أن التحدي الاقتصادي هو اليوم أشرس التحديات التي يواجهها بلدنا، والحديث عن الاقتصاد لا ينفصل إطلاقاً عن الحديث عن التعليم، نظراً لأن اقتصاد اليوم أصبح اقتصاداً معرفياً، أي اقتصاد يقوم على المعرفة والإبداع والذكاء الإنساني والبحث العلمي (رأس المال البشري بدلاً من المواد الخام)، ولم يظهر الاقتصاد المعرفي إلا في الدول المتقدمة تعليمياً، نظراً لارتباطه الوثيق بنوعية وجودة التعليم الذي تقدمه تلك الدول. وتُعَد كوريا الجنوبية واليابان نموذجا بارزاً للدول التي يقوم اقتصادها على المعرفة والمعلومات، بل إن منتجات هذا النوع من الاقتصاد المتمثل بشركات سامسونك وهونداي أصبح يحقق مكاسب تتفوق على مكاسب الشركات النفطية العملاقة.
أنّ التعليم فقط هو الذي سيحدد ويشكل ملامح مستقبلنا وليس النفط، فالنفط ثروة مادية ناضبة، وإن لم تنضب هذه الثروة فقد تصبح كاسدة يوماً ما. هناك دول لا يوجد في باطن أرضها اليوم ذرة نفط واحدة، أو ذرة حديد واحدة، ومع ذلك تجدها تقود العالم اقتصادياً. التنمية الوطنية والتقدم والازدهار الحضاري، أصبح اليوم يعتمد بصورة مباشرة وأساسية على الثروة البشرية، وليس على الثروات المادية. ومن البديهي القول إن الذي يجعل دول العالم المتقدم تختلف عن دول العالم الثالث هو ثروتها البشرية ومؤسسات تعليمها العالي التي تصنع هذه الثروة البشرية الكفؤة.
في كل دول العالم توجد مؤسسات تعليم عال ولكن القليل من هذه المؤسسات التعليمية قادرة على صنع ثروة بشرية حقيقية، أما لماذا تنجح بعض نظم التعليم العالي في صناعة ثروة بشرية في حين تفشل نظم أخرى، فالسبب يعود بالدرجة الأولى إلى الإرادة السياسية للدولة التي تمنح التعليم أولوية قصوى في أجندتها وميزانياتها، وتؤمن بدوره العظيم في صناعة التنمية، وقبل ذلك تؤمن أن مواطنها يستحق تعليماً عالي النوعية يحترم عقله وكرامته, ولكي ينجح التعليم في الوصول باقتصاد أي مجتمع إلى مستوى الاقتصاد العالمي، يجب أن يتوجه هذا التعليم نحو بناء وتأسيس مهارات تعليمية نوعيه جديدة لدى المتعلمين، وهي مهارات أصبحت تسمى مهارات التعلم في القرن الحادي والعشرين، وعلى رأس تلك المهارات تأتي مهارات جوهرية مثل مهارة التفكير الناقد، ومهارة التفكير الإبداعي، ومهارة التواصل الفعال، ومهارة التحليل المنطقي، ومهارات العمل الجماعي. عندما يؤكد التعليم على هذه المهارات فإنه سيلد حتماً اقتصاداً معرفياً قوياً ومميزاً.
لقد قضى اقتصاد المعرفة على مهن وفرص عمل تقليدية كانت سائدة قبل عقدين من الزمن، وخلق في المقابل مهناً وفرص عمل جديدة تتطلب مهارات نوعية جديدة لا يمكن للتعليم التقليدي أن يحققها. أما اليوم فقد ظهر في الغرب ودول شرق أسيا
توجه تعليمي جديد شكل حجر الزاوية لاقتصاد الدول، إنه توجه أسموه (STEM)، هذا التوجه يدمج العلوم والرياضيات والهندسة والتكنولوجيا ويقدمها للطلاب بحزمة متكاملة. أما نحن، أين تعليمنا من اقتصادنا؟