إغواء الآخر بالفكرة، سلوك طبيعي، ناجم عن النزعة في الاستحواذ العقائدي والاقناع الأيديولوجي، عبر الإقناع.
مورٍس الأسلوب القسري في الاستقطاب العقائدي المعتمد على الترويع والتهويل في نشر الأفكار وفرضها على الناس بالبأس والبطش من قبل أديان، وايديولوجيات سياسية، ومشاريع أحزاب، ومن قبل الأقوياء، أو الذين يشعرون بالجبروت.
فيما يبدو الترهيب من أسوأ اساليب التبشير العقائدي، وهو اسلوب غريب على السلوك السوي.
وفي مواقع التواصل الاجتماعي، تغيّرت سلوكيات الأفراد في تلاقح الأفكار، وفي الجدال، وفي الاستنتاج، وانقلبت حتى طريقة تفكير الفرد، واقتحمت الأيديولوجيات المختلفة، عقله، وهو جالس في بيته فيما كان في السابق، يستمدّ مجهزاته الفكرية من الكتاب والصحيفة وحلقات الأصدقاء أو الرفاق الحزبيين.
وعلى المستوى الديني، الايماني، لم يكن من مصدر للمعلومة، والتوجهات الدينية، الى وقت مضى قريب، سوى تلك الذرائع المحدودة، في الخطاب، سواء في المسجد، او المحيط القريب، او التلفاز، والمذياع، الذي كان يسهل على السلطات مراقبته وتوجيهه.
لقد انتهت تلك الوسائل، “المتواضعة” في التأثير كما تبدو اليوم، لصالح التراسل الفوري.
لكن الوسائل الجديدة لم تنه طرق الادلجة التي يسعى اليها الافراد والجهات، فحزب ما يسعى الى استثمارها لصالحه،
ورجل الدين يسوّق أفكاره من خلالها، وجهة سياسية تنشر أفكارها وأجندتها.
نحن أمام عصر جديد من ربْح الجماهير، يتخطى المنهج الكلاسيكي في الخطاب، والاجتماع، والصحيفة، والكتاب، والمنشور الحزبي.
نحن أمام ثورة عارمة من الفيض المعلوماتي، الذي يحطم حواجز الممانعات الفكرية، وطرق التحصين الفكري
التي شيّدتها السلطات، والعقائد.
بسبب ذلك، لجأ الفرد الى طرق جديدة في التغرير الفكري القائم على النصيحة، والإرشاد، والمناصحة، بالتعبير الديني.
وعبر ذلك، انتظم آلاف الأشخاص في ايديولوجيات مختلفة. من ذلك، ان التنظيمات الإرهابية، كسبت الأتباع عبر وسائل التواصل، ونجحت في الترويج لأيديولوجياتها القاتلة.
لكن وسائل التواصل الحديثة والسريعة في عظمتها وقدرتها على الترابط الشبكي اللحظي، لم تفرغ من السلوك الإنساني
الاستحواذي على الآخر، والسعي الى استلابه فكريا بالتهديد والتفزيع، فمن جهة، تتطفّل على خصوصياته، ومن جانب آخر، تحاول اغرائه بالخوارق واللامعقوليات، والمعلومات المضلّلة.
هذا الأمر، ليس على مستوى السلطات، أو التنظيمات السياسية لاسيما الإرهابية منها، فحسب، بل على مستوى علاقات الافراد ببعضهم، وهو ما يتوجّب توضيحه.
ثمة أفراد يتطلعون الى بسط أفكارهم، على نطاق واسع، وهو حق طبيعي لهم، لكنهم يتصرّفون مثل أية سلطة
جبرية، وتنظيم متشدّد، الى فرض الرأي، وتهديد المخالف.
يلجأ هؤلاء أيضا الى النصيحة بطريقة الأبوية الفكرية والسياسية، فكأنهم أوصياء على أصدقائهم في التواصل الاجتماعي، يسعون الى حمْل المقابل على القبول، بأية كيفية، حتى اذا أخفقوا، هدّدوه بإلغاء “الصداقة”، بل فضحه
عبر نشر محادثات ومداولات تتضمن أسرارا، وتفاصيل خاصة.
هؤلاء يتصرّفون مثل اية دكتاتورية، ومثل أي مبتزّ، فهم يتدخلون في حياة الناس، عبر وصايا فردية على مستوى الايمان الديني، او الحزبي، او حتى الاجتماعي، ويعتقدون انهم جديرون بإلقاء النصائح، لأنهم على حق مطلق، وغيرهم على صواب.
انّ عالم التواصل الاجتماعي يقوم في أساس من حرية الطرح، واستيعاب الاخر، ومن حق الجميع نشر معتقداته على نطاق واسع، كما انّ من حقه ابداء الإرشاد، لكن ليس من حقه فرضه، على من لا يودّ سماعه، مثلما لن يكون من حقه، انْ يحوّل عصر التواصل والتراسل الفوري الى صحوة جديدة على مقاساته الفكرية، على غرار أساليب دعاة التكفير المسرحية.