حقق استقلالا ذاتيا حيث يجب معارضته مطالب الرغبة الحسية. بل لا يمكن لريكور البقاء أصلا عند حدود مصطلح الواجب ولذلك نراه يسعى الى بلورة مفهوم الحرية حسب الرجاء أو الأمل liberté selon l’espérance ويعني بهذه العبارة المستحدثة حرية حسب ما يعد به المرء وكل ماهو غير مفصول عما يلزمه من فعل.ان وعود الفعل هي اختراق الخيال للمعيار ولكي يفعل الانسان فهو مطالب بتمثيل المستقبل الذي يحلم به وهذا نما يقتضي احداث تغييرات في الحاضر. لكن هل ثمة ملكة تغيير أكبر من الخيال؟
عندما أسس ريكور في عام 1960 مفهوم اللاّعصمة Faillibilité عبر تأويل أساطير أصل الشر في التراجيديا وفي الإنجيل فإنه نَصَّصَ على القدرة الخاصة التي يتمتع بها الخيال لكي يفتح على إمكان غير معهود. فالأسطورة مثلا تبلور الخطأ كحدث يحصل في التاريخ الفردي. من هنا يعطي للشر امكانية الوقوع في عالم الانسان وجوازه في التاريخ ويبرر ذلك بأن الخطأ ليس شكلا من القدر وإنما لحظة في تاريخ الحرية. وبالتالي لا يمكن تصور عدم اقتراف الانسان للخطأ. لقد ترتب عن ذلك اصرار ريكور على الخروج من قبضة هيجل وفي كتابه الثلاثي الشهير الزمان والسرد وذلك حينما رفض فلسفة التاريخ التي أعلنت على انتصار زمن السرد وشكوى الضحايا. في السياق أن نتخيل هو أن نتخيل تاريخا مختلفا عن التاريخ الذي حدث والتشكيك في مشروعية الواقعة التامة وأن نمنح الى الخيال بعدا اتيقيا خاصا به وخاصة انهاء التمييز والعنف بالمصالحة. هكذا يرسم السرد الفريد دربا مختلفا عن مسار التاريخ الرسمي ويفضل حقل الامكانيات على مسرح يبدو مغلقا ، ويؤدي المخيال في هذا الفيض دورا بارزا حيث لا يكتفي بإعطاء معنى للممارسة بل يعيد تشكيلها تماما على طريقة التراجيديا الأرسطية التي تعيد خلق الفعل في نفس الوقت الذي تقوم بمحاكاته. في كل الأحوال ينير السرد الفعل الانساني وشروطه في يوم جديد. على هذا الأساس يحبذ ريكور مرة أخرى القراءة حيث تذوب الذات في العالم الذي يقترحه النص. إن فعل القراءة هو تجربة الغيرية التي بواسطتها نتمرن على تجريب الاقامة في عوالم غريبة عن ذواتنا نفسها. لكن اذا كان التخييلfiction يسمح بادراك العالم بشكل مختلف فإن القارىء يتم استدعائه نحو تنسيب الآراء الذاتية ويقع تهيئته قصد تخيّل أنماط أخرى للفعل. غني عن البيان أنه مهما كان العالم المتخيل جيدا أو سيئا المهم أنه ينتمي الى عالم مغاير والجوهري أنه يظهر كإمكان ويتجه نحو فرض جوازه على العالم الواقعي. في النهاية يشكل المخيال مكونا للحياة الجماعية ويسمح بإزاحة العقبات التي تفصل بين السياسة والإيتيقا ويقرب بين القوة والحق. لعل الدرس الذي قدمه ريكور في الولايات المتحدة الأمريكية سنة 1970 تحت عنوان ” الايديولوجيا واليوتوبيا” هو تناوله كموضوع للبحث مجموعة من أشكال المخيال الاجتماعي، واقراره على خلاف الاستعمالات الماركسية بأن الايديولوجيا ليست التعبير المعكوس والزائف عن الممارسة العينية بل بالأحرى انتاج للمخيال تكون مهمته السماح للممارسة الفردية بالاندماج في السياق الاجتماعي. هكذا حينما يتعلق الأمر بذات فاعلة فإنها تبرر فعلها بالإحالة الى عالم رمزي من القواعد والقيم المفروضة من طرف التقاليد والتراث. والسبب أن الذات ليست الأولى التي تفعل ولا تقوم بذلك بشكل مفرد وخارج كل مؤسسة بل توجد تقاليد جماعية ومشتركة للفعل.
