23 ديسمبر، 2024 3:13 ص

الآن بدأت ساعة التجربة الشيوعيون والحرس القومي

الآن بدأت ساعة التجربة الشيوعيون والحرس القومي

الواجب الوحيد المترتب علينا حيال التاريخ هو إعادة كتابته ” أوسكار وايلد.
بهذه الجملة المختصرة والعميقة خاطب الشهيد سلام عادل سكرتير حزب الشيوعيين العراقيين رفاقه ” الآن بدأت ساعة التجربة ” الذين إعتقلوا معه في يوم ١٩ شباط ١٩٦٣ في معتقل نادي النهضة في الكرادة الشرقية في الساعات الاولى من عملية الإعتقال . طيلة أيام ثورة تموز ومنذ أيامها الاولى شب الخلاف الى درجة التصادم والاحتراب بين قادتها الزعيم عبد الكريم قاسم والمشير عبد السلام عارف حول المواقع والمناصب السيادية مما أدى هذا الخلاف الى معسكرين متحاربين متخندقين بين الزعيم قاسم ومعه الشيوعيين وفي المعسكر المقابل المشير عبد السلام عارف ومعه القوى القومية والبعثيين ، ومن زاوية آخرى بين الزعيم قاسم والشيوعيين ، ويذكرنا التاريح بخطابه الشهير في كنيسة ” مار يوسف ” يوم ٢٩ تموز ١٩٥٩ ، بشن حملة قمع ضد الشيوعيين ومنح فرصة للقوى الرجعية والبعثيين في إستهدافهم وهم بالمئات وبتغطية من حكومة قاسم ، يذكر المستشار الشخصي للزعيم قاسم الضابط جاسم العزاوي في أوراقه ” ثورة ١٤ تموز أسرارها ، أحداثها ، رجالها حتى نهاية عبد الكريم قاسم ” في أحدى الليالي رافقت الزعيم الى موقع الكتيبة الرابعة ” كتيبة المثنى ” للدبابات في أبي غريب وخاطب ضباطها وجنودها بعد أن زج بآمرها المقدم خزعل السعدي في سجن رقم واحد وعين بدل عنه الضابط البعثي خالد مكي الهاشمي ومساعده القومي خالد حسون فريد ، أن تحولوا مسار الكتيبة من خطها وصبغتها الشيوعية الى خط ثورة ١٤ تموز ، وبعد إن حولها الضابط الشيوعي خزعل السعدي الى خلية شيوعية وسيطر على مرسلات الإذاعة في أبي غريب ، وبعد هذا التغير أصبحت الكتيبة الرابعة ومرسلات الإذاعة وكراً للبعثيين والمتآمرين على الزعيم والثورة ، وكانت رأس الرمح وبداية الإنطلاق ضده يوم ٨ شباط ١٩٦٣ . ولم يستجن البعثيين ومعهم القوى القومية في حياكة الدسائس والانقلابات ضد ثورة تموز وزعيمها والشيوعيين ، ولم تكن تلك التحركات بعيدة عن رصد الشيوعيين ومتابعة خيوطها ، لكن الواقع كان خارج أرادتهم بسبب سياسة قاسم أتجائهم في تقليم أظافرهم وتحديد حركتهم رغم ثقلهم السياسي والاجتماعي والتاريخي ومواقعهم الحساسة في أجهزة الدولة . ولكثرة التسريبات التي كانت تصل للشيوعيين عن نية وموعد ويوم التحرك والانقلاب مما أضعف يقظة الشيوعيين في أخذها على محمل الجد . إن ما حدث يوم ٨ شباط ١٩٦٣ عندما علمت أحدى غانيات من عشيقها وهو ضابط مشارك في الإنقلاب أن يوم ٨ شباط سيقود به حزب البعث إنقلاباً عسكرياً ضد نظام عبد الكريم قاسم حيث كان المقدم البعثي ”حاتم حسن الكرخي ” له عشيقه اسمها ” فريال ” فكانت تتردد عليه بصورة دائمة ، وتستدرجه للكلام ، فتعرف عن طريقه الأخبار والمعلومات التي تؤكد عن قرب وقوع إنقلاب ضد الزعيم قاسم ، وكانت بدورها تقوم بنقل هذا الأخبار الى قادة الحزب الشيوعي الذي تربطه بها صلة وثيقة وذلك عن طريق القيادي الشيوعي ” عبد الرحيم شريف ” ولكثرة ما نقلت فريال من مواعيد للإنقلاب عن طريق عشيقها المقدم فقد الحزب الشيوعي ثقته بهذا المصدر . فبادرت هذا الغانية الى أخبار أقربائها من الشيوعيين الذين بدورهم أبلغوا القيادي جمال الحيدري ، وعند منتصف الليل قام الحيدري بإبلاغ هذا الخبر الى مكتب لجنة بغداد التابعة للحزب الشيوعي ومن خلالها تم إبلاغ سلام عادل بالخبر . فذهب سلام عادل الى دار جورج تلو مسؤول المكتب العسكري في الحزب الشيوعي ، طالباً وعلى وجه السرعة والدقه منه إتخاذ الإجراءات الضرورية الممكنة ، وقد أكد عليه بصورة خاصة إبلاغ جلال الاوقاتي بمغادرة الدار التي يسكن فيها والمبيت في مكان آخر وبسبب الشتاء البارد لم تشتغل سيارة جورج تلو ، فأجل التبليغ الى الصباح فكانت تلك على حد تعبير زوجة سلام عادل ثمينة ناجي يوسف ” غلطة العمر ” ذهب ضحيتها الآف من العراقيين وضاع العراق الى يومنا هذا . وفي صباح ٨ شباط ١٩٦٣ تم قتل جلال الاوقاتي من قبل مجموعة تابعة للحرس القومي أمام دار بيته ، وفي الصباح عندما أتصل سلام عادل عن طريق الهاتف بمنزل جورج تلو مستفسراً منه هل ذهب الى الاوقاتي وأخبره بما تم الأتفاق عليه قبل ليلة الإنقلاب فأجابه بالنفي مما أدى بسلام عادل وبصورة إنفعالية الى شتم جورج تلو وأغلق الهاتف بوجهه ، فلم يشاهد سلام عادل منفعلاً مثل هذه المرة في حياته . كانت خطة الإنقلابيين وساعة صفرهم الأولى التخلص من جلال الاوقاتي قائد القوة الجوية لعدة حسابات في بيدرهم بما يتمتع به من قوة وحنكة ومهنية ، وقيادته ٤٠٠ ضابط طيار ومنهم ٧٠ طيار شيوعي وبمقتله لقد شلت حركتهم تماماً ، وكان هناك أيضا خوف من الإنقلابيين لو قتل الزعيم قاسم ونجا الاوقاتي سوف هو من يدير دفة الحكم وهذه في حساباتهم ستكون نتائجها سلبية عليهم ، وفي نفس الصباح لقد نجا من الاغتيال الضابط الشيوعي سعيد مطر ، ووصفي طاهر ، وفاضل عباس المهداوي ، وعبد الكريم الجدة آمر الانضباط العسكري ، والذي قاتل الإنقلابيين الى آخر نفس في ساحة وزارة الدفاع .

