قال تعالى في محكم آياته من سورة الاسراء :
“وَقَضَيْنَا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا (4) فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ ۚ وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولًا (5) ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا (6) إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ ۖ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا ۚ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا (7)” صدق الله العظيم.
وهكذا … يتحقق يوما بعد يوم ما جاء بكتاب الله تعالى عن صعودٍ وعلوٍ كبير لنجم يهود على حساب العرب والمسلمين ، فقبل أشهر معدودات أعلن الرئيس الأمريكي ترامب عن نقل سفارة بلاده من تل أبيب إلى القدس ، فكان بذلك العمل كالامير الذي يهب ما لا يملك لمن لا يستحق، مستخفا بالعرب والمسلمين ، باعتراف واضح وصريح أن القدس عاصمة للكيان الصهيوني الغاصب، واليوم يعلو نجم يهود درجة أخرى إضافية بما تحقق من إنجاز كبير لصالح دولة العدو الغاصب من علو ذكر في سورة الإسراء باعلان الرئيس الامريكي ترامب وعلى حين غِرّة أن الكيان الصهيوني والإمارات قد توصلتا إلى اتفاق (تاريخي!!) بإقامة علاقات رسمية بينهما!!، كما رافق هذا الاعلان تصريح النتن ياهو في خطاب متلفز له عن “تأجيل خطط الضم في الضفة الغربية، وبأن تلك الخطط لا تزال مطروحة على الطاولة”!!
لم تكن تلك الخطوة بالمستغربة ابدا، فلطالما تناقلت الأنباء العالمية عن علاقات وأنشطة اقتصادية وتجارية وسياحية وتعاون رياضي قائمة بين الطرفين والتي كانت تجري على استحياء وخجل بالخفاء طيلة السنوات المنصرمة، لتحين الفرصة التاريخية اليوم – في ظل وضع عربي متشرذم مفكك – لتكليل تلك العلاقات والوشائج بالاعلان رسميا عن تطبيعها وإقامة علاقات دبلوماسية كاملة!!.
ربما انزعجت للوهلة الاولى حين سماعي هذا النبأ المشؤوم، ووقع على أم رأسي وأصابني ما أصابني من ذهول، وأحسست بحجم العهر السياسي العربي والاسلامي، ومدى الوهن والخذلان الذي أصابنا ، إلا أنني في الوقت ذاته قد أحسست بعظمة القرآن الكريم حين استذكرت سورة الإسراء (الآيات 4 – 5 – 6 – 7) التي أوردتها في مقدمة مقالي هذا، وأيقنت تمام اليقين أن ساعة زوال هذا الكيان الغاصب قد اقتربت بمشيئة الله تعالى وتحقيقا للوعد الرباني الذي ورد في تلك السورة المباركة والمتمثلة بانتصار أبناء الرباط في فلسطين ومن يساندهم من أبناء الإسلام والعروبة الغيارى المؤمنين عليهم وسبيهم وتطهير مسجد بيت المقدس من نجسهم وخبثهم.
غير أنني لا أعني – بما ذكرته آنفا – أن نسلم للأمر الواقع ونجلس على التلة بانتظار وعد الله تعالى المنصوص بسورة الإسراء، أو أن نكتفي بأن نندب حظنا العاثر بسوء احوالنا ونلقي مسؤولية ما جرى على عاتق ولاة أمر لنا قرروا فوقـّعوا فخَذَلوا وخُذِلوا، بل الاجدر ان تشحذ الجماهير العربية أولا وأمة الإسلام ثانيا الهمم وترص الصف وتوحد الكلمة وتمارس الضغط الشعبي لفرض إرادتنا الوطنية لتغيير هذا الخذلان والانبطاح والعهر السياسي، وما أحرى بالقيادة الفلسطينية المتمثلة بالفصيلين الكبيرين (فتح وحماس) – الآن الآن وليس غدا – أن ينبذا خلافاتهما ويلتقيا ويجتمعا ويوحدا المواقف بدلا من هذا الضياع والتشرذم والفرقة التي ما جلبت للقضية الفلسطينية الا الانتكاسات المستمرة وخسارة جهود وطاقات عربية شقيقة الواحدة تلو الاخرى ( مصر والاردن وأخيرا الإمارات!!).
لقد آن لأولي الأمر الفلسطيني أن يرتقوا بالمواقف الوطنية والقومية ليوازي هذا الحدث الجلل ( وما سيتبعه مستقبلا من خطوات مثيلة في منطقة الخليج العربي )!!
لقد آن الأوان الآن أن يبتعد أولو الشأن والأمر الفلسطيني تحديدا عن خطابات وتغريدات الاستنكار والاستهجان لهذا الحدث الجلل، والاكتفاء بوصفه بأنه خيانة للعروبة والقضية والثوابت القومية، وأن ينأوا بأنفسهم عن التنظير الفكري العقيم المشحون بالآمال والآلام والأحلام!!.
لقد دقت ساعة العمل الجاد لتوحيد المشهد السياسي الفلسطيني أولا، وبالتالي توحيد الصف الجماهيري الفلسطيني ولملمة شتاته المنقسم بين هذا الفصيل السياسي وذاك…
“وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون”
والله من وراء القصد.