23 ديسمبر، 2024 4:49 ص

الأبرياء وترقّب قوانين العفو الفاعلة!

الأبرياء وترقّب قوانين العفو الفاعلة!

الظروف غير الصحّيّة بحاجة لمعالجات ناجعة ودقيقة وعاجلة للوصول إلى مرحلة الأمن المجتمعيّ والسلام الحقيقيّ وليس السلام الشكليّ السقيم.
والمعالجات الجذريّة لا تكون بالكلام والخطابات غير المُثمرة وإنّما بالقرارات العمليّة القابلة للتطبيق، أو التي تصرّ الحكومة على تطبيقها على الرغم من التحديات.
وفي ضوء الحالة العراقيّة المليئة بالتناقضات والتسقيط السياسيّ، والهدم المتعمّد والممنهج لمفهوم الدولة والذي برز بوضوح في الظلم القضائيّ (الإجباريّ، أو التوافقيّ) وبالذات مع تغول القوى الشرّيرة على القضاء؛ ولهذا كانت البلاد، وما تزال، بحاجة لقانون عفو عامّ ينصف المظلومين، ويعيد ترتيب الأولويّات.
وقبل أسبوعين طلب مني أحدّ كرام العراق أن أكتب عن قانون العفو، ونظراً لتطوّرات الملفّات الأمنيّة والسياسيّة آثرت تأجيل الموضوع إلى الأسبوع الحاليّ.
ومن تدابير القدر أنّه، وفي يوم السبت الماضي سُرّبت للإعلام بعض الأوامر القضائيّة، والصادرة بداية حزيران/ يونيو 2021، والتي تدعو إلى إعادة تشكيل اللجنة المركزيّة الأولى المختصّة بتنفيذ قانون العفو العامّ رقم 27 لسنة 2016، وتشكيل لجنة قضائيّة للنظر بقبول طلبات إعادة المحاكمة.
وسبق للبرلمان العراقيّ أن صوّت، في نهاية آب/ أغسطس 2016، على قانون العفو العامّ الذي استثنى 13 فئة من الجرائم، منها: الجريمة الإرهابيّة التي نشأ عنها قتل أو عاهة مستديمة، وجرائم الاتّجار بالبشر والمخدّرات وغيرها.
وأتصوّر أنّ سبب إعادة تفعيل القانون السابق هو نتيجة طبيعيّة لاستمرار الخلافات تحت قبّة البرلمان بين الكتل السياسيّة الفاعلة لسنّ قانون عفو جديد، والذي سُرّبت بعض تفاصيله قبل عام تقريباً، ولهذا ربّما حاولت الحكومة القفز على الخلافات، والعمل على إعادة الروح للقانون السابق الذي لم يتمّ تفعليه بالشكل القانونيّ والصحّيّ المطلوب.
إنّ توجه الحكومة لإنعاش القانون السابق خطوة يمكن أن تُحجّم المناكفات السياسيّة، وتختصر الوقت والجهود لإنهاء ملفّ المعتقلات التي تضمّ عشرات آلاف الأبرياء!
وسبق لحكومة عادل عبد المهدي أن قدّمت مقترحًا لرئيس الجمهوريّة برهم صالح يتضمّن إقرار قانون العفو الخاصّ عن السجناء في إطار الإجراءات المتّخذة لمواجهة تفشّي فيروس “كورونا”، ويهدف المقترح لشمول «مَنْ أكمل نصف مدّة محكوميته، أو بقي على محكوميّته أقلّ من سنة، أو المحكوم عليه بمدّة سنة فأقلّ». وكما هو حال بقيّة قوانين العفو فإنّ القانون لا يشمل المتّهمين بالجرائم الإرهابيّة، والجرائم المتعلّقة بالأمن الخارجيّ أو الداخليّ للبلاد، ومع ذلك فإنّ القانون لم يفعّل بالقدر الكافي!
وبغض النظر عن كون القانون المرتقب هو قانون عفو عامّ، أو خاصّ إلا أنّ المهمّ التركيز على الضرورة الإنسانيّة والأخلاقيّة والوطنيّة لمثل هذه القوانين التي ستطوى بها صفحات الظلم، وتقلّل الجريمة، وتوقف التبعات، أو المحاكمات بحقّ الأبرياء، ضحايا الدعاوى الكيديّة!
إنّ الواجب الوطنيّ والإنسانيّ المطلوب هو إنصاف الأبرياء وتخفيف العقوبات عن المغرّر بهم، وعدم التهاون مع الخونة والإرهابيّين والمخرّبين من كلّ الطوائف!
وفي كلّ الأحوال يفترض أن تستند آليّة العفو على:
– إبعاد القضاء عن ضغوطات القوى الشرّيرة، وتوفير الحماية الكافية للقضاة ليقرّروا أحكامهم بما يتّفق مع ضمير الإنسانيّة وروح العدالة.
– تكليف فريق من المحامين، وعلى نفقة الدولة، لتقديم طلبات إعادة المحاكمة للسجناء الذين لا يملكون المال الكافي لتوكيل المحامين للنظر في قضاياهم.
– ضرورة التركيز على إنصاف السجناء في القضايا الكيديّة وبالذات تلك المتعلّقة بالإرهاب، وعدم التلاعب، أو المتاجرة بقوانين العفو وجعلها منفذاً لتخليص سرّاق المال العامّ وحيتان الفساد الماليّ والإداريّ من ذوي العلاقات الخاصّة!
– تحديد سقف زمنيّ لتنفيذ قرار العفو على أن لا يتجاوز نهاية هذا العام، وأن يتمّ اطلاق سراح مَنْ تثبت مظلوميّته فوراً، وعدم إدخاله في دوّامة الابتزاز الماليّ داخل السجون.
– تعويض المظلومين تعويضاً معنويّا وماليّاً مجزياً وإعادتهم إلى وظائفهم السابقة.
– خلق بيئة آمنة للمفرج عنهم، ومحاسبة كلّ من يحاول الطعن بانتمائهم للعراق.
– محاسبة الذين شاركوا في القضايا الكيديّة حتّى ننشر العدالة في المجتمع وعدم تركهم يعبثون بحرّيّة الناس وسمعتهم ووطنيّتهم!
– مع ضرورة العفو العامّ للتعايش المجتمعيّ ونشر العدل الوطنيّ فهنالك مصلحة حكوميّة تتمثّل في إنهاء الضغط على السجون المكتظّة بالسجناء، والتخفيف من التكاليف الماليّة والأمنيّة المطلوبة لتأمين بقاء السجون في المنطقة الآمنة!
الدول التي لا يعيش فيها الإنسان بحرّيّة وسلام ونظام يسري على الجميع هي غابات لا تصلح للعيش البشريّ!
نقطة الانطلاق نحو الغد تبدأ بالعدالة لأنّها ضروريّة لديمومة التعايش المجتمعيّ، والشعور بالانتماء للوطن، وإلا فإنّ الظلم هو الهاوية السحيقة التي سيتهاوى فيها الظالم والمظلوم على حدّ سواء!
وأخيرًا أنقل فقرة من رسالة نيلسون مانديلا لثوّار الربيع العربيّ قال فيها:” إنّ إقامة العدل أصعب بكثير من هدم الظلم. فالهدم فعل سلبيّ والبناء فعل إيجابيّ. وإحقاق الحقّ أصعب بكثير من إبطال الباطل، والنظر إلى المستقبل والتعامل معه بواقعيّة أهم بكثير من الوقوف عند تفاصيل الماضي المرير”!
فمتّى نتعلّم النظر للمستقبل، والسعي لنشرّ العدالة بين المواطنين؟
dr_jasemj67@