وفي الساعات الأولى من الإنقلاب سارع الشيوعيين العراقيين وعلى صوت ولسان زعيمهم الشهيد سلام عادل الى مقاومة الإنقلابيين ”” إلى السلاح اسحقوا المؤامرة الأستعمارية الرجعية إيها المواطنون ، ياجماهير شعبنا العظيم المناضل إيها العمال والمثقفون وكل المواطنين ، والديمقراطيون الآخرون قامت زمرة تافهة من الضباط الرجعيين والمتأمرين بمحاولة يائسة للإستيلاء على السلطة أستعداداً لإعادة بلدنا إلى قبضة الأستعمار والرجعية ””” ولقد تلا سلام عادل هذا البيان ، بعدما ” نجا من عملية إغتيال ” تعرض لها وهو يحمل على الاكتاف إلى ساحة التحرير قبل أن يقرأ هذا البيان ( البيان الأول ) ، ولم تكشف الجهة التي أطلقت عليه الرصاص عن نفسها ، وما كاد ينتهي سلام عادل من قراءة هذا البيان حتى بدأ الآلأف من الجماهير تتدفق الى الشوارع وهي عزل بالدفاع عن الثورة ومكتسباتها . ويصفهم حنا بطاطو في كتابه تلك الجماهير الشيوعية التي تدفقت الى بوابة وزارة الدفاع (( كان منظرهم مأساوياً كقطيع من الغنم يسرع الخطى مهرولاً إلى المسلخ )) . ولقد رفض الزعيم قاسم بتسليحهم خوفاً من إراقة الدماء كما يتداولون ، وأنا في أستنتاجي ومن خلال قراءاتي للحدث عبر دراسات وقراءات متنوعة ، كان وراء ذلك القرار هو خوف الزعيم من الشيوعيين لو فشل الإنقلاب حسب تقديراته سوف يستلمون السلطة الشيوعيين وهذا ما كان يتوجسه دائماً إتجائهم طيلة أيام وسنوات الثورة ، ودراما إراقة الدماء سالت منذ الصباح الباكر وتمرد عليه كل قادته العسكريين ودكت مدافع وصواريخ الإنقلابيين كل شبر في بغداد من المواقع الحساسة والمهمة . وذهب الزعيم بجلده الى الموت بإتجاه وزارة الدفاع ، وكانت تعليمات الحرس القومي للاعضاء الذين يراقبون بيته في ذلك الصباح لو سلك طريقه الى مبنى وزارة الدفاع إتركوه أن يكمل طريقه بل سهلوا له المهمة ، لكن لو غير الإتجاه الى معسكر الرشيد مقر اللواء التاسع عشر أو إلى أي إتجاه آخر غير وزارة الدفاع أمطروه بالرصاص . وقد حصر نفسه مع مريديه في مبنى وزارة الدفاع وحاول عابثاً الاتصال بقادته العسكريين والجميع بدون إستنثاء غلق سماعة التلفون بوجهه ، وبدأ يستنجد بقادة الإنقلاب من أجل إجراء المفاوضات وأنقاذ حياته ولم يتحقق شيئ مما أضطر صباح اليوم التاسع من شباط بتسليم نفسه الى الإنقلابيين مع عباس فاضل المهداوي ، وطه شيخ أحمد ، وكنعان خليل حداد ، وقاسم الجنابي . وقادوهم الى مبنى الاذاعة والتلفزيون في الصالحية ونفذوا بهم حكم الإعدام ما عدا قاسم الجنابي سحب من ستوديو التصوير بآخر لحظات ، ومن الذين قاتلوا الإنقلابيين بشراسة في ساحة وزارة الدفاع ومات عبد الكريم الجدة آمر الانضباط العسكري .

