18 ديسمبر، 2024 8:14 م

افغانستان: انتصار للشعب الافغاني، وهزيمة مذلة للامريكيين

افغانستان: انتصار للشعب الافغاني، وهزيمة مذلة للامريكيين

يواصل الامريكيون الفرار من كابل منذ يوم امس الاحد، الموافق الخامس عشر من اب، اغسطس الجاري، عبر مطار كابل، وتركوا الافغان الذين تعاونوا معهم على مدار عقدين لمصيرهم. ان عملية الفرار هذه هي الثانية في تاريخ الغزوات الامريكية للدول والشعب؛ بعد فرارهم وهروبهم المهان والمذل من على سطح السفارة الامريكية في سايغون، عاصمة فيتنام الجنوبية في منتصف السبعينيات من القرن السابق، الانسحاب الامريكي من افغانستان اكبر عملية فشل للسياسية الامريكية الخارجية في القرن الحالي. أد فالون عضو مجلس النواب الامريكي السابق، عن ولاية أيوا، قال ان افغانستان اسوء فشل للسياسة الامريكية منذ عقود، والادارة الحالية تدرك ذلك تماما. على ارض افغانستان، هذه هي ثالث امبراطورية، تمنى بهزيمة ساحقة ومذلة، بعد هزيمتين لإمبراطوريتين؛ الامبراطورية السوفيتية في نهاية القرن العشرين، والامبراطورية البريطانية في نهاية القرن التاسع عشر. ان الدافع في هذا الانتصار ليس كما يحلوا للبعض؛ احالته الى قوة وزخم الجانب الديني على اهميته، لكن الاهم والقاعدة الاساسية في هذا الانتصار؛ هو فعل التاريخ وتراكماته في الذات الجمعية، الذي شكل قوة الدفع الاساس في رفض اي شكل من اشكال الاحتلال لبلدهم. ان التاريخ بكل ما فيه، من تراكم حيوي ونشط في الذات سواء كانت ذات الفرد، ام الذات الجمعية؛ انه قوة لها تأثير وفعل في النفس والعقل معا، سواء كان الفرد مثقفا وواعيا، أم بخلاف ذلك؛ لأن زخم التاريخ يتداخل ويتركز في الذات في اللحظة الانية؛ لينتج منه؛ رأي وموقف ومن ثم اجراء وفعل وسلوك؛ وهذا هو ما يفسر لنا بوضوح تام لا لبس فيه ولا غموض؛ ان جميع الامبراطوريات التي غزت افغانستان؛ خرجت منه مهزومة وذليلة ومهانة. اصيب ساسة الولايات المتحدة بالذهول للسرعة التي سيطرت فيها حركة طالبان على جميع اراضي افغانستان في ظرف اسابيع قليلة، الى الدرجة التي لم يسع هؤلاء الساسة؛ اجلاء طاقم سفارتهم، البالغ 2450، قبل سيطرة الحركة على العاصمة كابل، مما ادى الى ارباك وفوضى في مشهد الهروب في مطار كابل. انه مشهد يعكس حجم الذل، للدبلوماسيين الامريكيين وهم يركضون نحو المدرج، حال نزولهم من الشاحنات او الحوامات، صوب الطائرات الامريكية والبريطانية، التي تم تهيئتها لهم مسبقا. القادة الافغانيون صرحوا بانهم سوف يؤسسوا لحكومة اسلامية منفتحة على جميع الافغان للمشاركة فيها، كما انهم رفضوا وجود مرحلة انتقالية. الجانب الثاني والذي يقع على ذات الاتجاه وخط سير الحكومة المقبلة؛ من انها سوف تقبل العناصر العسكرية والامنية، للانضمام الى القوات الافغانية الجديدة بشرط القاء السلاح، والانخراط في تلك القوات. الامريكيون على الرغم من ذل هزيمتهم، لكنهم لن يتخلوا عن هذه المنطقة، اسيا الوسطى، أذ تقع افغانستان في قلبها ومحورها، انها تشكل اهمية استراتيجية لهم ولسياستهم على الصعيد التكتيكي والاستراتيجي، اسيا الوسطى لها اهمية كبيرة جدا، بل حاسمة في الصراع الحالي والمستقبلي بين الولايات المتحدة وكل من الصين وروسيا. الامريكيون اجبروا على الانسحاب اجبارا، وليس كما يروق لهم؛ تصوير الامر وكأنه، اجراء للإدارة الديمقراطية، بل ان الامر تم التفاوض عليه في ادارة ترامب الجمهورية، وهذا يعني انه قرار اتخذ من قبل الامريكيين وعلى اعلى مستوى، وقبل زمن من الآن. ان افغانستان مقبلة على حرب اهلية، ولو بعد حين من الآن. حركة طالبان سيطرت على كامل التراب الافغاني باستثناء ولاية واحدة، وهي ولاية بنجشير( ولاية خمسة اسود)، الطاجيك يشكلون 98% من عدد السكان في هذه الولاية البالغ 150الفا. هذه الولاية تقع على الحدود مع طاجيكستان، لجأ اليها الدكتور برهان الدين رباني، وعبد الرشيد دوست مع قوات تابعة لهما، استقرا هناك، وهي محاولة لأعداد صفوفهم في مقاومة حكومة حركة طالبان، كما كان وقد حدث في عام 1996عندما سيطرت الحركة على كامل التراب الافغاني عدا هذه الولاية التي كانت في وقتها مقرا ومنطلقا لمقاومة حكومة الحركة في كابل. في ذلك الوقت كان فيها ثماني قواعد عسكرية، أما الآن، عشرون قاعدة عسكريه فيها.