أقليم الأحواز العربي الذي يمتد بشكل جغرافي واضح من الحدود الغربية لإيران ( مع العراق) وحتى الجنوب المحاذي لسواحل الخليج العربي المقابلة لدول الخليج الممتدة من سلطنة عمان وحتى البصرة ، وهو منطقة عربية منذ قدم التاريخ سكنتها وما زالت أعرق القبائل العربية مثل : بني كعب ، بني طرف ، بني تميم ، الباوية ، بني لام ، بني مالك ، والسودان ، وغيرها من عشرات القبائل والأنساب ، يبلغ عدد سكان شعب الأحواز العربي حوالي 12 مليون نسمة ، ورغم سياسة الحكومات الإيرانية المتعاقبة في عمليات تفريس المنطقة وتهجير سكانها العرب عبر عشرات السنين ، إلا أن نسبة العرب رسميا تشكل أكثر من 95% من مجموع السكان ، يعيشون جميعا بإحساس عاطفي وعقائدي واحد ، أنهم شعب عربي محتلة أرضه ، وأنهم أقرب ما يكونون إلى العراق منهم إلى اي طرف آخر .
لا أعلم أنا شخصيا لم ترك العرب شعبا عربيا وأقليما مهما موقعا وأقتصادا وأمنا يذهب هكذا بكل بساطة إلى إيران رغم كل الوقائع التاريخية والجغرافية والأجتماعية التي تحكمه ؟ تاريخيا ، يذكر الرحالة كرستين نيبور الذي زار الأحـواز (عربستان) فى عام 1772 م ،(( أن العرب هم الذين يمتلكون جميع السواحل البحرية للقسم الشرقي من الخليج العربي )) ، ويضيف ، (( إن العرب أنشأوا هذا الموطن منذ عصور سلفت . واذا استعنا بالملاحم القليلة التي وردت في التاريخ القديم أمكن التخمين بأن هذه المواطن العربية نشأت فى عهد أول ملوك الفرس في القرن السادس قبل الميلاد تقريبا . وان ملوك الفرس لم يتمكنوا قط أن يكونوا أسياد ساحل البحر ، إنها بلاد مستقلة عن بلاد فارس ، وان لأهلها لسان العرب وعاداتهم ، وانهم يتعشقون الحرية الى درجة قصوى شأن اخوانهم في الباد ية )) . أما أقتصادا ، ففي هذا الأقليم معظم حقول النفط التي تغذي الخزينة الإيرانية ، وأمنا ، بإعتباره منطقة عازلة تماما بين إيران بحدودها الحقيقية وبين الجزء الشرقي من الوطن العربي .
بالطبع حاول أبناء الشعب العربي في الأحواز ان يقاوموا الأحتلال الإيراني بشتى الوسائل وإعادة حقوقهم المغتصبة بعد أحتلال الأقليم في 20 أبريل/نيسان عام 1925م ، ولعل من أحدث فعاليات الشعب الأحوازي ما أطلق عليه ( أنتفاضة الحرية) والتي وقعت في منتصف أبريل عام 2011 والتي كان ضحيتها العشرات من الشباب العربي المناهض لممارسات الأحتلال الإيراني ، وقامت منظمات دولية بتوثيق استخدام الذخيرة الحية من قِبل قوات الأمن على المتظاهرين في مدن عربية عدة من الأقليم ، مما أدى إلى قتل العشرات وجرح أعداد أكبر بكثير. لم يتم التحقيق مع أي مسؤول إيراني بشأن هؤلاء الضحايا! وقد يكون من اللافت أن الخميني وقبل أنطلاق الثورة التي اطاحت بشاه إيران كان قد وعد وفدا من قيادات الجبهة العربية لتحرير الأحواز وشيوخ عشائر ووجهاء ألتقوه في مدينة النجف العراقية ( عندما كان مقيما بها قبل أنتقاله الى باريس) ، وعد الخميني زواره أنه سيمنحهم الأستقلال حال أسقاط الشاه ! لكن الذي حصل ( والأحوازيون كانوا جزءا رئيسا من قوى الثورة على الشاه) ، أن حجم الظلم والممارسات التعسفية زادت في زمنه ثم في زمن خاتمي وتستمر بشكل أكثف في زمن الرئيس الإيراني الحالي أحمدي نجاد !