ندد الشيوعيون بالإنقلاب وبينوا بأن هذا الإنقلاب تقوده مجموعة من القوى الرجعية هدفه أن يتحد هؤلاء للقضاء على الشيوعية في العراق ، وفي يوم ١٧ شباط ١٩٦٣ قامت مجموعة من الحرس القومي عند أحد حواجز التفتيش بإلقاء القبض على حمدي أيوب عضو القيادة المحلية للحزب الشيوعي وبعد إعتقال حمدي أيوب أنتقل سلام عادل الى بيت أستأجر حديثاً ، حيث كان يقيم في هذا البيت مسؤول لجنة الفلاحين للحزب الشيوعي ستار الخواجه وزوجته ساجدة طخه والمراسلة الحزبية لسلام عادل روضه عبد اللطيف ، وكان سلام عادل قد ألتقى قبل يوم من إعتقاله في ذلك البيت هادي هاشم الاعظمي ، فكان الأخير هو الشخص الوحيد الذي يعرف بمكان البيت من غير ساكنيه ، وعندما أعتقل العاني في بغداد ، وقد أخذ إلى مركز شرطة الفضل الذي كان فيه مقر للحرس القومي فكان التحقيق معه شديداً ولمدة يومين متتالين ، مما أدى إلى أنهياره تحت التعذيب فقادهم إلى حيث يسكن هادي هاشم الأعظمي عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي في أحد الأوكار الحزبية التابعة للحزب وذلك في يوم ١٩ شباط ١٩٦٣ ، والذي كان معروفاً عنه بين الشيوعيين بأنه الشيوعي الذي لايعترف مهما كانت قسوة التعذيب ، ولكن الأمر هنا أختلف تحت هذا الظرف الحرج ، لقد خان الحزب وقدم للإنقلابيين معلومات وتفاصيل كاملة بنفس اللحظة والساعة واليوم عن جميع الأوكار الحزبية وقادهم بنفسه الى بعضها ، ولم يتعرض الى أي نوع من التعذيب ، كما أعلن في ظروف طبيعية لاحقه وبعد سنوات طويلة وللتكفير عن خيانته بإنه فقد ثقته بالحزب الشيوعي العراقي ، وقال : ( أن الحزب الشيوعي العراقي يقف أمام تقدم المجتمع ) ، وذلك أصبح هو الخائن في أدبيات الشيوعيين والذي سلم البيوت الحزبية التابعة للحزب الشيوعي العراقي إلى الحرس القومي ، كما يذكر صباح المدني في أوراقه أحد منتسبي الحرس القومي بإنهيار وتعاون هادي هاشم الاعظمي منذ اللحظة الأولى وبدون أي ضغوطات عليه ، حيث كان منهاراً ومرعوباً ومندهشاً عما آلت إليه الاحداث .

وفي نفس اليوم من يوم ١٩ شباط ١٩٦٣ ، قام صباح المدني بتجهيز مفارز من قوات الحرس القومي داهمت أوكار الشيوعية في بغداد حسب الاحداثيات الدقيقة التي أعطاها لهم هادي هاشم الاعظمي ، فكانت البداية نقطة الانطلاق منزل سلام عادل الواقع بين تل محمد وبغداد الجديدة ، فلم يجدوه فأعتقلوا ساكنيه وهم ” بتول الحكيم وزوجها هاشم الحكيم وأختها آمنة الحكيم وأبن سلام عادل ” علي ” البالغ من العمر سنتين وثلاثة أشهر ، ولم يتعرف عليه الإنقلابيين بإنه أبن سلام عادل مما كتبت له حياة جديدة . ثم هاجم الحرس القومي بيتاً آخر في الكرادة الشرقية فوجد به سلام عادل حيث نزل من الطابق الثاني وهو بكل قيافته ، فكان يرتدي بدله وربطة عنق وبيديه حقيبة فيها بجامته ، فكان متهيئاً للإعتقال ، فأقتيد هو ومن كان معه معصوبي