ازمه المثقف العربي:
هنالك ازمه حقيقة عند المثقف العربي نتيجة الأجهزة المعرفية المتعددة والتقليدية بمحليها ومستوردها في نقل الحداثة بلا فهم لحقيقتها.
مصطلحات الأخلاق:
أننا أمام عدة معاني؛ هنالك من يطلق مفهوم الأخلاق اصطلاحا على السلوك، الخلق، التصرف، وكلها يسميها الأخلاق وهذا امر شائع لكن المدلولات متعددة والتمييز بينها نحتاجه في عصرنا ونحن نواجه انقلابا عالميا لابد أن نجد لنا فيه مكان.
فالأخلاق: كلمة تدل على المعايير القيمية الرئيسة، والأخلاق توصف بالسيئة والحسنة، لكنها معايير تحدد السلوك الحسن من السلوك السيء (عن أبي هريرة:] إنَّما بُعِثْتُ لأُتمِّمَ مكارمَ الأخلاقِ]) وهنا حددت القيم بالمعايير الكريمة وأضحت مقياسا للسلوك وغيره في المعاملات والتفاعل مع البيئة المحيطة بالإنسان.
السلوك: هو تفاعل الإنسان مع بيته، خلال مساره الحياتي في قضاء حاجاته وإشباع غرائزه، والسلوك يعبر عن مدى فهم وتناغم الإنسان وقيم يزعم انه ينتمي لها، فهو بالتعريف الفلسفي مدى تطابق عقليته مع العقلية للفكر الذي يزعمه، ومدى تطابق نفسيته مع الفكر الذي يزعمه، أثناء التعامل الإرادي، فبالتالي هو معبر عن شخصيته والتصاقها بانتمائه الفكري، وانفصال الإنسان عن فكره وارد جدا ومعالجته للأمور سلوكيا خارج حدود قيم يزعمها وارد أيضا، وتتقارب وتتباعد وفق تاثير المحيط والغرائز والحاجات.
لكن السلوك قد يكون ظاهريا جيدا ولا يعبر عن حقيقة الإنسان فربما سلوكه مع أهله غير سلوكه مع الناس فهنالك من هو سيء السلوك مع أهله لطيف المعشر، ومرتكب للموبقات ويظهر بمظهر المتدين ربما ليس تمثيلا وإنما لقوة غرائزه عند إثارتها كحب السيادة في التعامل الفض أو انتهاك الحدود الدينية والأعراف في التملك والنوع؛ هذا يدل على خلل في العقلية وجنوح في النفسية وهي ملاحظة بشكل كبير في المجتمع المتعرض لضغوطات وتفكك وازدواج بين الفكر والواقع المضاد له، وعدم مقدرة الجهاز المعرفي أن يتماهى مع الواقع بالارتقاء بالفكر من خلال الاستقراء والاستنباط، فبالتالي هذا يأتي في مجتمع تقليدي يتعرض لضغوط الحداثة مع شلل المنظومة الفكرية والتربية واستقرار منظومة الدولة والجهاز المعرفي نتيجة الخلل في نقل الدولة الحديثة التي نقلت تقليدا وهي ما تخلق المعاملات في المجتمع، فالإنسان يعيش واقعا متضادا مع الذي يتعلمه في المنظومة الأخلاقية التي تتعامل مع العقل والتدين كغريزة.
الخُلُقْ: وهو ما تحدثنا عنه في السلوك عندما يكون الإنسان لا يتصرف في مجاملة أو واقع تحت تهديد رزقه أو مركزه أو أي من غرائزه وحاجاته بما يمكن أن يفقد السيطرة على إشباعها أو سدها، فيكون الخلق الذي وضعه الرسول ص كشرط رضى لإتمام عقد النكاح (إذا أتاكم من ترضونَ خُلُقَه ودينَه فزَّوجوه)، الخلق هو طبيعة الإنسان حسن أم قبيح
التصرف: هو المعيار للنفسية الحقيقي، كيف يكون رد الفعل عند الإنسان على الحدث الآني، هل سيكون عنيفا، هل سيكون هادئا وحليما، إن استثيرت غرائزه أو تهددت حاجاته فما رد فعله المباشر، هنا يقول الناس تصرفات فلان ليست حسنة أو تصرفات فلان جيدة ويعزون الحالتين للأخلاق، لكنها تجسد الاستقرار النفسي والفكري، والتصرف واجهة الخُلُق
الديـــــــــــــــــــــــــــن والأخــــــــــــــــــــــــــــلاق
وهنا يأتي سؤال هل الأخلاق مرتبطة بدين أو فكر، ليس من جواب مباشر كما تحاول أن تجيب أجهزتنا المعرفية التقليدية.
الأخلاق ثقافة مجتمع، والسلوكيات كما رأينا تتعامل مع الحاجات1 والغرائز2 والفكر3، إذن الفكر ليس وحده من يؤثر على السلوك وإنما تجتمع عوامل البيئة جميعها، فالسلوك الحسن في المجتمعات الحداثية منطلق من النفعية فان غابت النفعية يتحرك في النفس عوامل أخرى، كنفسية الإنسان يعكسها التصرف، أو عقليته أن كان ينتمي لمنظومة قيمية، ودوما المنظومات القيمية حاضرة في اغلب التعاملات، والحلال والحرام.
معظم المنظومات نظريا راقية وكما الإسلام واي دين يطرح فكر منظومته راقيا، وترى بشاعة السلوك في بعض أدعيائه، كذلك تلك الأفكار تعتمد على الإنسان نفسه.
من هنا نستطيع الاستقراء أن ما نراه ليس سببه المنظومة الأخلاقية ولا دوافع السلوك فقط، وإنما الأساس هو الخُلق والتصرف وهو ما يحدد ارتباط الإنسان بمنظومة يزعمها، فما نلاحظه من تباعد بين القيم والسلوكيات هو ما ذكرناه كجدلية مركبة وكتحليل لطبيعة مجتمعنا، وهذا يتطلب تفعيل المنظومة العقلية واستقراء الواقع لاستدرار المثاني القرآنية لإنتاج ما يقود العصر من قيم وإنتاج آليات تربوية وقضائية ووسائل ترفيه ونشاط فكري وندوات وتفعيل الإنتاج والمصانع والمعامل والمسالك الحياتية لسد الحاجات وإشباع الغرائز وتصريف أرزاق الناس وليس إملاء القيمة والحكم على البشر مع عجز المنظومة العاجزة عن تفسير الواقع ناهيك عن قيادته، وربما هي مشكلة من يعتلي الوعظ ويلقي الخطبة والقداس، لكنه يشكو من قلة التفاعل والاستجابة، فالدين احد العوامل وكل عامل درجة تأثيره بمدى التصاقه بالشخصية وللبيئة التأثير الأكبر إن كانت صالحة سلوكيا أم يغلب عليها النفاق.