23 ديسمبر، 2024 6:35 ص

اعلام اليوم واعلام الامس

اعلام اليوم واعلام الامس

في عام 1970 قال عالم المستقبليات الأمريكي الفين توفلر ” ان الامية في المستقبل لا تعني عدم إمكانية القراءة والكتابة بل عدم القدرة على الفهم ” وقد صدق هذا العالم في نبوءته فعلى سبيل المثال جارتنا امرأة امية ولم تعرف القراء والكتابة ونرها بمهارة عالية جدا تستخدم مواقع التواصل الاجتماعي وتجيد التنقل بينها ولها فيها أكثر من حساب ولما دفعنا الفضول للاستفسار عن السر في ذلك قالت انها كقيادة السيارة في عالمنا هذا فانا اعتمد على الرموز والاصوات وليس على القراءة او الكتابة.
ما اردت قوله هو ان اللغة هي حقا وسيلة للتعامل ولكن ليس بالضرورة ان تكون لغة مقروءة او مكتوبة وان الانسان يمكن ان يتفاعل مع الالة بلغة أخرى ابسط وأسهل وهي لغة الرموز المكتوبة او المنطوقة والألوان وهي لغة بساطتها تعتمد على سرعة البديهة او ما يسمى بالحضور الذهني (Presence of mind)
فمثلا استرشادا بالأيقونات الموجودة (Icons ) على شاشات الهواتف النقالة يمكن لشخص ما لا يعرف القراءة والكتابة الرد على مكالمة وردت له أولا: تكون اما مصحوبة بصوت او اهتزاز او كليهما وثانيا يظهر على الشاشة نوعان من رسوم الهواتف احداهما اخضر والثاني احمر وعندها اعتمادا على البديهة يتم اتخاذ الاجراء المناسب الرد او عدمه.
ولكن قد يسأل سائل اذا كان مستخدم الهاتف لا يعرف الكتابة كيف يرسل ويستلم رسائل مكتوبة. الجواب واضح يمكنه او يمكنها تجاوز ذلك باستخدام الرسائل الصوتية من خلال مواقع التواصل الاجتماعي او استخدام سيري ( ٍSIRI)
اما عن استخدام الأصوات في التواصل مع هذه الآلات التفاعلية فالأمور لا تحتاج الى توضيح والامثلة كثيرة ولا علاقة لها مع الامية او عدمها.
في المقابل وفرة المعلومات والمعطيات والألعاب والتسليات والدردشات والفعاليات الأخرى جعلت الكثير من المتعلمين والمثقفين يفضلون استثمار اوقاتهم في الحصول على نتف من المعلومات والمعارف والأفكار والخبرات والمهارات وذلك نتيجة سرعة التنقل والفضول الطبعي الإنساني في اكتساب أكبر ما يمكن من المتوفر. ويمكن تشبيه ذلك كمن يدخل الى مطعم ذي بوفيه مفتوحة حيث يقع في حيرة مما سيستحوذ عليه وعند الانتهاء من الاكل يترك الكثير مما اقتناه واكتفى بنتف منه.
في الزمن الجميل في زمن الاعتماد على الأدوات غير التفاعلية كالتلفزيون والراديو وقراءة الجريدة الورقية وقبل دخول الآلات التفاعلية الحالية في التداول يمكن للمرء ان يشاهد أفلام طويلة او يستمع لاغان طويلة قد تستغرق ساعة او أكثر كأغاني كوكب الشرق ام كلثوم. بمعنى يمكنه في ذلك الزمن التركيز فيما يأخذه من معلومات ومعارفا ومهارات لعدم وجود في ذلك الزمن ما يلهه من وفرة مصادر تغريه في التنقل بينها واكتساب نتفا من هذا وذاك كما قد يفعل المرء حاليا في مطاعم البوفيه المفتوحة ويترك أجزاء كبيرة من الطعام خارج جوفه كما يترك أجزاء من زاده المعرفي خارج ذاكرته.
اننا لا نقول هنا ان الاعلام الجديد كله مساوىء والاعلام التقليدي أفضل بكثير ولكن لكل مساوئه ولكل محاسنه. حيث ان المكتسب من الاعلام الجديد أكثر تنوعا ولكن اقل رصانة ومتانة فيما المكتسب من الاعلام التقليدي (Main Stream Media) اقل تنوعا وأكثر رصانة ودقة. فعندما صدفة تتحدث مع شخص بلغ سن الرشد في الالفية الثالثة (Millennial ( عن فيلم (Forrest Gump ) الذي انتج في 1994 عن رواية كتبت في 1986 ويتحدث عن حياة رجل من ذوي الاحتياجات الخاصة وطيب السريرة وعلاقته مع مكونات بيئته علاقات ممتازة فسترى مدى ضحالة معلومات الفتى عن الفيلم . وقد يحاجج الشاب الالفاني نفسه ان معرفة الرجل الستيني او السبعيني بأمور العصر الحديث أيضا قد تكون ضحلة. ولكل زمن فرسانه ولا يمكن إيقاف عجلة الزمن وتقلباته. الفرق المميز والواضح هو ان الامية لم تعد عائقا في التواصل في العصر الحديث التفاعلي مع الالة.
وبناء على ما ذكر أعلاه ولإيماني بالوسطية جعلت مقالي هذا متوسط الحجم كي يطلع عليه قراء من كلتا الفئتين العمريتين وكي يحاولا قدر الإمكان الاستمتاع بآراء جديدة من فئة الزمن الجميل.