الأعين إلى نادي النهضة بالكرادة الشرقية ومعه كل القيادة الشيوعية ، بعد مداهمة ٣٣ بيتاً حزبية في بغداد ، فأعتقلت جميع قيادات الصف الأول والثاني والثالث والبالغ عددهم أكثر من أربعين رفيقاً. ويؤكد رجل الحرس القومي صباح مدني في حوار مع الباحث فايز الخفاجي ، الذي قاد المداهمات والتي تمت في ليلة واحدة فقط يوم ١٩ شباط ١٩٦٣ ، ويذكر صباح المدني الى نفس المصدر السابق الحوار الذي جرى بينه وبين سلام عادل ، حيث أستمر هذا الحوار ما يقارب الخمس ساعات في نادي النهضة بالكرادة الشرقية ليلة الإعتقال فبدأ في الساعة الثانية عشر ليلاً الى الخامسة صباحاً من يوم ٢٠ شباط ١٩٦٣ . فسأل صباح المدني سلام عادل عن البيانين اللذين أصدرهما الحزب الشيوعي في يوم الإنقلاب ، وعن رفع السلاح ضد الإنقلاب وهم ” أي الشيوعيين ”لا يمتلكون أسلحة كافية لمقاومة الإنقلاب ، فلم تزود جماهير الحزب الشيوعي ومنتسبيها بالسلاح الكافي هذه الحقيقة أعترف بها عضو اللجنة المركزية للحزب زكي خيري حيث أشار ” بأن الحزب الشيوعي لايمتلك المال والسلاح الكافي في يوم ٨ شباط ١٩٦٣ لمقاومة الإنقلاب ”. ولذلك زج الشيوعيون بمعركة خاسرة ؟. فأجاب سلام عادل على تساؤلات صباح المدني في أن البيانين صدرا بأمر مني وليس بأمر من قيادة الحزب الشيوعي وأنه أخطأ عند رفع السلاح بوجه الإنقلاب وأنه مستعد أن يصلح هذا الخطأ بمجرد أن يلتقي بعلي صالح السعدي ولكن اللقاء لم يتم لأن الأخير كان موجوداً في مصر ، وذكر صباح المدني أنه أي سلام عادل لم يتعرض للتعذيب ولا القيادة الشيوعية التي كانت معه عندما كانوا معتقلين في ” نادي النهضة ” أي في اليوم الأول من الإعتقال ، ويصف صباح المدني سلام عادل … كان شخصاً قوياً متماسكاً لم يتجرأ أي شخص من أفراد الحرس القومي أن يوجه له أي إهانة في تلك الليلة . وبعد سنوات طويلة من تلك الحدث خرجت قراءات جديدة ومعطيات أكثر واقعية لو تريث سلام عادل في تصديه للإنقلابيين من خلال بياناته من أجل إعطاء فرصة عما ستؤول أليه الاوضاع ، وهناك معطيات تشير وأكدها الواقع المرير ، إن تنظيمات الحزب الشيوعي العراقي في عموم العراق لا تملك قطعة سلاح فعالة وأن أمتلكت بعض المحليات الحزبية في مدينة الثورة أو منظمة الكرخ فهي صدئة وقديمة وغير فعالة ، ويعلق الصحفي شامل عبد القادر على ذلك ”” لقد بدأ الحزب الشيوعي العراقي في تصديه للإنقلاب كحيوان الفقمة الذي لايقوى على تحريك ثقل جسمه اللزج إلا إذا تساقطت أجزاء كبيرة منه على جانبي طريق سيره ”” ، وهذا الموقف المعلن ضد مجيء البعثيين ، دفع الإنقلابيين الى إصدار بيانهم المشؤوم رقم ١٣ في إبادة الشيوعيين ، عندما قرأت المذيعة هناء العمري زوجة علي صالح السعدي فيما بعد ، البيان الصادر عن المجلس الوطني لقيادة الثورة بصورة متشنجة ومنفعلة ومحرضة تتخلله موسيقى حماسية وأناشيد مصرية ” حيث قامت