18 ديسمبر، 2024 6:42 م

الأخلاق .. كما يجب أن تكون

الأخلاق .. كما يجب أن تكون

الأخلاق هي منظومة للقيم يعتبرها الناس جالبة للخير وطاردة للشر وهي من ابرز ما يجب أن يتميز به الإنسان عن غيره ، وقيل بأنها شكل من أشكال الوعي الإنساني وتحتوي على مجموعة من القيم والمبادئ تحرك الأشخاص والشعوب نحو السلوك الايجابي المرغوب ، ومن أساسياتها العدل والحرية والمساواة بحيث ترتقي إلى درجة لان تصبح مرجعية ثقافية للشعوب لتكون سندا قانونيا تستقي منه الدول الأنظمة والقوانين ، والأخلاق هي مجموعة من السجايا والطباع والأحوال الباطنة التي تُدرك بالبصيرة والغريزة، وبالعكس ويمكن اعتبار الخلق الحسن من أعمال القلوب وصفاته ، فأعمال القلوب تختص بعمل ( القلب ) بينما الخلق يكون قلبيا ويكون ظاهرا أيضا ، وللأخلاق دور كبير في تغيير واقع الإنسان لواقع متجه إلى العادات والأفعال الجيدة ، و قال الرسول ﷺ: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق»، فبهذه الكلمات حدد الرسول الغاية من بعثته أنه يريد أن يتمم مكارم الأخلاق في نفوس أمته والناس أجمعين ويريد للبشرية أن تتعامل بقانون الخلق الحسن الذي ليس فوقه قانون ، و التحلي بالأخلاق الحسنة والابتعاد عن أفعال الشر والآثام يؤديان بالإنسان إلى تحقيق الكثير من الأهداف النبيلة منها سعادة النفس ورضاء الضمير ، فمن شأن العمل بالخلق السليم إشاعة الألفة والمحبة والامان بين أفراد المجتمع وعبور طريق الفلاح للنجاح في الدنيا والآخرة .
والأخلاق في الإسلام عبارة عن المبادئ والقواعد المنظمة للسلوك الإنساني ، والتي يحددها لتنظيم حياة الإنسان على نحو يحقق الغاية من وجوده في هذا العالم على الوجه الأكمل والأتم ، ويتميز النظام الإسلامي في الأخلاق بطابعين ، الأول أنه ذو طابع إلهي بمعنى أنه مراد الله سبحانه وتعالى ، والثاني أنه ذو طابع إنساني أي للإنسان مجهود ودور في تحديد هذا النظام من الناحية العملية ، وهذا النظام هو نظام العمل من أجل الحياة الخيرية ، وهو طراز السلوك وطريقة التعامل مع النفس والله والمجتمع ، وهو نظام يتكامل فيه الجانب النظري مع الجانب العملي منه ، وهو ليس جزءا من النظام الإسلامي العام فقط بل هو جوهر الإسلام ولبه وروحه السارية في جميع نواحيه ، فالنظام الإسلامي ( على وجه العموم ) مبني على مبادئه الخلقية في الأساس باعتبار إن الأخلاق هي جوهر الرسالات السماوية على الإطلاق ، ومن فوائد الأخلاق للفرد والمجتمع : 1- نشر الأمن والأمان بين الأفراد والمجتمع 2- إحداث الأُلفة والمحبة بين الناس 3- سيادة التعاون والتكافل الاجتماعي بين المجتمع فالمسلمون أمة واحده يعطف غنيُّهم على فقيرهم وقويهم على ضعيفهم 4- نبذ الفُرقة والخلاف وما يمزق المجتمعَ والالتزام بالقِيَم والمبادئ 5- المساهمة في خدمة المجتمع ورفع معاناته وتقديم ما يفيد للأمة والبشرية فالمؤمن مثل الغيثِ أينما حلَّ نفَع 6- الإيجابية في المجتمع وتفعيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مشتملاً على أسسه وقواعده دون تنفير للناس أو تغييب للشريعة وتعاليمها 7- بذل الخير للناس بحب وسعادة غامرة وتفعيل الإنتاج وثقافة البذل والعطاء بين المجتمع 8- بث روح التسامح ونشرها بين الناس تحت عنوان (وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ) والسعي الجاد نحو مجتمع راقٍ تسودُه الألفة والمحبة.
والالتزام بجوهر الأخلاق الإسلامية التي هي في حقيقتها تجسيد لإنسانية الإنسان واجب رباني وتحول في القوانين والقيم الوضعية إلى واجب يتوجب تجسيده في كل الفعاليات في علاقة الفرد مع بقية الأفراد وفي علاقته بالمجتمع وبصرف النظر عن المستويات العلمية والوظيفية والثقافية للأفراد ، ويعبر عنه في اغلب العلوم بالضوابط والأنماط السلوكية الواجب إتباعها والتي تمثل السلوك الإنساني الصحيح ، والمنظومات الاجتماعية تتبع ثلاثة مرجعيات للخلق السليم ( العيب ، الممنوع ، الحرام ) حيث يعبر ( العيب ) عن الجوانب الواجبة ضمن المعايير المتعلقة بالقيم والعادات والتقاليد المكتسبة والموروثة ، ويشير ( الممنوع ) إلى المنظومة القانونية التي تضع سياقات وقياسات للثواب والعقاب بما يتناسب مع النوايا والأفعال ، أما ( الحرام ) فهو تطبيق للرسالات السماوية التي تؤكد عليها الأديان والتي تدعو للفضيلة والابتعاد عن الرذيلة والسعي الحقيقي لإرضاء الخالق لنيل ما يترتب عن ذلك من جزاء وثواب ، والأخلاق بموجب هذا العرض البسيط واجبا وليس فضلا او منة من البشر جميعا ، فالمنظومات الأخلاقية تفرض معايير سلوكية قويمة يتوجب إتباعها في المكان والزمان والظرف الذي يمر به الفرد ولا استثناءات إلا بالقدر المحدد والمعلوم ، ويبدو إننا بحاجة للتذكير بما تتضمنه وتفرضه المنظومات الأخلاقية في ظل بعض الخروقات بمختلف الأنواع والأشكال التي باتت تنتشر بشكل مقلق والتي تسود كممارسات في الكثير من قطاعات الحياة ، وكل ما يسوغه او يبرره البعض في الجنوح بعيدا عن المنظومات الأخلاقية لا يمكن قبوله لأنه خروج عن الملة وما تفرضه من شروط ، باعتبارها مزيج من الشروط السماوية والوضعية ولا يمكن التمادي في الوقوع بأخطائها وهي إن أفلتت من الحساب الدنيوي باستغلال أي ظرف او موقف فإنها ليست بعيدة عن الله (( الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ ۚ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ ۚ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ ۖ فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ ۖ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَىٰ )) ﴿ النجم :٣٢ ﴾