23 ديسمبر، 2024 2:39 ص

البشرية أمضت آلاف السنين في مسيرة ثنائية إستعبادية , يمتلك فيها القوي مصير الضعيف ويمتهنه ويسخره لتحقيق مآربه وغاياته وتأكيد مصالحه , ولم تتحرر من هذا السلوك الإمتهاني مهما توهمت وإنما إتخذ السلوك آليات وأساليب أخرى.

في الماضي ولا تزال الحروب تتسبب بالإستحواذ على البشر وإستخدامه لصالح المنتصر , فكان الأسرى غنائم فالرجال للعمل والنساء يصبحن ملكا وجواريا وغيرها.

وهذا السلوك لا يزال قائما بصيغ متنوعة , لكن جوهره أن القوي يمتلك الضعيف أو الأسير , سواء على مستوى التفاعل ما بين الدول أو داخل المجتمعات المتنوعة , فلكل مجتمع آليات إستعبادية وتسخيرية وإضطهادية تخدم القوي المهيمن على مقدراته.

قد يتوهم البشر بأنه قد تخلص من القيود والمُضطهِدات القهرية لكنه في واقع الحال , مستعبد بإرادة السلطة وبالقوانين التي تحمي القوي وتستعبد الضعيف وتحوله إلى آلة مطواعة , وحالة متحركة ضمن خطوط وحواجز ومسارات يُعاقب بشدة إذا إنحرف عنها.

وفي عالم التفاعلات الدولية تجد دولا قوية متسيدة وأخرى مستعبدة مهانة , مصادرة الإرادة والسيادة ومفقودة المصير ولا يمكنها أن تعبر عن حريتها في إتخاذ القرار , لأنها كالرهينة لدى الدول القوية , التي تأمرها بالقيام بما يخدم مصالحها وينمي قوتها وقدراتها المتنوعة.

وجميع المجتمعات المعاصرة لا تزال تعاني من الصراعات والتفاعلات السلبية ما بين القوي والضعيف , ولا يمكن لأي مجتمع أن يصل إلى ميادين العدل والإنصاف مهما حاول أو تصور , ذلك أن العدل ينتفي حتى في المحاكم , إذ تتحول القضايا إلى محاججات ومن سيفوز بحجته ومنطقه وآلياته المراوغة التي تقدم أطروحة مُحكمة.

وعليه فأن البشرية ستبقى تتأرجح ما بين الحالتين , لكن المتسيد يبقى متسيدا والضعيف سيبقى مستعبدا , وهذه علة خلقية صراعية لا يمكن للبشرية أن تشفى منها , وكأنها إرادة فاعلة في المخلوقات وتحتم عليها أن تعيش في محتدم , وتمضي على سكة الإحتراب والإغتصاب المطلق لما تناله القوة وتتمكن منه.

ومع ما تقدم فأن البشرية تعيش أرقى مراحل تأريخها , وأملنا أن تتواصل بالرقي لا أن تنتكس وتدخل في أنفاق الخسران والقتال النووي وما بعده.

وتبقى البشرية تطارد سراب أحلام!!!