الإذاعة بحث الناس على مطاردة الشيوعيين أينما كانوا ” ، فكان هذا البيان الأسوء من نوعه في تاريخ العراق المعاصر . وكان البيان بتوقيع الحاكم العسكري العام رشيد مصلح التكريتي . وكان البيان متشنجاًعلى كل المستويات ، وقد صدر البيان من مقر الإذاعة والتلفزيون في الصالحية بعد أنتقال مجلس قيادة الثورة إليه . وظل الخلاف قائماً في وجهات النظر فيما يخص الشخص الذي دفع بصدور البيان رقم ” ١٣ ” فبينما يشير حازم جواد أن طالب شبيب هو الذي دفع بصدور البيان رقم ١٣ وأصر عليه ، وأنه أصر أيضاً على وضع أسم الشيوعيين في البيان ، بينما أراد حازم جواد كما يدعي أستبدال هذه اللفظة ” الشيوعيين ” ب ” الفوضويين ” ولكن طالب شبيب أصر على لفظة الشيوعيين لكي يتم تشخيصهم بصورة واضحة ”. كان البيان رقم ١٣ أحد محطات الرعب التي لاتمحى ولاتنسى نتائجه من ذاكرة الشيوعيين العراقيين على مر الأجيال ، فكان ضربة موجعة للحزب الشيوعي العراقي بمثابة أعلان إبادة جماعية . وعندما سأل الصحفي اللبناني غسان شربل في لندن حازم جواد قائلاً له هل هناك بقعة دم في يديك أو ضميرك ؟. فأجاب جواد : ” أن المذابح التي حدثت بعد ٨ شباط ١٩٦٣ مثلت بقعة دم في ضميري ”.

وضمن هذا السياق والفوضى ، يذكر صالح مهدي عماش ”” أنه تم إعتقال في أول يوم من الإنقلاب ٨٠٠ ضابط شيوعي منهم ١٥٠ طيار بحيث بقيت المطارات بدون طيارين ، وتم إعتقال ٤٠٠٠ شيوعي ، فقتل الكثير منهم في ٨ شباط ١٩٦٣ بدون محاكمة .

في يوم ٢٠ شباط ١٩٦٣ ، أي بعد يوم واحد من إلقاء القبض على القيادة الشيوعية في العراق فتح قصر النهاية كمقر للتعذيب وتركز التعذيب في ثلاثة أماكن من القصر ” السرداب ” الطابق الأعلى ”ومقر ما يدعى بلجنة التحقيق في الطابق الثاني ” وسرداب قصر النهاية يضم ثلاثة ردهات يجتاز النازل إليه بواسطة السلم ممراً ضيقاً الى السرداب نفسه ، والردهات مختلفة في مساحتها والردهة الأخيرة تتجمع فيها المياه القذرة بأنابيب خاصة متجمعة من مغازل القصر ، ورصفت أرضه بالأسمنت وفيه شبابيك أغلقت بالطابوق ، وتوجد في سقف السرداب أماكن لتعليق المراوح أستخدمت لممارسة التعذيب ، ونقلت إلى ردهات السرداب مياه قذرة حتى يجبر المعتقلون للتمرغ فيها عندما بفقدون القدرة على الوقوف ، أما الطابق الثالث فقد مورس التعذيب في غرفه الثلاث وسطحه الواسع وكان هذ الطابق هو مقر ”الهيئة العامة ” وهي أعلى هيئة للتعذيب في جميع أنحاء العراق . نقل الحرس القومي سلام عادل ورفاقه الى المبنى الجديد ” قصر النهاية ” كان يترأس لجنة التعذيب والتحقيق مدحت إبراهيم جمعة وكان بجانبه محسن الشيخ راضي ، فكان الأخير صاحب الكلمة الفصل في هذه اللجنة بينما كان مدحت إبراهيم جمعة رئيساً شكلياً لهذه اللجنة ، وقبل بدأ التعذيب من قبل الحرس القومي لسلام عادل ورفاقه خاطب سلام عادل جميع رفاقه المعتقلين معه بقوله : ….

