23 ديسمبر، 2024 5:21 ص

الأخطاء في الموازنة الاتحادية لعام 2015 ومقترحات معالجتها ( 4. سعر صرف الدولار ) 4-6

الأخطاء في الموازنة الاتحادية لعام 2015 ومقترحات معالجتها ( 4. سعر صرف الدولار ) 4-6

قبل عام 2003 كان سعر الصرف للدولار يصل الى 3000 دينار / دولار وبدأت الحكومة منذ عام 2004 بالسعي لرفع قيمة الدينار العراقي حتى أوصلته الى 1200 دينار / دولار , وقد كان الاطار العام لهذه السياسة هو تحسين ظروف المعيشة للمواطن وتعزيز الاقتصاد العراقي , وهي اكذوبة صدقها الكثيرون للأسف الشديد , ولا يزال يصر عليها البعض حتى الآن على الرغم من نتائجها المدمرة على الشعب والاقتصاد العراقي , لقد كانت تكاليف المعيشة بالنسبة للمواطن بسيطة عندما كان الدولار يساوي ثلاثة آلاف دينار وكان باستطاعة المواطن العيش بمستوى مقبول جدا بمبلغ ( 300) الف دينار وهو ما يعادل (100) دولار , وكان يستطيع شراء بيت مناسب وفي منطقة جيدة بما لا تزيد قيمته عن ( 5000) دولار , أما الآن والدينار قد ارتفعت قيمته فان تلك المعيشة اليسيرة قد اصبحت حلماً من الماضي , , وصحيح ان الوضع الانساني في وقتها كان مؤلما , ولكننا نتحدث عن مستوى الاسعار وليس الرفاهية , وتصوروا لو كان المواطن الآن يعيش بمدخولاته الحالية وبأسعار الماضي .

لقد أصبح الاقتصاد العراقي مشلولاً بسبب هذه السياسة الخاطئة وتوقف النشاط الانتاجي عموماً , فالصناعات مثل الملابس والأحذية والأثاث وهلم جراً توقفت , وكذلك الزراعة وغيرها من القطاعات بسبب عدم امكانيتها منافسة السلع المستوردة , وساهم بتفاقم الحالة انخفاض قيمة العملات المحلية للدول المصدرة للسلع او سياساتها الداعمة للتصدير , حتى اصبح العراق سوقاً مفتوحاً لجميع السلع ومن أردأ المناشيء والنوعيات , وارتفعت اجور الخدمات من اسعار الحلاقة حتى الطب مروراً بالنقل والبناء والسياحة وغيرها وأصبح الوضع المعيشي غالياً وخانقاً , واخطر النتائج التي تمخضت عن رفع صرف الدينار العراقي هو تحول سلوك المستهلك العراقي من السلع المحلية الى السلع المستوردة مهما كان نوعها وأهميتها , وامتلأت الاسواق بالسلع المستوردة من مرطبات ونساتل وبسكويت وتمور وغيرها وهي سلع بالإمكان انتاجها محلياً , وهذا ادى الى توقف النشاط الانتاجي المحلي وضاعت الملايين من فرص العمل , وتحول العاطلون نحو العمل في الجهاز الحكومي بأي شكل من الاشكال وهذا الجهاز لا يستطيع استيعاب جميع العاطلين , وبالتالي فقد العراق مصادر اساسية ومهمة لخلق الدخول من النشاط الانتاجي المحلي , كما اصبح أمنه المحلي مرتهن بالدول الخارجية بدءا من التسليح حتى الغذاء , ويعد البنك المركزي العراقي من اكثر الجهات اسهاما في عرقلة الاقتصاد العراقي , من خلال طرحه مليارات الدولارات في مزاده للعملات التي تستخدم في استيراد سلع تافهة اضافة للتهريب المستمر لهذه العملات .

إن الأزمة النقدية التي تمر بها الدولة العراقية في الوقت الحاضر قد تكون ايجابية النتائج في حالة تخلي الدولة عن التدخل في سعر الصرف للدولار وترك هذا السعر لحركة السوق وعلاقة العرض والطلب حتى لو أدى ذلك الى انخفاض قيمة الدينار , فهذا الانخفاض سوف يؤثر على السلع المستوردة ومن الممكن أن يكون لصالح الانتاج المحلي , فكلما ازداد الدينار العراقي انخفاضاً كلما تحسن الانتاج المحلي وازدادت فرص العمل وازدادت الدخول , وسوف ينعكس ذلك في النهاية على تقليل تكاليف المعيشة للمواطن العراقي وزيادة دخله الحقيقي , وبطبيعة الحال فان ذلك سوف لن يتم بالأمنيات , وإنما هو بحاجة لعمل دؤوب من الحكومة العراقية وفي مقدمة الاجراءات التي يمكن للحكومة اتخاذها هو تأسيس صندوق للتنمية الوطنية برأسمال ضخم يستطيع تمويل الانتاج المحلي بفوائد بسيطة لا تتجاوز 2% سنوياً , كما ان على الدولة ان تعمل على تعديل سلوك المستهلك العراقي وتحويله باتجاه السلع المحلية بإجراءات عديدة في مقدمتها توزيع المنتجات الزراعية المحلية ضمن البطاقة التموينية , وإعادة العمل بالأسواق المركزية وجمعيات الاتحاد العام للتعاون اضافة الى البدء بحملة واسعة لتوفير ملايين الوحدات السكنية للمواطنين , وكل هذا يجب ان يتم من خلال موازنة عام 2015 وهو ما تجاهلته الموازنة فوقعت بأخطاء فادحة سنتناولها لاحقاً .