هذه الوظيفة الادماجية للايديولوجيا تناظرها وظيفة subversive تجاوزية استشرافية لليوتوبيا وتتمثل في تنسيب الانتماء الى العالم الاجتماعي بواسطة القدرة على الخلق بواسطة المخيال الجماعي. على هذا النحو يعارض ريكور بين التبرير الايديولوجي والقدرة الكشفية التي توجد لدى اليوتوبيا وتسمح لها بإظهار امكانية أخرى للعالم وتمثل دعوة الى تغيير العالم الذي نحيا فيه. كما أن المهمة النقدية التي ينخرط فيها ريكور تزيل التعارض بين الايديولوجيا واليوتوبيا وترتكز على التنوعات الخيالية حول قدرة التاليف التي تحوز عليها السرديات التي تعيد الاعتبار للحدثان وتقصد الزمان الراهن. عبر هذا الطريق نصل الى القناعة الأكثر عمقا لدى ريكور وهي أن ” الوعي كائن في عالم رمزي يسبقه ولكنه وعي بكل شيء وقادر على تجريب الحرية في المخيال. لو أمكن للخيال أن يحتل مركز هذا التفكير فلأنه يكشف عن المفارقة في هذا الوضع. ان الذات تتخيل في لغة رمزية ويعزم على مواجهة السرديات التي يلم يؤلفها وذلك بضمان شرط الانتماء الى عالم خيالي. لكن نفس القدرة على التخيل تسمح بتطوير ادراكات الذات وتقييماتها بادراج الممكن في عالم يبدو مغلقا وهذا شرط الانتماء الى عالم حيث يشترط الانتماء الذاتي وشرط عدم انتماء الذات ويتوقف انتماء الذات الحرة على قدرتها على اعادة خلق حياتها بشكل مختلف”20[20]. فكيف ترسخ مفهوم المخيال ضمن الفلسفة السردية؟
خاتمة:
” لقد علمنا ريكور بأن الخيال يلعب دورا مركزيا”21[21]
يمكن إعادة تشكيل وحدة الفلسفة الريكورية عن طريق الفكرة الناظمة التي تطرح مسألة التخيل في إطار المنعطف الاستيطيقي وما تمخض عنه من حركة ابداعية جمالية تجلت في عدة آثار. في الواقع تتمثل خاصية ريكور في تعامله مع الخيال ليس ككلية نفسية ، بل كقوة دلالية: اذ يرى بأن الاستعارة والسرد يجعلان من الممكن تصور الواقع بخلاف ما هو عليه ، وبالتالي تخيله. إن الصورة ليست أقل من الإدراك ولا أقل من المفهوم ، إنها الأداة التي تتيح التعبير عنهها. لقد قام ريكور بتأكيد هذا الترويج للخيال إلى رتبة البعد العملي في نظرية للإيديولوجيا واليوتوبيا22[22]. إن التخيل هو بالأساس عملية لغوية في المقام الأول ، لكنها عملية لا تزال لها مقصد فنومينولوجي ، حيث يحدث فيها التفمصل الفنومينولوجي الهرمينوطيقي ، بما أن الهدف باختصار هو السماح لأنفسنا بالوصول شعريا إلى معرفة الحياة أو العالم المحسوس الذي يقوم المخيال بمهمة تكوينه. كما تبدو اللغة الشعرية في هذا الاستخدام التخيلي للغة الذي يمكن أن يعلمنا المزيد عن ماهية الإنسان وما هو عليه العالم ولذلك ينبغي الاشادة بقوة الاستعارات وبالقراءة التي تحول النص إلى حدث. لكن ماهي المنزلة المعرفية والوجودية للعالم المتخيل؟ وإلى أي مدى يمكن للعالم الذي يرسمه الخيال أن يستمر؟ أي عالم يمكن للقارئ فيه أن يعرض كل إمكانياته التخيلية وقدراته العملية؟