” الآن بدأت ساعة التجربة ” ولما كسر أحد أفراد الحرس القومي يده اليمنى أثناء التعذيب قال : (( لولا الانسانية لقلت لك أكسر اليسرى )) ، وكانت القيادة الشيوعية تعذب من جلوس بينما سلام عادل كان يتعرض للتعذيب وهو واقف وذلك بسبب أن أفراد الحرس القومي الذين كانوا يشرفون على تعذيبه قد عرفوا من هادي هاشم الأعظمي أنه مصاب ” بعرق النسا ” فزاد هذا التعذيب من معاناته ففقد الوعي على آثرها وقام يهذي ، وأستخدم الحرس القومي بحق سلام عادل طريقه خارجه عن المألوف وشديدة وقاسية واللياقة الأخلاقية . عندما أتهموه بأن له علاقة ” غير شرعية ” مع مراسلته الحزبية ” روضة عبد اللطيف ” التي أعتقلت معه في نفس البيت الذي أعتقلوا به سلام عادل ، وذلك بسبب أنها كانت تتقيأ باستمرار فلما فحصها البعثي عصام الراوي الطالب في الصف السادس من كلية الطب ، وجد أن سبب التقيؤ ناتج عن تمزق معدتها أثناء ركلة تعرضت لها أثناء التعذيب من أحد أفراد الحرس القومي . وأثناء وجود سلام عادل في المعتقل ذكر حازم جواد أنه ألتقى به ، فطلب التفاوض مع قيادة حزب البعث ، ولكن حازم جواد رفض ذلك وأعتبر هذا الحوار بمثابة ” حوار بين السجين والسجان ” في حين ينفي كثير ممن كانوا شهود عيان على تلك المدة من عام ١٩٦٣ ما ذكره حازم جواد وأنه بعيد عن المصداقية .

 

”” وتذكر المعتقلة الشيوعية زكية شاكر أنها شاهدت سلام عادل يوم ٢٧/٢٦ شباط ١٩٦٣ ، وقد شوه جسده من التعذيب ، ولم يعد من السهل التعرف عليه ، فقد فقئت عيناه وكانت الدماء تنزف منهما ومن أذنيه ويتدلى اللحم من يديه المقطوعتين ورش الملح والفلفل فوق جسده المدمى لزيادة الآمه وأشرف على تعذيبه بشكل وحشي محسن الشيخ راضي الذي كان يحقد عليه بشكل فضيع ””” بينما نفى الشيخ راضي أثناء مقابلة مع الباحث فايز الخفاجي وأيضاً في كتابه الذي صدر حديثاً ” كنت بعثياً ” وأكد أنه لم يلتقي بسلام عادل أثناء إعتقاله إلا خمسة عشر دقيقة في شهر شباط ١٩٦٣ بأعتباره المسؤول عن منطقة بغداد لحزب البعث وهذا يقع ضمن واجبه الحزبي . ومن خلال قراءتي ومتابعتي لهذا الملف في الشأن العراقي تشير كل الدراسات والوقائع أن يوم إعتقال سلام عادل كان يوم ١٩ شباط ومات يوم ٢٣ شباط عام ١٩٦٣ . ”ويذكر صباح المدني أحد البارزين في الحرس القومي أن الطبيب الموجود في قصر النهاية أبلغه بموت سلام عادل فجاء مسرعاً فوجده قد فارق الحياة ”. ففي الخمسة أيام التي قضاه سلام عادل في المعتقل وما تعرض له من وسائل تعذيب وإهانات ، لقد إستنفذت قواه وإستسلم للموت .

