18 ديسمبر، 2024 6:10 م

الأحزاب أولا.. الشعب عاشرا

الأحزاب أولا.. الشعب عاشرا

معلوم أن الإنسان قد جُبل فطريا على حب التعلم مما يحيطه في حياته اليومية، وكذلك من خيالاته وأفكاره، بل ومن أحلامه أيضا. فقد كان الوصول الى القمر والمريخ حلما وقبل ذلك كان مستحيلا، إلا أنه بعد ذلك صار متوقعا وممكنا، ثم بات بعد ذلك أمرا محققا، وحط الانسان قدمه على القمر، وبعث من هناك رسالة الى أهله وسكان المعمورة كافة.
ومن خصلة التعلم هذه، أظن ان عشرين عاما عجافا كافية لأي فرد سوي من بني آدم، ليكسب فيها من الخبرات مايمكنه من إدارة حياته وحياة معيته بشكل مثالي، لاسيما في بلدنا العراق الذي يصلح ان يكون أنموذجا ثريا بالتجارب والدروس والعبر، والتي لو سخر سياسيوه خاصية اكتساب الخبرة الفطرية في عقولهم، ووظفوها في إدارة مفاصل البلد، لكان العراقيون اليوم في (گمرة وربيع). وهذا قطعا اذا افترضنا جدلا ان السياسيين اليوم في عراقنا، يمتلكون خصالا عديدة أولها الكفاءة والحرص على مصالح مواطنيهم، ثانيها القدرة على التحكم بالظروف المحيطة بنا والمستجدة في واقعنا، فإن كانت مواتية أحسن التصرف في إيصال مدها وخيرها الى جرفنا بما ينفعنا، وإن كانت تنذر بمساوئ وأخطار قد تحيق بنا وتحيطنا، يكون مهيأ باستحداث الحلول الآنية والسريعة بما يتناسب مع الزمان والمكان والإمكانيات لمواجهتها وتجاوزها، فيكون بهذا قد أدى واجبه إن كان برلمانيا او رئيس كتلة او عضوا فيهما، او مسؤولا يمتلك صنع القرار والبت فيه، ويكون قد أتم مامطلوب منه كراع لرعيته.
يجاهد العراقيون اليوم بـ (ألف ياعلي) و (ألف قل هو الله أحد) للوصول الى ما يعين بلدهم على النهوض من محنته واقفا سليما معافى، لامطروحا أرضا سقيما معاقا، ويتطلعون الى رئيس وزرائهم وهو يخطو خطواته الوئيدة والمتعثرة، نحو التغيير الجذري في إدارة البلد، بما يجدي نفعا ويأتي بثمرات يانعة طال صبرهم لجنيها، وسط تحديات الكتل والأحزاب بعرقلتهم الحثيثة لجداول أعمال الساعين بالتغيير الحقيقي. وفي حقيقة الأمر ان في نفوس كثير من المواطنين تركات ثقيلة، من مخلفات السنين السابقة التي عانوا فيها سوء إدارة المجلس التنفيذي بمؤسساته كافة، وقطعا هذا من جراء الخلل في انتقاء الوزراء والمسؤولين الكبار فيها، والذين بدورهم كانوا منصاعين تمام الانصياع الى أوامر أحزابهم، فجاءت مصلحة الحزب لتكون هي الأغلب والأولى من مصلحة الوزارة، وهذا كان أس الخراب. وقد ولدت خلال السنوات الماضية جروحا لم تندمل بعد، في نفوس الناخبين الذين خابت آمالهم، لاسيما وقد أدركوا ان الجميع يضحك على ذقونهم بدل المرة ثلاث مرات. وماتولد بعدها في تعيين الوزراء من خيبات أشد قسوة من الأولى، إذ كانت تشبه كثيرا ماكان يحدث في زمن المقبور، فصح المثل القائل: (بدلنا عليوي بعلاوي). ولو تناسينا المجلس التنفيذي وممارسات رئيسه ووزرائه التي ظلمت المواطن، سواء أكانت مقصودة أم غير مقصودة! فلا أظن أحدا منا لم يتنبه إلى التسويفات والمماطلات في إقرار القوانين، حيث اجتماعات مجلس نوابنا تقتصر على قراءات أولى تعقبها ثانية وثالثة وعاشرة، لمقترحات او مشاريع قوانين تخدم المواطن، فيما رئاسة مجلس النواب سباقة الى إقرار قوانين أخرى، تخدم مصالح النواب وأحزابهم وكتلهم، وجهات وفئات داخل العراق وخارجه، ذات الشمال وذات اليمين. وبالطبع كل هذا على حساب المسكين ابن المسكين (أبا عن جد) المواطن العراقي. وما دأبت جلسات مجلسنا التشريعي إلا وهي تحت عنوان (كلمن يحود النار لگرصته) إذ تميل الكفة دائما لصالح الأحزاب والكتل والتحالفات، دون الالتفات إلى المواطن في كل الأحوال.
[email protected]