يعتبر الادب هو أحد اشكال التعبير الإنساني الذي تُسَيرهُ مؤثرات زمنية مختلفة الى جانب موروثات تاريخية وأجتماعية وبيئية وثقافية… كونه ينقل او يعكس العوامل النفسية بشكل عناوين او صور مختلفة اللغات، فاللغة حال لسان، أما الكتابة فهي تشير الى النص، كما أن الأدب يشير الى دلالات اللسان و الرسم…. لذا و في نظرة الى بدايات الكتابة التي لا يجهلها احد من الباحثين في الادب إنها كانت على شكل صور على جدران الكهوف و ذلك ما كشفه الباحثين عن الحضارات كحضارة المايا والحضارة المصرية والاقدم الحضارة السومرية حيث أنها تترجم بمعاني المراد منها فهمه.. فالقارب يعني ان هناك أنهار و وسيلة نقل، الخيم يعني ان المنطقة آهلة بالسكان والاستقرار، الشجر يعني ان هناك ارض زراعية أو بستان او غابة للغذاء والعمل الزراعي، كذلك ينطبق على انواع صور الحيوانات، كلها تصب على ان هناك بيئة للسكن و للغذاء وهكذا… لقد أورث الخالق عز وجل عندما خلق الإنسان بمخزون إدراك حسي للأشياء مخزون في الذاكرة متوارث فحين خلق آدم علمه الاسماء كلها… نلاحظ ان الخالق قال اسماء وليس صور.. وهذا هو المعنى العام للصور فلا يمكن ان تكون كلمة ذات معنى إن لم يكن لها صورة مخزونة، كما الحروف فالهاء تمثل دورة الهواء في الحلق و حين اللفظ، الكاف مثل كف اليد للعمل، الصاد كما هي الصنارة تستخدم للصيد وهكذا دواليك بقية الحروف التي اخذت عن الحضارة الاكدية التي جاءت بها وعددها إثنان وعشرون حرفا ثم بعدها اضيف إليها الحروف الست اخرى فصارت ثمانية وعشرون حرفا… فالسين اضيفت النقاط فاصبحت شين والصاد لها الضاد والحاء جيم و خاء الخ.. وهذه الحروف و ما يمثله شكلها إنما هي صور أبدع في استحضارها الانسان، تماما مثل مخرجات الحاسوب بعد ان يكون قد ملئت ذاكرته بمدخلات للتعامل معها… فكل شيء خلقه الله تحت مسمى ذريعة فالماء ذريعة الحياة والنور ذريعة للنهار والظلمة ذريعة لليل وهكذا جميع الموجودات… يبقى على الإنسان الذي يريد أن يدخل عالم الأدب أن يتلمس كل هذه المكنونات و الموجودات خلال منظار مختلف عن الانسان العادي مثل المتلقي القارئ، فالإنسان خلق بمستويات ثقافية مختلفة كما هو اختلاف المستويات الاجتماعية او البيئية… و أعني البيئة والتي اعتبرها المؤرخ الاول والاساس في إنماء العقل الباطن عندما يكون غض لم يعبئ بعد… فالعقل الباطن يسمى بمنطوق الذرائعي ( الملاك الحارس ) أي انه المراقب الأول للتعامل سواء بالنصوص او الصور أو الابعاد الإيحائية التي يرمز إليها الأدييب او الكاتب، فالنص كالإنسان علينا ان نتعامل معه بنفس المشاعر والأحاسيس التي تجعل من المتلقي في الكثير من الاحيان بأن يتفاعل مع النص الادبي بمشاعر قد تسبب له الحزن، الفرح، البهجة، و للبعض الآخر تسبب الكآبة أو الحقد على احد شخصيات الرواية… خاصة إذا كان التعامل النفسي باديا عند البعض من المتلقين… فهناك حالات يتعامل معها المتلقي حين يقرأها كأنها تصفه او كُتِبت لشخصه وهذا واقع لا يمكن ان ننكره… يبقى اننا عندما نعمل على نقد أي نص أدبي أن نركب قارب الحياد ونتوشح بمعنى الجراح الذي يريد ان يحيي النص بحيادية ومن خلال تشريج جسد لديمومة حياة كي يكون عامل إيجابيا مساندا للإبداع… فليس كل من قرأ نص لرواية او قصيدة شعر جعل من نفسه ناقدا حصيفا يمكنه ان يُقَيم العمل بالشكل الصحيح، إلا عندما يقرأ العنوان او النص بشكل يرقى الى ان يجعل منه موروثا أدبيا… فَقُرّاء الرتم السريع الذي يشرحون النص بسطحية على أنه نقد لا يمكن ان يقيموا العمل الادبي كون له مقاييس ومعايير يتضمن دخوله الى عوالم و ابواب، فالقص القصير ليس مثل الشعر والشعر ليس مثل الرواية… ( إن الرواية كما يعرفها ميلان كونديرا: ” ليست الرواية اعترافًا من اعترافات المؤلف, بل هي سبر ماهية الحياة الإنسانية في الفخ الذي استحاله العالم ) انتهى