عليه؛ اعتقد ومن وجهة نظري؛ ان الولايات المتحدة سوف تستثمر سياسيا وعسكريا في هذا المجال، وسوف تعمل بالتعاون مع رباني ودوست في ارباك الوضع على حدود طاجيكستان التى ترتبط بمعاهدة الامن الجماعي مع الاتحاد الروسي، وتحريض وتثوير اليغور، الاقلية المسلمة ذات الاصول التركية ضد حكومة بكين. من السابق لأوانه التنبؤ بمألات الاوضاع، مع هذا؛ ان الأكيد، ان الحرب الاهلية في افغانستان مقبلة لا محالة؛ لوجود اللاعب الدولي والاقليمي على خطوط الفعل والتأثير في الداخل الافغاني وعلى الحدود، من جهة دول اسيا الوسطى، وفي مقدمة هؤلاء اللاعبون؛ اللاعبون الامريكيون. الحركة، وفي حركة استباقية للأوضاع؛ ارسلت رسائل اطمئنان لكل من روسيا والصين. لكن التطورات في الحقلين العسكري والسياسي قد تعمل على تغير جميع شروط وافاق التفاهم بين الحركة وكل من الصين وروسيا، خصوصا وان الحركة تعمل بنهج وايديولوجية متشددة، وبالذات؛ ان الحركة كانت قد اكتسبت خبرة كبيرة في التعامل السياسي المرن، وهذا هو ما شاهدناه في مفاوضات الدوحة. هناك من يتحدث عن انسحاب الامريكيون من المنطقة العربية وجوارها، وهذه رؤية غير صحيحة لجهة الاستراتيجية الامريكية الجديدة في العالم وفي المنطقة، على ضوء الصراع الامريكي مع الثنائي الروسي والصيني على مناطق الهيمنة والنفوذ في كوكب الارض؛ ان الصحيح هو اعادة انتشار وتموضع على طريقة الاستراتيجية الامريكية التي كانت سائدة قبل تسعينيات القرن العشرين، اي قبل تسيد امريكا على العالم؛ كقطب دولي واحد. الامريكيون سوف يستعينون بالوكالة للقتال بالإنابة عنهم كما كان سائدا في الحرب الباردة، ولكن باطر وطرق وادوات ووسائل مختلفة كليا عن ما كان موجودا بمفاعيله في ميدان حروب الوكلاء قبل ثلاث عقود من الآن. اعتقد ان الزمن القادم سوف يشهد تغييرات في التحالفات،( ربما اعداء اليوم، حلفاء الغد.. لا شيء ثابت في السياسة) وحروب الوكلاء على ارض افغانستان وعلى جوارها، وايضا في المنطقة العربية وجوارها، من دون ان يكون للولايات المتحدة وجود فاعل وحاسم على الارض، حتى لا تدفع امريكا اثمان هذا الوجود، وفي الوقت عينه؛ يكون لها وجود من خلال الوكلاء؛ في رسم السياسات وافاق تطورها، بالشكل الذي لا تخرج عن السيطرة، مع ضمان تدخلها عند الحاجة، بالاستعانة بقواتها المنتشرة في قواعد لها في دول الخليج العربي؛ في ضبط ايقاع الصراع بم يتلاءم مع سياستها وينفذها في ساحة الصراع اي كان وفي اي مكان من المنطقة العربية وجوارها واسيا الوسطى، حيث يكون الميدان في الاخيرة عالي سخونة، وشديد التوتر بين القوى العظمى الثلاث. سوف تكون حركة طالبان لاعب اساسي ومحوري في هذا الصراع، بالضد من السياسة الامريكية في المنطقة، أو انفاذا لها، ليس بصورة مباشرة، فهذا امر بعيد الاحتمال على الاقل في القادم الوقت، ولكن من خلال وكلاء، دول في المنطقة تحديدا، تركيا مثلا، او غيرها من دول الاقليم وهنا المقصود اسيا الوسطى، ممن لهم عداء او خلافات كبيرة مع الصين او مع روسيا. ان الزمن المقبل من الآن، وفي اسيا الوسطى، وعلى حدود الصين مع افغانستان، وعلى حدود دول معاهدة الامن الجماعي، اي دول رابطة الدول المستقلة؛ سوف تشهد توترات وصراعات؛ الولايات المتحدة، سوف تشحنها وتغذيها وتوفر لها عوامل الديمومة والبقاء بالشكل الضابط لحركة ايقاعها.