19 ديسمبر، 2024 12:52 ص

الآثار في ضمير الاحرار

الآثار في ضمير الاحرار

الآثار علمُ يرتبط بتأريخ الإنسان وحضارته وأصالته، فهو يقدم معلومات وحقائق عن الماضي، وهو أقدم حتى من علم التاريخ الذي بدأ مع بداية الكتابة وهذا الأمر كان في النصف الثاني من الألف الرابع قبل الميلاد في بلاد الشرق الأدنى القديم، والقرن الأول الميلادي في بريطانيا، وهذا معناه أن الحقبة الزمنية التي سبقت هذا الوقت لا يستطيع علم التاريخ أن يدون أحداثها ومجرياتها، كون المؤرخين يعتمدون على النصوص التاريخية في الحصول على المعلومة وحيث لا توجد نصوص مؤرخة فلا وجود لموضوعات علم التاريخ، بينما علم الآثار فانه كان يعتمد على المادة الأثرية المحسوسة والملموسة ولهذا فقد اعتمد المؤرخون على علم الآثار في معرفة عصور ما قبل التاريخ ،
ومن هنا تبرز أهمية الآثار ودورها في الكشف عن تاريخ وحضارة الأمم ومعرفة عمقها وأصالتها، فالأمة التي تجهل تأريخها وحضارتها لا يمكن لها أن تعيش حرة أبية أو تفتخر بأصالتها ، ولا تستطيع أن تنطلق من زاوية حضارية تمنحها طاقة لإثبات وجودها وعمقها في الزمن ، ويعتبر العراق من أشهر البلدان حضارة فقد شُيدت على أرضه العريقة ما ندر من الآثار والمتاحف والتي تمنح الفرد جوانب معنوية ونفسية وفكرية واجتماعية وروحية وشرعية تربطه وتشده لأرض وعراق الحضارة والتأريخ وشعبه العزيز، كما أنها تكشف عن الوحدة الأزلية القديمة التي تميَّز بها شعب الرافدين . إذن فهي عنصر قوة للعراق وشعبه، وأحد مصادر الوحدة والتوحد تحت راية العراق الذي هو أصل ومنبع الحضارات، كما يقول أحد المحققين الإسلاميين المعاصرين :فالآثار القديمة يجب صيانتها والحفاظ عليها لأنها تربطنا وتشدنا لأرضنا وعراقنا الحبيب وشعبه العزيز والمفروض أنها توحّدنا لوحدتنا القديمة الازلية على أرض الرافدين التي تكشفها وتعبّر عنها الآثار القديمة ، فهي فخرنا وعزّنا لأنها تضيف عنصر وأساس قوة لنا ولأرضنا فيصح أن نقول بل الواقع يثبت أن العراق أصل ومنبع الحضارات وأرض الأنبياء وشعب الأوصياء والأولياء الصالحين الأخيار….
ولقد أدرك أعداء العراق خطورة العمق الحضاري لهذا البلد فسعوا إلى فك ارتباط شعبه بحضارته وتأريخه، وقد استخدموا مختلف الوسائل والطرق الخبيثة من أجل ذلك ، ومنها تفريغ العراق من أثاره وتحويل المناطق الأثرية والمتاحف إلى ثكنات عسكرية كما فعلت قوات الإحتلال، ومن ثمَ إلى بيوت خرِبة للعنكبوت وخفافيش ظلامهم!! ، فتعرضت الكثير من الآثار والمتاحف إلى عمليات السرقة المنظمة وغير المنظمة على مرأىً ومسمع الجميع من قوات إحتلال وقيادات حكومية وسياسية وأمنية ومسؤولين ورموز دين فلم تحرك ساكنا وبقيت قضية الآثار حالها حال القضايا التي هُمشت وتُركت لنار الفساد والخراب والسرقة والدمار الذي حل بالعراق وشعبه!!، ويستمر مسلسل إستهداف كل ما يرتبط بتاريخ وحضارة العراق، وهذه المرة على يد تنظيم داعش التيمي الإرهابي الذي دنست أقدامه القذرة أرض الحضارات ، حيث أضاف هذا التنظيم الجاهلي جريمة أخرى تُضاف إلى سجل جرائمه القبيحة فقد أقدم على تحطيم مجموعة من التماثيل والآثار التي تعود إلى الحضارة الآشورية التي سادت في العراق في القرن السابع قبل الميلاد ، كما وحطم التنظيم متحفي الموصل والنمرود،
واليوم يقدم على نسف منارة الحدباء التأريخية والتي تُعد من مُقدِّمة الآثار الإسلاميَّة النفيسة، الأمر الذي يكشف بكل وضوح عن النزعة البربرية الهمجية المسيطرة عليه إضافة إلى نزعته الساديَّة الدموية التي تتخذ من المنهج التيمي مشرعًا ومرجعًا لكل ما يقوم به داعش من ممارسات إجرامية تستهدف الإنسانية جمعاء وكل ما هو حضاري وعلمي وتاريخي وهذا ما يدعو الجميع إلى وقفة موحدة لمواجهة هذا المنهج التكفيري الهمجي البربري الدموي عبر إبراز ودعم الفكر الوسطي المعتدل مهما كان انتمائه وخصوصًا المطروح في الساحة والذي استطاع أن يثبت بطلان وضلال وشذوذ الفكر التيمي وانه لايمُت إلى الإسلام الإلهي بصلة ولا إلى الإنسانية ، ومن هنا فإن الآثار وحمايتها تقع في ذمة الأحرار مهما كان انتمائهم الديني أو الأيديولوجي لأنها جامع مشترك يحتضن الجميع .