لم يعد مجرد عالم خيالي ، عالم وهمي بالمعنى الخاطئ للمصطلح ، ولكنه عالمًا يتنافس مع العالم الواقعي، ولقد تولد عن هذه المنافسة بينهما طرق جديدة للإدراك والفهم ومسارات مختلفة للفعل. يمكن الاستنجاد بالخيال حسب ريكور بغية إيجاد حل للتردد القائم بين الطابع الكوني للمقصد الايتيقي والخصوصية التاريخية للقرار وتخطي النزاعات الناتجة عن تطبيق المعايير نفسها على وضعيات جزئية بالتعويل على الطابع الخلاق للايتيقا الشاعرية وجعل الخيال قوة مبدعة للفعل23[23]. إذا كانت كل من الايديولوجيا واليوتوبيا تعبيرتين رمزيتين من تعبيرات الخيال الاجتماعي فإن الخيال هو انتاج متواصل للدلالات والسرديات ويستمد منه الفكر المصادر الرمزية ويستند عليه الإنسان بغية الإندراج في النظام الاجتماعي وترتكز عليه المجموعة البشرية للتموقع التاريخي24[24]. أما الخيال السردي فهو الذي يسمح ببناء وسائط رمزية بين التراث المادي والراهن الواقعي عبر امتلاك تقاليد الحياة الجيدة وتكوين مواقف أساسية وقناعات موزونة وتعليم استعدادات إيتيقية. ان مشروع شاعرية الوجود سمح بالإشارة إلى الروابط المتينة بين الخيال والحياة الروحية وتأثر القارئ للبعد الشاعري من الخطاب وتملك الذات رمزيا قدرات تأويلية بوساطة الخيال السردي. هكذا يصبح الخيال هو المكان الذي تلتقي وتتقابل فيه التمثلات والعروض التي تسمح بالإلهام الأساسي للإنسان وتحويل الذات وتساعد على ابداع الكينونة وطريقة جديدة للوجود في العالم25[25]. علاوة على ذلك تعمل الوساطة التخيلية عبر التخطيط الاستعاري على حشد الفكر الموسع لكي يقوم بخدمة الخيال السياسي وينعش الإحساس بالصالح المشترك عن طريق الفاعلية الشاعرية ويساعد على تخيل أشكال جديدة من التضامن والتآزر بين الأفراد والجماعات وعلى ممارستهم للتآخي26[26]. لكن إلى أي مدى يؤدي تتابع الخيال الذي يجب اتخاذه بواسطة سلطة الحب إلى التغلب على العنف وتجنب الحروب وتمتين تلاحم الروابط الاجتماعية وتدعيم السلام الأهلي؟
الإحالات والهوامش:
[1] Ricœur (Paul), du texte à l’action, essais d’herméneutique, t.II, édition du seuil, 1986,p225
[2] Platon, le Sophiste, in Œuvres complètes, Pl Gal, t, II, 263d- 264b, p330-331.
La république, t. I ; li ;VI, 511a, p1100.
[3] Épictète, Entretiens II, in les Stoïciens, PL Gal, pp929-932.
[4] Descartes René, Méditations métaphysiques, in Œuvres, PL Gal, Méd. VI, pp318-319.
Les passions de l’âme, art.211,p794.
[5] Imagination reproductrice
[6] Imagination créatrice
[7] Kant Emmanuel, Anthropologie du point de vue pragmatique, édition Vrin, Paris ,1964, réédition 2008 , partie 1p47.
Critique de la raison critique, 1781, traduit par Tremesaygues et B. Pacaud, édition PUF, Paris,1965 p150-153.
[8] Kant Emmanuel, critique de la faculté de juger, traduit par Alexis Philonenko, édition Vrin, Paris,1979, §35, p122.
[9] Sartre J. Paul, l’imaginaire, édition Gallimard, Paris, 1940, réédition, collection folio essais, Gallimard,1986, pp23, 29,232.
[10] Bachelard Gaston, l’eau et le rêves, éditions Corti, Paris, 1965,pp23-24.
La terre et les rêveries de la volonté, éditions Corti, Paris, 1965, p3-4
L’air et les songes, éditions Corti, Paris,1965, pp118-119.
[11] Bachelard Gaston, Poétique de l’espace, édition PUF, Paris, 1957, pp16-17.
