من ضمن الأمور التي ساعدت على بقاء هتلر في الحكم أثناء الحرب العالمية الثانية والتفاف الشعب الألماني حوله رغم المآسي التي سببها ليس لهم فحسب إنما للعالم أجمع هي سياسة الدعاية التي استخدمتها عجلة إعلامه لإيهام الألمان بأن قائدهم يقودهم نحو المجد والرفعة فوق باقي البشر, وكان أبرز قادة الدعاية في ذلك الزمان وزير إعلامه غوبلز صاحب سياسة ((إكذب أكذب حتى يصدقك الناس)), ورغم ما مني به هتلر من انهزام في نهاية الحرب إلا أن الألمان ظلوا مصدقين أنهم منتصرون وإنهم فوق البشر.
مهما بلغ الكذب والخداع مبلغا إلا أنه لا بد أن ينتهي وتظهر الحقائق وخصوصا عند الشعوب التي اعتادت على كذب حكامها, ففي العراق مثلا وخصوصا بعد 2003 أصبح الكذب والضحك على ذقون العراقيين هو القاعدة وما عداهما فهو شاذ, فصارت عقولهم تميز تلقائيا كل أنواع الكذب لكنها ولعجزها عن مواجهة تلك الأكاذيب خوفا من البطش فإنها تحولت إلى استخدام مواقع التواصل الاجتماعي للتنفيس عن غضبها.
الكذب و الضحك على الذقون لا يقتصر على فئة السياسيين, فهو يبدأ من أدنى مستويات الوظيفة لينتهي عند رئيس الوزراء مرورا بالبرلمانيين والوزراء وأصحاب الدرجات الخاصة الذين احترفوا الكذب حتى أصبح مصدرا لديمومة وجهودهم, فحين تذهب لأي دائرة حكومية تصطدم بحاجز الكذب ويتصاعد تدريجيا حتى يصل الى الفضائيات التي تلتقي يوميا بعدد من السياسيين والمعممين وغيرهم و الذين لا يخلو حديثهم من الكذب و الغريب في الأمر إنهم يعلمون بأن كل ما يصرحون به لا يمكن تصديقه من قبل المشاهد.
فمثلا يخرج علينا رجل دين لم يكن يملك حتى وقت قريب قوت يومه وفجأة صار ملياديرا بين عشية وضحاها و يصرح عبر وسائل الإعلام بأنه لا يملك غير دار صغيرة ورثها عن أبيه وجده وهو مدين بمبلغ من المال في الوقت الذي يضم موكب حمايته آلاف الأشخاص و مئات السيارات المصفحة ويستحوذ على عشرات الدوانم المطلة على نهر دجلة بعد أن صارت ملكا لأجداده, وغيره ممن يدعي الحرص على العراق وأهله و كلابه السائبة تنهش لحوم كل من ينبس بكلمة أو ينتقده أو يتندر على تصرفاته (القرقوزية) التي صارت مثارا للضحك والسخرية, أما من يرعى المؤسسات الدينية والعتبات المقدسة التي صارت دكاكين للاستثمار العائلي ويقبض ملايين الدولارات تحت مسميات خيرية وشرعية لمشاريع عملاقة عجزت الدولة عن إنشائها فهؤلاء بحث أخر خصوصا حين يخرجون علينا في كل جمعة ليخطبوا فينا بأنهم أولياء الله وإنهم ضد الفساد وإنهم يقفون بالمرصاد لمن يسرق وينهب وهم (يقطون) أول مريض يدخل مستشفياتهم التي لا بد وأن تحمل صفة الخيرية في تسميتها.
أما فئة (البرلمانيين) التي يفترض أن تضع القوانين لمصلحة البلد وأبنائه فأنها تسعى جاهدة وفي كل دورة برلمانية إلى ترسيخ مكاسبها المادية وإمتيازاتها الأبدية بقانون كي تبقى دون جدل , تلك الامتيازات لا تشمل الأبناء فقط إنما تتعدى لتشمل الأحفاد وأحفاد الأحفاد و هي غير محددة بزمن فقد تستمر حتى قيام الساعة أو عند ظهور المهدي, و حين يخرج أحدهم على شاشات التلفزيون يجعل دموعك تنهمر من الزهد والتقوى بينما هم و عوائلهم وأقاربهم يستولون على الوظائف بع أن صارت الوزارات ملكا لهم.
أصحاب المعالي من الوزراء فحدث ولا حرج فأبسط الامتيازات التي يحصل عليها الوزير إن افترضنا جدلا إنه كان شاذا عن القاعدة و كان نزيها ولم يتورط في صفقات الفساد والعمولات (وهذا نادر بندرة سقوط المطر في الصيف) فإنه يخرج بامتيازات مادية ومعنوية تجعله لا يشعر بالفقر أبد الدهر أما إذا كان يسير وفقا لقاعدة (شيلني وأشيلك و غطيلي وأغطيلك) فأنه بإنتهاء مهمامه سوف يكون من ضمن المشمولين بتصنيف مجلة فوربس لأغنى أغنياء العالم و حين يخرج على شاشات التلفزيون تراه يجعل من (الشط مرق ومن الزور خواشيك) كما يقول المثل العراقي الدارج دون أن يكون صادقا في كل ما يقوله.
قصص دولة رئيس الوزراء بحث أخر, فبعيدا عن المغامرات التي يقصونها عن بطولات أبنائهم (الدونكيشوتية) في الذود عن حياض المنطقة الخضراء و القبض على الفاسدين كما يدعون فإن التحدي الذي صار على المواطن هو كيف يخرج بجملة صادقة مما يصرحون به خصوصا حين يتحدثون عن الديمقراطية والحرية حتى يشعر المواطن بأن جيفارا قد بعث من جديد في الوقت الذي تقوم فيه مليشياتهم بخطف وقتل كل من يفتح فمه, أو ليسطروا لك منجزاتهم تجاه الشباب وبكل صلافة وهم يحصدون أرواح الآلاف من الشباب, هذا عدا المجنون الرسمي الذي يهذي هذيان لا تفهمه حتى الملائكة حين يتحدث عن الكونفوشيوسية والمارد والقمقم.
أما رئيس الوزراء الحالي و التحفة الجديدة التي كسبها العراقيون في اليانصيب فأنه حالة خاصة ومستقلة بذاتها, وعوده العسلية أشبعت العراقيين و جعلت العراقي يحتار إلى حد التبطر في اختيار الوظيفة لأن العروض لا تعد ولا تحصى وصار العراقي يأكل مما يزرع و يلبس مما يصنع ويركب الطائرات الخاصة و السيارات الفارهة التي تصنعها وزارة الصناعة و لا يعرف أين يضع أرصدته التي تأتيه من النفط و صار العالم كله يتنافس على السياحة في العراق حتى إن بابا الفاتيكان فضل زيارة العراق على زيارة بيت لحم مهد السيد المسيح وقبلة المسيحيين في العالم!!!
أي ذنب أرتكبه العراقي المسكين ليكون ألعوبة بيد ثلة لا يردعها دين ولا مبدأ ولا أخلاق ولا تحمل من الغيرة على بلدها قيد شعرة ؟ وأي سياسة هذه التي وضعت غوبلز أشهر كذاب سياسي في خانة المبتدأين إزاء هؤلاء الكذابين المحترفين؟ ومتى سيتوقف الضحك على ذقون الناس وعلى عقولهم؟
لعن الله أمريكا على فعلتها التي جمعت فيها كل أزبال العالم و نثرتها في أرض العراق.