طبيعي أن يقوم النظام الإيراني بمنع دخول أي وسيلة إعلامية أجنبية أو عربية إلى الاحواز، لذلك لا يعلم العالم إلا النزر القليل جدا عن أبناء هذه المنطقة من العالم ، المنطقة الوحيدة التي مازال النظام فيها يمارس عمليات الإعدام بالشنق علنا من خلال استخدام الرافعات التي تستخدم لرفع الحمولات الثقيلة ، والمنطقة الوحيدة التي يعتقل فيها الناس لإنهم أرتدوا ملابسهم التقليدية (العربية) أو تعاملوا بلغتهم الأم ( العربية) . أما التهمة الأكثر رواجا فهي بموجب المواد 186 و190-191 من قانون العقوبات الإيراني، حيث يمكن إدانة كل من يثبت عليه حمل السلاح ضد الدولة أو الانتماء إلى منظمة تحمل السلاح ضد الحكومة، إدانته بـ”محاربة الله” والحكم عليه بالإعدام !!.
المنظمة الحقوقية العالمية هيومان رايتس ووتش، أصدرت من مقرها في نيويورك في 11 يوليو/تموز 2012 الماضي بيانا رسميا قالت فيه إن على القضاء الإيراني أن يلغي أحكام الإعدام الصادرة بحق النشطاء الذين ينتمون إلى الأقلية العرقية العربية في إيران وأن يسمح لمحاميي المعتقلين وأقاربهم بزيارتهم في مقار احتجازهم. وأشارت المنظمة إلى تقارير وردتها في حزيران2012 ، تفيد بأن السلطات الإيرانية أعدمت مجموعة من الرجال العرب بعد أتهامهم بأنشطة تتعلق بالإرهاب دون تقديم دليل على ذلك !! بالطبع حتى هذه المنظمة لا تملك ما يعزز الحالة المأساوية فعلا على أرض الواقع وإنها تعتمد ربما على ما ينقله لها بعض اللاجئين الأحوازيين في الولايات المتحدة واوربا نقلا عن ذويهم داخل الأحواز ، لإن بيان المنظمة ذاته يشير الى ذلك ضمنا فيقول “وبسبب التعتيم والسرية المحيطين بالمحاكمات الأمنية في محافظة خوزستان الإيرانية ذات الأغلبية العربية حيث يعيش هؤلاء الرجال، لا تتوفر الكثير من المعلومات عن الأدلة المستخدمة ضد هؤلاء الرجال، باستثناء اعترافاتهم المتلفزة. لم يقدم القضاء أدلة توحي بضرورة أن يقضي هؤلاء الرجال يوماً آخر في السجن، ناهيك عن التعليق على المشانق. إن غياب الشفافية المحيط بإدانة هؤلاء الرجال والعقوبات الصادرة بحقهم هو سبب آخر لضرورة إلغاء أوامر الإعدام”.
إن شعب الأحواز والذي يسمى ضمن حدود إيران الجغرافية ب (خوزستان) ، عانى لفترات طويلة قاربت الثمانين عاما من غياب التنمية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية كما عانوا من أساليب الحكومة الإيرانية في قضايا التمييز المنهجي ضدهم، وخاصة في مجالات التوظيف والإسكان والحقوق المدنية والسياسية ، هم يمتلكون أغنى بقاع المنطقة من البترول ومع ذلك يعيشون في حالة مزرية من الفقر ، لذلك كله ولّدت هذه المعاناة من رحمها أكثر من منظمة سياسية وعسكرية للنضال من أجل الحصول على الحرية والأستقلال عن أيران المحتلة ، وعملت هذه المنظمات على التنسيق مع بعض الحركات والتنظيمات من الشعوب والقوميات الغير فارسية في إيران كالأكراد والبلوش والاذاريين والتركمان داخل أيران وخارجها .