وهنا اقتبس من كتاب الذرائعية والنقد العلمي الادبي للاستاذ عبد الرزاق الغالي قوله:
( تعتبر من أصعب الفنون الأدبية على الإطلاق, وذلك لنفس الأسباب التي تبدو سهلة, وهى غياب الضوابط الشكلية أو التقاليد الثابتة التي تسهل على الكاتب مهمته، فهي لا تكتب نظمًا مثل الشعر، بل هي مقسمة إلى فصول ومشاهد تخضع لأعراف سائدة ومتأثرة بالظروف المحيطة، كما في المسرح، فالكاتب يسرد الأحداث دون أن يقيّده زمان أو مكان، ودون أن تحدّه حدود الطول ولا القصر، كما أنه ليس مقيّد اليدين إزاء الوصف والاستطراد، أو عدد الشخصيات, فهو يستطيع أن يقدم أي عدد من الشخصيات، وأن يتعدّى وحدة الانطباع فيخلق العديد من الانطباعات, أي أن الرواية الحديثة هي الفن الأدبي المنثور الذى حلّ محل القصة الشعرية الطويلة الملحمة وتحوّل هذا الفن من الشكل المسموع إلى الشكل المقروء، ومع أن الرواية طويلة، لكن لها خصائص مثل القصة القصيرة, أي تشترك مع القص القصر بنفس الخصائص والبناء… فالرواية لها القدرة على التكيف والتطوع والتطور، وقادرة على معالجة أي موضوع، وأثبتت قدرتها على البقاء في العالم رغم التنافس القوي من السينما والمسلسلات التي تمثل صورة للفن الروائي ). انتهى
فالرواية تعتمد على السارد والمسرود له بما تحتوية من صور بلاغية ومحاكاة إنسانية تسمو بالتعبير لتجعل من العمل بناء متكاملا يرقى لأن يكون ابداعا… ولا يمكن بأي حال من الاحوال ان يبدع الاديب مالم يمتلك هبة الملكة الادبية فهي نفحة إلهية ليس كل من كتب صار اديبا او كاتبا فالشاعر لا يمكن ان يبدع بكتابة رواية كما يبدع في كتابة الشعر… وهكذا دواليك إن مجالات الكتابة كثيرة والاقلام التي تحترف قليلة فرواية الشيخ واليحر لهمنغواي من الادب الانجليزي او البؤساء من الادب الروسي و روايات غابريل غارسيا وشارل ديكنيز أو تولستوي في آنا كارنينا وغيرهم من المبدعين يعتبرون طفرات زمنية لعصرهم و لازل الى الان لا احد يستطيع ان يكتب بنفس المستوى و النفس وذلك لإختلاف المعاناة و الحالات النفسية التي انخرطت الى عمق نفسه الروائي ليسردها مع اختلاطه مع البئة و العصر محاط بالضغوطات السياسية فالعصر الذي كتبت فيه للثقافة موروثها الخاص حينها مستحضرين الجانب النفسي والاخلاقي، هناك كتاب وأدباء كتبوا الكثير لكنهم ابدعوا في رواية او أثنتين ومن العرب يعتبر عبد الرحمن منيف من الادباء الذين اتقنوا الكتابة بجدارة و ابدعوا بالعديد من كتابة الروايات مثل ( الآن هنا، الشرق المتوسط ، الاشجار واغتيال مرزوق الى جانب سلسلته الابداعية التيه والاخدود .. الخ مثله مثل الكتاب العالميين.. نعم هناك غيره من مصر ومن العراق ومن السودان كما رواية الطيب عرس الزين وغيرهم بالطبع لايوجد مجال لذكرهم…