[12] Jung Carl, les types psychologiques, éditions Georg et Cie Genève , p310sq
Durand Gilbert, les structures anthropologiques de l’imaginaire, édition Bordas,
[13] Ricœur (Paul), Anthologie, textes choisis et présents par Michael Foessel et Fabien Lamouche, éditions Points, 2007.431p.
[14] Michael Foessel, Penser l’imaginaire,
[15] Husserl Edmond, Idées directrices pour une phénoménologie, §70, Traduction de Paul Ricoeur, Paris , Gallimard, 1950.p.227.
[16] Aristote, Poétique, 1459 a.
[17] Michael Foessel , in Ricœur (Paul), Anthologie, op.cit. p.14.
[18] Ricœur (Paul), la métaphore vive, Paris, Seuil, 1975. Reed, Points- Essais, 1997. P.87.
[19] Martin Heidegger, Prolégomènes à l’histoire du concept de temps, GA 20, Francfort –sur-le- main, 1979. p.75.
[20] Michael Foessel , in Ricœur (Paul), Anthologie, op.cit. p.22.
[21] Alain Thomasset, l’imagination dans la pensée de Paul Ricœur, in revue Etudes théologiques et religieuses, 2005-4, Tome 80, pp525-541.
[22] Michael Foessel, Action, normes et critique, Paul Ricœur et les pouvoirs de l’imaginaire, in revue Philosophiques, volume41, Numéro 2, Automne 2014, pp241-252.
[23] A. Marcel Madila Basanguka, éthique et imagination chez Paul Ricœur, in Revue d’éthique et de théologie morale, 2005, 1, N°233,pages 113 à 134.
[24] Anne Dujin, l’imaginaire des inégalités, in Revue esprit, septembre 2018, N°447, p38.
[25] Alain Thomasset, l’imagination dans la pensée de Paul Ricœur, in revue Etudes théologiques et religieuses, 2005-4, Tome 80, pp525-541.
[26] Monteil Pierre-Olivier, Raviver le sens du lien social par la médiation de l’imagination. Schématisme métaphorique et jugement politique selon Paul Ricœur, in Revue philosophique de Louvain, Tomme 112, N°1, Février 2014, pp75-96
المصادر والمراجع:
Ricoeur (Paul), la métaphore vive, Paris, Seuil, 1975. Reed, Points- Essais, 1997.
Ricœur (Paul), du texte à l’action, essais d’herméneutique,t.II, édition du seuil, 1986.
Ricœur (Paul), Anthologie, textes choisis et présents par Michael Foessel et Fabien Lamouche, éditions Points, 2007.431p.
Aristote, Poétique, 1459 a.
Platon, le Sophiste, in Œuvres complètes, Pl Gal, t, II, 263d- 264b.
Platon, La république, t. I ; li ;VI, 511a, p1100.
Épictète, Entretiens II, in les Stoïciens, PL Gallimard.
Husserl Edmond, Idées directrices pour une phénoménologie, §70, Traduction de Paul Ricoeur, Paris , Gallimard, 1950.
Martin Heidegger, Prolégomenes à l’histoire du concept de temps, GA 20, Francfort –sur-le- main, 1979.
Descartes René, Méditations métaphysiques, in Œuvres, PL Gal, Méd. VI.
Descartes René, Les passions de l’âme, art.211.
Kant Emmanuel, Anthropologie du point de vue pragmatique, édition Vrin, Paris ,1964, réédition 2008 , partie 1.
Kant Emmanuel, Critique de la raison critique, 1781, traduit par Tremesaygues et B. Pacaud, édition PUF, Paris,1965.
Kant Emmanuel, critique de la faculté de juger, traduit par Alexis Philonenko, édition Vrin, Paris,1979, §35.
[1] Sartre J. Paul, l’imaginaire, édition Gallimard, Paris, 1940, réédition, collection folio essais, Gallimard, 1986.
Bachelard Gaston, l’eau et le rêves, éditions Corti, Paris, 1965.
Bachelard Gaston, La terre et les rêveries de la volonté, éditions Corti, Paris, 1965.
Bachelard Gaston, L’air et les songes, éditions Corti, Paris,1965.
Bachelard Gaston, Poétique de l’espace, édition PUF, Paris, 1957.
