5 نوفمبر، 2024 4:36 م
Search
Close this search box.

الأخصاء الفكري

قيل قدیما من یملك المال یمتلك الكثیر ومن یملك السلطة یمتلك كل شيء.
في مجتمعات الشرق الأوسط عموما والعربیة منھا خصوصا تتداخل التعالیم الدینیة بالمحددات والقیم الاجتماعیة
وأصبح رجال الدین، وبالرغم من عدم تمكنھم من السلطة، قيومين على وعي الناس وضمائرھم فتراھم لا یتركون
شاردة ولا واردة إلا وأقحموا أنفسھم فیھا باعتبارھم وكما یزعمون من أقانيم القدسیة الدینیة، فإن تمكنوا من
الوصول لسدة الحكم منحوا أنفسھم القیمومة على أموال الناس وحيواتهم ومصائرھم. ولیس خفیا أنه من یستحوذ
على السلطة، فإنه یظفر بآلة إعلامية هائلة تمكنه من توجیه وعي العامة من الناس بأطر محددة مسبقا یصبح معھا الشذوذ عن أنماط التفكیر السائدة أمرا غیر مستساغ.
يتعرض مجتمعنا الشرقي عامة والعراقي خاصة إلى الإخصاء الفكري في جميع ميادين الحياة الاجتماعية والسياسية والدينية أي أن الشخص المخصي فكريا عقيم من القدرةعلى التفكير المنطقي ومن ثم عدم القدرة على التفكير خارج الصندوق النمطي والقادر على تغيير المفاهيم الخاطئة وتحديثها نحو تغيير الواقع بأتجاه منفعة الأنسان ومجتمعه، عملية الأخصاء الفكري الأجتماعي عملية مؤدلجة يحاول فيها المجتمع لأحتواء افراده ضمن اطار فكري معين حتى يسيطر عليه وعلى توجيهه بما هو مطلوب. تواجه النساء تحديدا في مجتمعنا العقم الفكري الذي يفرضه المجتمع عليها أما باسم الدين أو باسم الأعراف والتقاليد والعادات الموروثة، فكل ما يفرض عليها هو مسيس من قبل الرجال أنفسهم سواء رجال الدين، رجال السياسة هم من يضعون النساء في إطارات ليس لها مرجع علمي أو نفسي كالوصف بالضعف، الغباء، وأقل علما وقدرة على حل المسائل التي تواجهها، واخيرا إطار الشرف فإن شرف العائلة بأكملها محصور على نساءه فقط. كل هذه التهم قد تأدلج المجتمع عليها وحتى أمنت أغلب النساء بذلك أيضا حيث نجد دائما أن أول من يلوم المرأة ويعقب على أخطائها هي المرأة نفسها، فلا نجد منهن الكثير في المظاهرات النسوية المطالبة بتغيير القوانين المنصفة للمرأة بل على الأغلب يقفن ضدها كما حصل في الوقفات الاحتجاجية للنساء العراقيات المطالبات برفض تعديل المادة57 من قانون الحضانة للطفل. وجدت بعض النساء الغير منصفات لجنسهن أن هذه المادة من القانون فيها تفكك للأسرة وانحلالها وطالبن وما زلن يطالبن بتغيير الحضانة لصالح الأب. اما في احتجاجات تشرين في العام الماضي، خرجن متظاهرات لتمثيل أنفسهن ومساندة المتظاهرين، ولكن سرعان ما صرح الزعيم الديني مقتدى الصدر بأن تواجد النساء في ساحات التظاهر مع الرجال فيه هتك لستر وشرف النساء العراقيات وكان من مؤيديه بعض النساء أيضا متناسيات أن للمرأة صوت وآراء سياسية وانها فرد في هذا المجتمع مثلها مثل الرجل على حد سواء، وان المرأة عبر التاريخ الإسلامي كانت تخرج في الحروب للتمريض والمساندة.هذا النوع من النساء من يضعن حقوق النساء الآخريات لجهلن بالحقوق، والانكى من ذلك انتشار ثقافة لوم الضحية حيث يعلق عامة الناس كل الجرائم والإخفاقات التي تحدث ضد المرأة على حبل الملامة للمرأة الضحية مستبعدا القوانين الظالمة السائدة في العراق والتي غالبا ما تكون المراءة ضحيتها.غالبا ما يفكر المجتمع أن هذه الحياة الطبيعية السوية وأن من يخرج من سرب الحياة تلك فهو قد خرج عن الطبيعة المسيرة بأدلجته، الجميع يؤمن بالقضاء والقدر والاستسلام لهما ويضل الفرد مغلوبا على أمره حتى ولو امتلك أدوات المقاومة والقوة فهو المسير الذي يمشي خلف قدره وأي قدر ذلك الذي رسمه له الخطاب الديني من القادة الدينيين الذين كل هدفهم ألا يمكنوا المجتمع من المقاومة والثورة واستخدام أدوات قوة الفكر في داخل المرأة وتحت عناوين طاعة ولي الأمر والصبر والاحتساب.

