من الأساليب الجائرة التي مُورست في السياسات القديمة والحديثة على حدٍّ سواء، هي تلك التي تشعل الأزمات داخلياً وخارجياً لتحقيق مآرب وأجندات تهدف الى خدمة الحكومات والزعامات .
وقد جرت تلك الممارسة قديماً ومروراً بدولة بني أمية ودولة بني العباس، ثم جائت من بعدهم دولة بني عثمان( الأتراك)، ثم حكم الإنكليز وما بعد الإنكليز، فقد تكوّنت حكومات اسلامية وعربية في ظل الانتداب البريطاني والفرنسي في منطقة الشرق الاوسط، وهكذا حُكِمت الدولة الاسلامية، وقد تشكّلت الحكومات المتعاقبة اما من قبل المحتل بشكل مباشر، واما ان يكون حكم الأجنبي بشكل غير مباشر عبر عملائهم من اهل البلاد التي يسيطرون عليها، ( كما هو الحاصل اليوم في جميع بلادنا العربية دون استثناء) .وواحدة من سياسات تلك الحكومات هي افتعال الازمات للشعوب، وذلك لإشغالها بمتطلبات الحياة والسعي وراء سد النقص الحاصل نتيجةً لتلك الازمات التي تصنعها الحكومات.
والهدف من ذلك هو صرف الانظار عن ما تقوم به من فعل لمخططات مصلحية تهدف لخدمة الاجندة الخارجية والداخلية، والمحافظة على السلطة والاستحواذ عليها، ولخدمة مصالح الدول الأجنبية. وهناك الكثير من الأمثلة الواقعية التي حدثت في التأريخ ، منها :
١- الدولة الاسلامية الاولى ، وذلك في الفترة التي أعقبت رحيل النبي(ص)، وذلك عندما أشعلت السلطات آنذاك الحروب الخارجية بدعوى الفتوحات الاسلامية، فظاهر تلك الحروب هو خدمة الدين ونشر علومه بين الناس، ولكنها في حقيقتها حملت اهدافاً واغراضاً اخرى لسنا في صددها الان.
٢- دولة بني أُميّة والتي امتدت الى عدّة عقود من السنين، استخدمت خلالها نفس ذلك النهج، وهو تفعيل واصطناع الازمات الداخلية من جهة، وعملت حروباً خارجيةً تحت عنوان الفتوحات الاسلامية من جهةٍ اخرى ، لخداع الشعوب ومحاولة إلهائهم وصرف الأنظار عن اذهانهم عن ما قامت به دولة بني أمية من فساد في الارض تمخض بدئاً من جعل الحكم قيصري وراثي، وسفك دماء الطاهرين وقتل عِتْرَة آل الرسول (ص) وسبي نسائه واطفاله.
فكانت سياساتهم بذلك النهج وهو عبارة عن قتل وسفك دماء الأحرار، ثم اشغال الناس بافتعال أزمات لامتصاص نقمتهم كي لا تثأر للدماء الزواكي او تحاول ان تعارض وتفضح تلك الجرائم او لتكشف السرقات التي حدثت في تأريخ اولئك الحكّام والحكومات …
٣- الحكومات استمرت على ذلك النهج حتى قيام البعثيين في العراق بثورتهم او انقلابهم المزعوم ، والذي كان مدعوماً من قبل الغرب….
قامت القيادات البعثية في بداية استلامه للسلطة بتصفية معارضيها من نفس الحزب، ثم التفرد بالسلطة من قبل مجموعة مجرمة من نفس ذلك الحزب، بعد ذلك بدأت بافتعال الازمات التالية : ١- عصابة ابو طبر، والتي أرعبت الناس في حينها حيث تمت التصفيات السياسية وغيرها على ايدي عصابة ابي طبر في العراق، وكان الناس منشغلين ومذعورين ولا يدرون ما يصنعون وكيف يحافظوا على انفسهم من تلك العصاية المجهولة، وقد انشغل الناس في حينها في كيفية المحافظة على عوائلهم وأنفسهم من تلك العصابة وعلى مدى سنوات، وكانت حكومة البعثيين تنفذ مخططاتها في حالة تغييب مطلق للشعب الذي أشعلته وأشغلت ذهنه وجميع امكاناته في تلك العصابة المرعبة، واستمرت الازمات منذ ذلك الحين وحتى عام (٢٠٠٣)، كانت الازمات تتناوب وتتنوع ، فأزمة النفط والغاز، ثم ازمة الدواجن، وازمة اللحوم، ثم انقطاع التيار الكهربائي ثم جائت فترة الحصار، وهكذا ولغاية إسقاط نظام البعث…
٤- منذ سقوط النظام البعثي والى يومنا هذا( ٢-٨-٢٠١٦)، والحكومات المتعاقبة في عراق ما بعد صدام، والعراق يعيش الازمات الصعبة، وكأنها جُمعت بكل ثقلها للنيل من هذا الشعب المسكين والمنطقة: ١- التفجيرات الحاصلة وبشكل يومي، منذ اكثر من اثنتي عشرة سنة والى الان والعراق يتحمل مالا يتحمله شعب على وجه التأريخ . ٢- مفخخات بشكل يومي ووقوع ضحايا. ٣- خطف الناس ثم ابتزاز اهاليهم من قبل عصابات. ٤- اختراق للأجهزة الأمنية من قبل تلك العصابات. ٥- الفساد الاداري الذي تفشّا في جميع مراكز الدولة، وما يتفرع منه من تداعيات. ٦- الاحزاب المتنافرة والمتصارعة مع بعضها للبعض الاخر، وما يرافقها من تأثيرات داخلية وخارجية . ٧- تدخلات الدول المجاورة للعراق في شأنه، وتصدير الارهاب والارهابيين للعراق من بلادها. ٨- افتعال الازمات من قبل الدول المجاورة للعراق لصرف الأنظار عن ازماتها الداخلية من خلال تصديرها للأرهابيين والتخلص منهم وإبعادهم عن بلادهم وتحويل العراق والمنطقة الى ساحةٍ للصراع بين الدول المتنازعة .
٩- تجهيل الناس من خلال بيع الشهادات المزوّرة والضغط على الطبقة المثقفة اما لجعلها تغادر البلاد وما القيام بعمليات التصفية ضدهم، لتكون الطبقة المثقفة تعيش حالة الحيرة والخوف بيت خيارين إما الخضوع لابتزاز وتهديد المفسدين، واما مغادرة البلاد او القبول بما يفعله أؤلئك، أو يتعاون معهم ويكون جزئاً من منظومتهم الفاسدة.
والحل هو الاستمرار في محاربة المفسدين، وكشف هوياتهم لدى القاصي والداني، ومن ثم تقديمهم للقضاء العادل وليس القضاء المسيس المرتشي.
ولابد من حدوث نهضة توعوية في عموم البلاد بذلك الاتجاه، وتشجيع الناس على الكلام ودفعهم نحو تفعيل الفرعين المهمين ( المغيّبين ) في الديانة الاسلامية، وهما 🙁 الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) . ونصح الاخرين وإرشادهم للصواب، ومنعهم من ممارسة الرذيلة خصوصاً في معاملات دوائر الدولة ….ولنبدأ من نقطة الصفر، ومسافة الألف ميل تبدأ من الخطوة الاولى والله يبارك في الخطوات والنوايا، لأنقاذ ما تبقى من البلد الجريح.