Jung Carl, les types psychologiques, éditions Georg et Cie Genève , p310sq
Durand Gilbert, les structures anthropologiques de l’imaginaire, édition Bordas,
Revue esprit, septembre 2018, N°447.
Revue philosophique de Louvain, Tomme 112, N°1, Février 2014.
Revue Etudes théologiques et religieuses, 2005-4, Tome 80.
Revue Philosophiques, volume41, Numéro 2, Automne 2014.
Revue d’éthique et de théologie morale, 2005, 1, N°233
[1] Ricœur (Paul), du texte à l’action, essais d’herméneutique, t.II, édition du seuil, 1986,p225
[2] Platon, le Sophiste, in Œuvres complètes, Pl Gal, t, II, 263d- 264b, p330-331.
La république, t. I ; li ;VI, 511a, p1100.
[3] Épictète, Entretiens II, in les Stoïciens, PL Gal, pp929-932.
[4] Descartes René, Méditations métaphysiques, in Œuvres, PL Gal, Méd. VI, pp318-319.
Les passions de l’âme, art.211,p794.
[5] Imagination reproductrice
[6] Imagination créatrice
[7] Kant Emmanuel, Anthropologie du point de vue pragmatique, édition Vrin, Paris ,1964, réédition 2008 , partie 1p47.
Critique de la raison critique, 1781, traduit par Tremesaygues et B. Pacaud, édition PUF, Paris,1965 p150-153.
[8] Kant Emmanuel, critique de la faculté de juger, traduit par Alexis Philonenko, édition Vrin, Paris,1979, §35, p122.
[9] Sartre J. Paul, l’imaginaire, édition Gallimard, Paris, 1940, réédition, collection folio essais, Gallimard,1986, pp23, 29,232.
[10] Bachelard Gaston, l’eau et le rêves, éditions Corti, Paris, 1965,pp23-24.
La terre et les rêveries de la volonté, éditions Corti, Paris, 1965, p3-4
L’air et les songes, éditions Corti, Paris,1965, pp118-119.
[11] Bachelard Gaston, Poétique de l’espace, édition PUF, Paris, 1957, pp16-17.
[12] Jung Carl, les types psychologiques, éditions Georg et Cie Genève , p310sq
Durand Gilbert, les structures anthropologiques de l’imaginaire, édition Bordas,
[13] Ricœur (Paul), Anthologie, textes choisis et présents par Michael Foessel et Fabien Lamouche, éditions Points, 2007.431p.
[14] Michael Foessel, Penser l’imaginaire,
[15] Husserl Edmond, Idées directrices pour une phénoménologie, §70, Traduction de Paul Ricoeur, Paris , Gallimard, 1950.p.227.
[16] Aristote, Poétique, 1459 a.
[17] Michael Foessel , in Ricœur (Paul), Anthologie, op.cit. p.14.
[18] Ricœur (Paul), la métaphore vive, Paris, Seuil, 1975. Reed, Points- Essais, 1997. P.87.
[19] Martin Heidegger, Prolégomènes à l’histoire du concept de temps, GA 20, Francfort –sur-le- main, 1979. p.75.
[20] Michael Foessel , in Ricœur (Paul), Anthologie, op.cit. p.22.
[21] Alain Thomasset, l’imagination dans la pensée de Paul Ricœur, in revue Etudes théologiques et religieuses, 2005-4, Tome 80, pp525-541.
[22] Michael Foessel, Action, normes et critique, Paul Ricœur et les pouvoirs de l’imaginaire, in revue Philosophiques, volume41, Numéro 2, Automne 2014, pp241-252.
[23] A. Marcel Madila Basanguka, éthique et imagination chez Paul Ricœur, in Revue d’éthique et de théologie morale, 2005, 1, N°233,pages 113 à 134.
[24] Anne Dujin, l’imaginaire des inégalités, in Revue esprit, septembre 2018, N°447, p38.
[25] Alain Thomasset, l’imagination dans la pensée de Paul Ricœur, in revue Etudes théologiques et religieuses, 2005-4, Tome 80, pp525-541.
[26] Monteil Pierre-Olivier, Raviver le sens du lien social par la médiation de l’imagination. Schématisme métaphorique et jugement politique selon Paul Ricœur, in Revue philosophique de Louvain, Tomme 112, N°1, Février 2014, pp75-96