وسؤال… لم انتشرت النظرية الذراعية؟ فمن خلال حوارات مع بعض الادباء العرب والنقاد من مصر والمغرب وتونس ولبنان وكندا اعتبروا النظرية الذرائعية مدخل جديد الى عالم النقد العلمي الادبي الذي استشرى مثل وباء محمود الجانب في الوطن العربي وحتى الاوربي… فالتجدد حالة صحية فيما إذا وجدت القلوب النيرة والعقول المنفتحة… إن النظرية الذرائعية عائلة تمتلك الادوات الصحيحة لتشريح النص الادبي فحين يقرأ الناقد الذرائعي نص ما يعيش حالة من حالات التفؤد أي أنه يجعل من نفسه صورة قارئة لكل حرف من حروف الرواية و جعل قراءتها تتطلب استخدام الادوات اللازمة لإبداء المعنى بعيدا عن القراءات الأدبية السطحية، فالناقد الذرائعي يبحث عن الرسائل الخفية في النص ينظر إليها بمنظور جمالي إيحائي سيمانتيكي براغماتيكي يختلف عمن يقرأها بشكل عام، اي انه سؤال وجواب ( لم، لماذا، كيف، و الغرض من ) مع استحضار الزمكانية التي تشغل حيز الرواية الماضي الحاضر أو المستقبل، كما ان خلفية الراوي الاجتماعية والمؤثرات التي يعيشها تصنع منه أداة ناقلة للواقع او تجعل من عقله انسانا يهرب الى الفنتازيا والخيال، او كما يقول باختين ( أن الروائي قد ينطلق من خلفية لسانية سيميائية, متخليًا عن ذلك الربط بين الرواية والطبقة البرجوازية, وتبنى معطيات التحليل التاريخي للمجتمع, معتبرًا الرواية مجالًا لتوليد المعاني الجديدة ).
علينا ان لا ننسى ان الرواية قد وصلت للوطن العربي متأخرة في مطلع القرن العشرين عن طرق مختلفة منها التبادل المعرفي والاختلاط بين الثقافات من خلال نقل السير او ترجمة الكتب… و لا ننسى أيضا ان جميع الرويات العربية في بداياتها كانت قصصا قصيرة.. تنشر في المجلات العربية لترويجها..
و هنا اقتبس عن الدكتور عبير خالد يحيي الناقدة الذرائعية قولها:
1- للرواية في العالمين العربي والغربي نفس الأغراض والأهداف التي يبتغي الكاتب تحقيقها, ومنها:
– نقل تجربة عاشها الكاتب أو عايشها أو تلقاها محكية ( ثلاثية التناص الذرائعية )
– تصوير ظاهرة ما, سيئة أو جيدة, في مجتمع معين, وبذلك تغدو الرواية مرآة للواقع الاجتماعي.
– إعادة تقديم التاريخ بسرده في شكل قصصي بغية ترسيخ أحداثه وأهم التطورات التي عرفتها البشرية , كالتاريخ الوطني مثلًا.
– تسليط الضوء على حالة نفسية ما, قد يمر بها الإنسان وتغير من طبائعه وتوجهاته, بل ونظرته إلى الحياة.
2- ينظر النقد إلى الرواية على أنها جنس أدبي مستقل بذاته, سواء النقد العربي لرواياتنا, أو نقد الآخر لرواياته.
3- كل من الروايتين العربية والغربية يلجأ فيها الكاتب إلى توظيف الرمز والأسطورة, والانزياح نحو الخيال والجمال لإعطاء حرفية وجمالية أكثر للصناعة الروائية.
4- تشترط كتابة الرواية في كلا البيئتين, العربية والغربية, توافر مجموعة من الميكانيزمات الضرورية لاستقامة السرد, وهي: الفكرة, الشخصيات, الزمكانية. وما يفرز عنها من عناصر سردية: كالحوار والوصف والتشابك السردي, فلا تبنى رواية بمعزل عن هذه الآليات.
5- إن جنس الرواية يخضع للتطور ليواكب روح العصر, وتغيرات الحياة وتحولات ظروفها, وهذا ملموس عند كل من يمتهن ويحترف الفن الروائي سواء كان عربيًا أو غربيًا.
6- تأثرت الرواية بجملة المذاهب والتيارات التي عرفها الفكر البشري بالعموم, والأدب بالخصوص, كالواقعية على سبيل المثال, هذا عند الغرب, ومادامت الرواية جنسًا قدم إلينا من هناك_ أي من العالم الغربي_ فلا عجب أن تتأثر الرواية العربية عندنا بتلك المذاهب التي جاءتنا على نفس المركب. ألا وهو الترجمة. ( إنتهى )..