دائما ما نلاحظ أن تكتيم الأفواه الحرة للنساء حصرا تأتي من قبل الحكومة المتحزبة والأحزاب المليشاوية الدينية، كما حدث مرارا وتكرارا من اعتقالات وقتل لنساء خرجن يطالبن بحقوقهن ولأجل الحرية والمساواة والكرامة أو ضد فسادهم السياسي، وهناك امثلة كثيرة كصبا المهداوي، ماري محمد، وآخره مقتل الدكتورة ريهام يعقوب التي اعتلى صوتها ضد فسادهم، ولأن عقولهم قد تغذت بأفكارهم المشمئزة حول المرأة وشرفها غالبا ما كانت تلك وسيلتهم المستخدمة هو تصوير النساء بمقاطع أثناء اعتقالهن تحت تأثير السلاح لميليشاتهم لتشويه كل صوت نسائي حر شريف.على المرأة العراقية أن تعرف أن خضوعها وقبولها للقمع ليس من مصلحة المجتمع كما قيل لها من قبل الجهلة المستخدمين أداة الدين من زعماء ومنابر، بل إنه تدعيم للاستبداد الذي يحاول الرجل والمرأة الفكاك منه. إن أصحاب الخطاب الديني المسيس المستخدم للمنابر في المساجد والحسينيات والمراقد الدينية كأبواق ترسخ في عقول الشباب والآباء في فرض نظامهم الأبوي الذي يعطي الرجل حق تفريغ كبته وقهره في المرأة مادامت المرأة في أسفل هرم القهر خاضعة. في كل وقفة احتجاجية ضد العنف الممارس على المرأة والقوانين المجحفة بحق المرأة، تتهم بأن أجندات خارجية هدفها تهديم المجتمع وتفكيكه وترسيخ أفكار دخيلة غربية. أن مساندة المرأة للمرأة أمر ضروري ووقوف كل امرأة قوية مع حقوق بنات جنسها ومطالبتها بالأنصاف للنساء المستضعفة أمر رائع، وأننا ندرك أن أكثر النساء القويات والتي حققت مكانة وأحدثت تغيير وطفرة في حياتها نحو الأفضل كانت من النساء المقهورات بدعم من نساء ورجال أقوياء رفضوا الذل والتبعية العمياء لرجال الدين الذين لطالما سخروا المرأة لخدمتهم ومتعتهم ورسخوا بالمجتمع أنها مواطن من الدرجة الثانية وأنها فرع تابع وليس أصل.
هذه دعوة لكل امرأة مقموعة الى التفكر في حقوقها وخلق فرص لاستقلالها واستخدام إمكاناتها وتثقيف نفسها وتحصينها ضد القمع والجهل والانسياق مع الأفكار المروجة في المجتمع المخصي من قبل السياسيين والزعماء الدينيين، حتى نجد مخرجا يكفل لكل امرأة حياة كريمة. أنها دعوة لكل النساء المستضعفة لتستجمع قواها، والقوية المستقلة بالعلم والعمل بالوقوف جنبا إلى جنب مع النساء الأخريات وعدم إظهار العداء والاستخفاف بهن، وقفة ضد المفاهيم المشوهة ودعوة
للعمل الجماعي المشترك الذي يحتاج إلى جهود الجميع من رجال ونساء ويؤمن بالعدل والحياة السوية الإنسانية.

أحدث المقالات

أحدث المقالات