إن الرؤية المنطقية في موضوع الأحواز تؤكد صعوبة تحقق مطالب الأحوازيين في التحرر لعدة أسباب لعل من أهمها ؛ قوة القبضة المركزية الحكومية على جميع مفاصل الحياة في الأقليم وسيطرتها على جميع المصالح والوظائف المرتبطة بالجيش والشرطة والقضاء وغيرها يضاف إلى هذه السيطرة الأسلوب العنيف الذي تواجه به الحكومة الإيرانية القوى السياسية المناهضة لها في الأقليم العربي تحديدا ، السبب الآخر وهو مهم جدا ، عدم وجود أي دعم عربي لقضية الأحواز لا من الناحية السياسية ولا القانونية ولا التنظيمية مما يجعل التنظيمات القائمة ضعيفة جدا ولا تملك أي مصدر من مصادر القوة والتمكن ، كذلك تشكل الرؤية الأمريكية ومن قبلها البريطانية لوضع هذا الأقليم ، حاجزا سياسيا جعل الموضوع برمته وكأنه حقيقة واقعة ومن نافذة (سياسة الأمر الواقع) ولم يحصل في أية مناسبة منذ أحتلال القليم عام 1925 وحتى اليوم أن اثارت هاتان الدولتان الموضوع تحت أي مناسبة ومع أي نظام بالرغم من تسهيل قبول الأحوازيين كلاجئين سياسيين في كل دول أوربا والولايات المتحدة ، وأخيرا يأتي الإعلام كعنصر حيوي ورئيسي في الموضوع ، حيث لم يقدم الإعلام شيئا يذكر لهذه القضية العربية خاصة بعد عصر الفضاء المفتوح والشبكة العنكبوتية ووسائل التواصل الأجتماعي ، علما أن أكثر ما كان النظام في إيران يخشاه وما زال في موضوع الأحواز تحديدا هو موضوع الإعلام ، وقد سبق أن قامت إحدى الدول العربية في سبعينات القرن الماضي بتوجيه إذاعة خاصة لإقليم الأحواز كان إغلاقها سببا لتقديم شاه إيران الكثير من التنازلات لتلك الدولة ! .
نحن وفي ظل هذه الأسباب والتي لم يتغير منها شيء حتى الآن ، كنا نتمنى أن تكون قضية الأحواز بالإضافة إلى كونها قضية عربية صرفة ، تمنينا أن تكون الموضع الموجع للحكومة الإيرانية ، حيث وجود أكثر من 12 مليون عربي معبأ ضد سياسة الحكومة الإيرانية ومستعد للثورة عند سنوح أول فرصة ، يشكلون مصدر تهديد لإستقرار إيران ويشغلها عن التلويح بتهديداتها لدول الخليج العربي ببعض ما تسميه (الخلايا النائمة) ، أو يقوض تدخلها في شؤون العراق وسوريا واليمن ولبنان وغيرها من الدول العربية ، وأعتقد أن أصعب شيء في أي قضية هو توافر الرجال المؤمنين بقضيتهم ، وهذا في قضية الأحواز متوفر وبكثرة ، ويبقى ما دون ذلك من انواع الدعم من مسؤولية الدول العربية بشكل مباشر أو غير مباشر .
إن الكثير من المراقبين والمتابعين لقضايا المنطقة يرون أن الأحوازيون لا يعولون كثيرا على الدعم العربي وهم يتفهمون الحرج الذي يتعرض له القادة العرب في موضوع إيران والقوة الإيرانية ، لذلك هم ينتظرون أن تقوم ضربة أمريكية تجاه أهداف أيرانية تخلخل الوضع الداخلي الإيراني وترخي القبضة العسكرية والأمنية المفروضة عليهم، وحينها فقط سوف لن يوقفهم شيء لإعلان ثورة شاملة لكل أبناء الأقليم من أجل التحرر وتحديد المصير ، ليس الأحوازيون فقط ، بل تشير التكهنات أنها ستكون ثورة عارمة في إيران كلها ، الأكراد ، البلوش ، التركمان ، الآذريون ، وغيرهم . نعم الجميع في إيران ينتظر الحرب ليعلنوا تقسيم هذه الدولة وتحويلها إلى كيانات متعددة جزء رئيس فيها أن يكون العرب الذين يشكلون أهم أقاليم ما يسمى بجمهورية إيران الأسلامية الآن ، أحرارا فوق أرضهم ، وعلى ضفاف خليجهم العربي ، وبجوار أبناء عمومتهم في البصرة وميسان . من يدري ربما تكون أنجع حرب في التاريخ الحديث ، فلنتهيأ لها برؤية واضحة حتى تكون مصالحنا في الميزان ونعيد لهذه الأمة هيبتها .