فالناقد الذرائعي يوحى إليه من خلال مكامن نفسية وسيكلوجية و ابعاد تراكمات قراءات متعددة مثل المحور البصري أو المحور الاستراتيجي الديناميكي او من خلال المحور الفني التقني، تقنية التدوير السردي والخطف الخلفي كأن يبدأ الرواية من نهايتها، تقنية التمازج بين السرد والحوار الى جانب العديد من التقنيات التي على الاديب ان يمتلكها مثل…
1. تقنية التضاد
2. تقنية زر الحذف
3. تقنية الرغبة الملتهبة
4. تقنية حرق الجسر
5. تقنية الفوز الصغيرة
6. تقنية التحفيز
7. تقنية الإيمان والمحبة
8. تقنية التصور
9. تقنية التحضير الفيزيائي
10. تقنية الانفصال
11. تقنية المانترا (الوساوس المرضية)
12. تقنية القراءة الجهرية
13. تقنية الإيحاء
14. تقنية تلقي الاتصالات
والناقد العالم فيها كي يسبر غور تشريح العمل بالنص الادبي ومن خلال دراسات كثيرة للنصوص الادبية وبمنطور الناقد ان العصا تمثل الظلم او إنها تمثل الاستبداد… او السلطة او الجبروت…
لذا ومن خلال ما يمتلكه الاديب من امكانيات وتقنيات لا يسطيع إظهار جماليتها إلا الناقد البارع وبشكل نقد علمي شرط ان يكون العمل الادبي يسير على المحور الاخلاقي وكما يقال الادب عراب المجتمع أي انه يحمل دروع اخلاقية تحميه من التسفه او الاتيان بخط غير اخلاقي يؤثر في المجتمع الذي تربى ورضع العادات والتقاليد… الى جانب الخط الموازي له وهو العامل النفسي السيكولوجي… قد يكون هناك طفرات لكنها بالتأكيد هدفها العام انن تستحوذ على فكرة ما سائدة لا يرام لها التفشي او الشيوع…
لذا و عندما نتحدث عن النقد الادبي العلمي بطريقة الذرائعية علينا ان ندرك أننا أمام علمية جديدة تسهم بالتأكيد بأن تعيد صياغة النقد الادبي السائد وهذا ليس تحيزا لكن لعلمية النظرية الذرائعية و مكانتها في نفوس الكثير من النقاد والادباء… و التي قد يقول البعض انها ليست جديدة لكنها صارت الان فمن له احقية الكشف عنها والبحث والدراسة في تطويرها كعلم بات كشجرة يستورف في ظلها الكثير من النقاد والادباء سواء في المغرب العربي او مصر او لبنان أو كندا وغيرها من الدول.. لا اظهر حقيقة خافية حين اقول ان العديد من الكتاب يتسارعون الى نقد اعمالهم من خلال النظرية الذرائعية البعض قد يفشل والبعض قد ينجح… إنها عالم متطور ومستحدث كما اللغة فمن يعني بتغير اللغة من حيث استخدام المفردات ذات الخصوصية العربية يعلم ويدرك انها متغير فلازالت هناك صعوبة في معرفة معاني لمفردات ذكرت في الشعر الجاهلي و إن كنت لا احبذ كلمة الجاهلي فمن يوجد لغة كرمها الله بأن تكون لغة قرآنه الكريم وعن لسانه لا تحمل صفة الجهل… إن الامتداد التأريخي لمتغيرات اللغة يجعل من الباب مفتوحا امام الروائيين والشعراء وادباء السير او المدونات ان تتغير اللغة بمفهوم التكنلوجيا الحديثة… إن العالم يتغير بشكل مستمر و دائم و نحن بحاجة الى هذا التطور سواء في الكتابة او النقد مثلما هناك اوجه للتشابه ايضا هناك اوجه للإختلاف من ناحية عصرنة الرواية وأدواتها النقدية و البعض يرى ان التجدد يلغي حضوره فيعمد الى مناطحة التجديد في النقد رغم أن بداخله قناعة يؤمن ان ذلك لابد حدوثة فالعالم كل لحظة في تغيير كما هو النظام الانواء الجوية والبيئي الذي بات مؤثرا على الكثير من الدول التي يقطنها الإنسان ويتعامل معها آنيا بما لديه من إمكانيات… و هكذا النقد الذرائعي يصنع عالمه بأدواته كي يثبت لنفسه أولا بأن التجدد لابد حاصل و إن الموروثات والتعامل بالادوات القديمة لا يمكنها ان تواكب حداثة العامل الجديد بما يحمله من مصفوفات أتقنت فن النقد العلمي للأدب بشكل عام.
القاص والكاتب
عبد الجبار الحمدي