18 ديسمبر، 2024 10:20 م

اكتب إليك على ساق واحدة ؟!

اكتب إليك على ساق واحدة ؟!

لا يكفي تقديم الشكر لكل من وقف معي في الحادث الفظيع الذي تعرضت له أنا وعائلتي، وخرجت منه والحمد لله على ساق واحدة ،بل لابد لنا من إلقاء نظرة فاحصة على حال المواطن العراقي في المنافي سواء منها الناطقة في العربية أو الراطنة بالانكليزية وغيرها من  لغات الأمم التي تقطعت أوصال الشعب العراقي فيها وصار الإنسان العراقي منافسا لكل طيور الهجرة في العالم ،لاسيما عندما يتعرض الواحد منا إلى حادث أو مرض أو إصابة ،كالتي تعرضت لها فانه يكون في حالة من البؤس  والحيرة والإرباك والخوف والقلق وكل ما يرد في قاموس علم النفس من مرادفات الخوف أو فقدان الأمان لأسباب تبدو بنظر صديقي الفرنسي “بوفيل”والذي يدرس الأدب العربي في القاهرة بأنها تتنافى مع حقوق الإنسان إذ يفترض بي وأنا القادم من بلد نفطي لاشك فيه، ولدينا خيرات بقدر حسرات شعوب الصومال وجنوب أفريقيا وغيرها ،من الشعوب الفقيرة والمعدمة أن يكون لي على اقل تقدير بطاقة خاصة في التأمين الصحي وأخرى تخص التأمين على الحياة وتتضمن التأمين على الممتلكات الشخصية وضمانة أخرى تخص أطفالي وتؤمن حقوقهم الشرعية في الصحة والدراسة والرفاهية وكنت أصغي إليه وأنا مطروحا على سريري وابتسامة عريضة على شفتي وأفكر كيف إنني كنت أتنقل من مستشفى إلى آخر بساق مهشمة ،طوال يومين للعثور على مستشفى واحد يقبل أن يجري عملية دون أن أوقع مسبقا على شيك لا تقل قيمته عن 35الف جنيه مصري ومبلغ أولي لا يقل عن عشرة آلاف جنيه مصري لكي يتسنى لي أن ادخل غرفة العمليات واحصل على العلاج اللازم من غير أن يحق لي البقاء في المستشفى أصلا لأن هذا يتطلب حسابات مالية أخرى وضمانات أكثر!
كنت أفكر بما لا يستطيع تصديقه لا بوفيل ولا غيره وهو كيف إن الإنسان العراقي حتى وهو في داخل وطنه الذي صار خندقا لتجارب الإرهاب والعبث بأمن المواطنين وتعريض حيوا تهم إلى الخطر اليومي والتهديد المنهجي هو بدوره محروما من أية حقوق إنسانية كالتي ذكرها صديقي الفرنسي، لا حقوق في العلاج المجاني على نفقة الدولة ولا تأمين على الحياة بل وشاهدت على التلفاز قبل أيام  كيف إن عدد كثير من عوائل شهداء الشرطة العراقية والجيش الوطني خرجت متظاهرة للمطالبة بصرف رواتبها المتأخرة والتي يفترض بها أن تكون من مستحقات شهيد عراقي ،بذل نفسه وروحه ودمه لخدمة العراق والدفاع عن أرضه وشعبه فما بالك بمن خرج من الإرهاب معوقا مقطوع الساق أو اليد أو القدم وغيرها من الأعضاء الآدمية التي من الصعب الحفاظ عليها في عراق اليوم ،وأنا اعرف الكثير من هؤلاء المعوقين الذين يتم الاستغناء عنهم وقذفهم إلى الحياة كعالة على أهاليهم وعلى مجتمعهم الذي يبدو إن الحديث عن حقوق إنسانية كالتي ذكرناها تبدو نوعا من السخرية منه أو التبطر عليه، وذلك لان الفرد في المجتمع العراقي كالمجموع فيه يعيش على أمل العيث يوما بيوم وساعة بساعة ولا مجال للتفكير بأبعد من الخدمات الضرورية التي يئست الناس من المطالبة بها أو التظاهر من اجلها بعد أن بلغ اليأس ذروته وصار الحلم كالكابوس والصاحي كالكسيح وكنت قد نسيت الجانب النفطي من الموضوع وهو الأمر الأكثر حيرة في حياتنا جميعا فلا فرق يذكر بين دكتاتورية أو ديمقراطية في تحقيق ما ذكرنا لأننا وان كنا من النفطيين القلائل في سلم الثروة الوطنية في بلدان العالم ولكن من الثابت إن من يكون على ساق واحدة تلك مشكلتك كما يقول  الرجل العامي العراقي “هاي مو مشكلتي …؟! .

* جريدة الدستور العراقية