هناك إختلاف طبيعي كبير بين الأخلاق والسياسة، والبعض يتحدث عن إستحالة إحتواء إحداهما للآخر، لكن هذا الإختلاف عند الخالد مصطفى البارزاني إختلف مع الكثير من القادة والسياسيين الذين سبقوه والذين جاؤا من بعده. حيث إستطاع بوعه الحضاري والإنساني الربط بينهما ودمجهما في أجواء الحرية والاعتدال وفي الحركة التحررية والإنتفاضات والثورات التي قادها، والحزب الذي أسسه، بحزمة من القيم الإنسانية العامة المرتبطة أصلاً بكينونته وإنسانيته، التي تتمحور حول الصدق والوفاء والشجاعة وضروراتها البعيدة عن مناخات التطرف والعنف.
هذا الإختلاف مع الآخرين ناتج مما غرسه الله في نفسه من طبائع وأخلاق حميدة متأصلة، ومن تنشأته الاجتماعية وأصوله الدينية التي ساعدته على العزم والإصرار والعطاء دون انتظار المقابل، عطاء وصل إلى حد التضحية بالنفس. ونابع من الاعتداد بالذات واستجماع قيم الأخلاق الأساسية، واكتشاف الآخرين بالعقل والحكمة المتراكمة والمبادئَ العامة للنظام الأخلاقي، وتوجيه صفعات قوية الى وجوه المؤمنين بالقوة والعنف والساعين الى جر الجميع نحو الحروب والقتل والدمار وإلى المناخات التي تسوغ لهم إستخدام الوسائل الإجرامية ضد الكورد. وناتج من الوقوف ضد ظلم وجور الأنظمة الشوفينية والشمولية المتعاقبة على حكم العراق التي حاولت حرمان الكورد من الحياة الحرة الشريفة والكريمة، وأهدرت حقوقهم القومية المشروعة، وأرتكبت ضدهم جرائم عنصرية بشعة.
خلال تاريخه النضالي الطويل تمكن البارزاني الخالد من استقراء التجارب الإنسانية، وتعلم منها أن (الشر لا يقتل الشر، كما النار لا تطفئ النار)، لذلك لم يحاول تحرير وسائل الكفاح من معاييرها الأخلاقية، ولم يعتبر إغتصاب حقوق الكورد من قبل الأعداء مبرراً وذريعةً للإخلال بالواجبات الأخلاقية والسياسية تجاه الآخرين، ولم يغفر اللجوء إلى الآثام والفظائع والكثير من الأساليب المتاحة لنصرة قضيته التي كانت مشروعة وعادلة وغاياتها نبيلة وسامية.
في الظروف العصيبة، وانطلاقا من مبدأ المسؤولية ومبدأ الحرية الإنسانية، كان يوقظ ضمائر الناس ويحفز هممهم لمقاومة الاستبداد ورفض الخنوع والذل، وكان على الدوام ينصح ويعاتب المخطىء، ويرشد ويسامح المذنب، ويعاقب المجرم، ويكافىء الشجاع والوفي والمخلص.
وكان يستقوي بقاعدة اللجوء إلى الأساليب الصحية التي تنسجم مع أهدافه في الحرية. لذلك كسب التأييد الإنساني أولا، وحصّن بيته القومي والسياسي جيدا، وربح تاليا في جميع معاركه ضد أعداء مدججين بأعتى أنواع الأسلحة.
لقد رسم البارزاني الخالد في العهد الملكي طريق النضال التحرري للمحافظة على الكرامة وحماية الأعراض ونيل الحقوق الانسانية المشروعة، وبزوغ يوم مشرق ومستقبل منير، وغد أفضل لأبناء وبنات الكورد. وفي العهد الجمهوري، وبعد الإنتصار في معارك عديدة وتحقيق المستحيل، أرغم السلطات البعثية على الركوع أمام مطالبه ومطالب شعبه، والتوقيع على إتفاقية آذار 1970.
لكن القلوب العامرة بالأحقاد والضغائن، والنهج البعثي الشوفيني الجاثم على صدور العراقيين والمتعمد لايذاء الكورد، الذي كان سارياً على جميع الاصعدة والمستويات، وفي كافة الوزارات والمؤسسات والدوائر والاجهزة الرسمية وشبه الرسمية. والذي إستقوى جراء تأميم النفط والتوقيع على إتفاقية واسعة مع الإتحاد السوفيتي السابق، وتغيير الكثير من الأوضاع في المنطقة والعالم، شرعن إيقاد شرارة الحرب الجديدة ضد الكورد في 1974.