وفي شهادة للتاريخ يصف الطبيب البعثي تحسين معلة ما آلت أليه وضع القيادة الشيوعية داخل معتقل قصر النهاية فيذكر” بعد إعتقال القيادة الشيوعية بأربعة أيام طلب مني حمدي عبد المجيد عضو القيادة القطرية لحزب البعث الحضور لقصر النهاية لعيادة بعض المرضى ، وذهبت إلى هناك وبدأت من سرداب القصر ، فرأيت سلام عادل نائماً وسط السرداب طاوياً نفسه على الأرض مشدود العينين ومدمى . أما جمال الحيدري ومحمد صالح العبلي عضوي المكتب السياسي للحزب الشيوعي ، فلم يستطع هادي هاشم الاعظمي كشف محل أختفائهما ، وظل الاعظمي يردد لمدة طويلة ”” أن بقائهما طليقين سيعيد تنظيم الحزب الشيوعي العراقي ”” وظل حريصاً على القبض عليهما حتى تموز ١٩٦٣ ، فتذكر الاعظمي أحد الدور الحزبية القديمة التي لقي صعوبة في تحديدها بسبب تغير معالم المنطقة وكثرة البناء فيها ، وفي ٧ تموز ١٩٦٣ داهم الحرس القومي بمساعدة الأعظمي أحدى البيوت السرية التابعة للحزب الشيوعي العراقي وتم إلقاء القبض على جمال الحيدري ، ومحمد صالح العبلي ، والصحفي عبد الجبار وهبي ، فقام الحرس القومي بتعذيبهم تعذيباً شديداً ، فتعرض الحيدري للتعذيب القاسي على يد الحرس القومي فقطعوا أحدى يديه ثم علقوه بمروحة السقف باليد الأخرى ، أما عبد الجبار وهبي فقد قطعت رجله بآلة نشارة من تحت الركبة ، وقام خالد طبرة وسعدون شاكر بحفر حفرة لمحمد صالح العبلي وطالباه بالاعتراف أو الموت فرفض الاعتراف فأطلق عليه سعدون شاكر رصاصة فمات فوراً .

ولم ينجوا من اللجنة المركزية للحزب الشيوعي من عملية الإعتقالات التي شنها الحرس القومي سوى عزيز محمد في كردستان وزكي خيري ، وباقر إبراهيم الموسوي في الفرات الاوسط ، وعبد السلام الناصري الذي كان خارج العراق ، ففي أول إجتماع للجنة المركزية بعد جريمة ٨ شباط ١٩٦٣ في العاصمة التشيكية براغ عام ١٩٦٤ للملمة الجراح وتسمية سكرتير جديد لحزب الشيوعيين العراقيين حيث وقع الاختيار على عبد السلام الناصري وسجل حضوراً وقبولاً من قبل المجتمعين وكان الأوفر حظاً ، لكن الزعماء السوفييت أبدوا أعتراضهم على ضوء الاسس الجديدة في نهج سياستهم تجاه الاحزاب البرجوازية ” الوطنية ” والتعويل عليها من خلال عملية التطور اللا رأسمالي فوقع الاختيار على عزيز محمد وبرغبة سوفييتية بإعتباره عقلية برغماتية وتوفيقية بعيدأ عن الفعل الثوري إذا تطلب الأمر وهذا ما أثبت رهانه طيلة ثلاثة عقود من خلال قيادته لحزب الشيوعيين العراقيين . وكانت بعض الاحصائيات تبين بأن سبعة من الأعضاء للمكتب السياسي وثلاثة عشر للجنة المركزية كان مصيرهم القتل . أما القادة الشيوعيون الذين انهاروا تحت التعذيب وأدى بهم إلى الاعتراف على الأوكار السرية للحزب الشيوعي وهم : شريف الشيخ ، وبديع عمر نظمي ، ولطيف الحاج ، وعبد القادر البستاني ، وعصام القاضي ، وباسم مشتاق ، وعدنان جلميران ، فلم يقتصر هؤلاء على الاعتراف بل أجبروا على تقديم براءة من الحزب الشيوعي العراقي . يذكر حنا بطاطو في مجلده ”” أن الحرس القومي ضم بين صفوفه أشخاص متوحشين بصورة حقيقية ””. ويشير في كتابه ” أن ٥٠٠٠ شخص شيوعي قتل بعد الإنقلاب ”. وان العدد النهائي حتى تشرين الثاني عام ١٩٦٣ وصل بحدود ١٢٠ ألف معتقل شيوعي .