23 ديسمبر، 2024 6:14 ص

اقتباس القرآن من كتب سابقة له

اقتباس القرآن من كتب سابقة له

لم أجعل من مهمة كتابي هذا البحث التاريخي، بما في ذلك السيرة، والحديث، وكذلك ما كتب نُقّاد الإسلام، حول اقتباس القرآن من كتب سابقة، سماوية – بحسب عقيدة من يعتقد بسماويتها بمعنى إلهيتها – أو غير سماوية، وما كتبوا عن عدم أميّة محمد، بل كونه كان يقرأ ويكتب، وعن تعلمه لسنوات، والبعض يذهب إلى كونها عقودا، على يد القس ورقة بن نوفل، ثم الراهب بحيرى، وكذلك ما كُتِب عن اقتباس القرآن حتى من الشعر الجاهلي، أو ما له شبيه في ملحمة ڠلڠامش، لأني اهتممت بشكل أساسي بالتعارض الفلسفي بين مقولات قرآنية، وبين ما يوجبه العقل من ضرورات عقلية، بما في ذلك، أو بشكل أساسي، التعارض مع الكمال والجلال الإلهي.

الاقتباس، أو لنقل التطابق والتشابه ونقاط الالتقاء، بين القرآن والكتب (المقدسة) السابقة له، له ما له، وعليه ما عليه. ففي حال إلهية القرآن والكتب السابقة، يكون من الطبيعي أن تكون هناك مشتركات، بل إن مما يثير الشك بها، وجود التناقضات بين بعضها البعض، ولا يبرر ذلك دعوى تحريف المحرفين، فإن الرب القدير الحكيم الذي يتخذ قرار إنزال كتبه إلى البشر عن طريق الأنبياء والرسل، يجب أن يكون قادرا، بل إن ذلك من لوازم حكمته ولطفه، أن يحفظ كتبه من التحريف، حتى يصدّق بعضها البعض، ويأتي اللاحق مكمّلا وليس ناقضا للسابق. أما في حال بشرية القرآن والكتب السابقة، فمن الطبيعي أيضا أن يقتبس أحدهم من الآخر، ويكون هنا مقبولا ومفهوما ألا تكون هناك مشتركات، بل نقاط اختلاف، ولكن الاختلاف، لاسيما الذي يبلغ درجة التناقض هو الآخر دليل إضافي على بشرية ولاإلهية هذه الكتب والديانات المنسوبة إلى الله، بحسن نية، أو بما هو دون ذلك من نوايا البعض. ولكن المشتركات لا تدل دائما على الاقتباس، بل هي في كثير من الأحيان من قبيل تواتر الخواطر. وهذا ما لمسته بشكل مباشر عبر تجربتي الذاتية، فكثيرا من الأحيان أوصلتني تأملاتي، عبر كل مراحلي الفكرية، إلى ما يكون قد طرحه مفسر للقرآن، أو فقيه، أو مفكر، مسلما كان أو غير مسلم، أو فيلسوف، إلهيا كان أو ماديا، من غير أن أكون قد اطلعت على تلك الأفكار، أو أكون قد قرأت لواحد منهم. إذن وجود أشياء في القرآن، تبدو مقتبسة، ليس دليلا بذاته على بشرية القرآن، بل بأدلة أخرى نصل عبرها إلى ذلك. وعلى ضوء هذه الحقيقة نفسر هذا التكرار والتطابق والاقتباس.