في بلادٍ تُقرأ فيها الخيبات بالمقلوب، لا بالمنطق، يقف الشيعي على أطلال وطنٍ منهوب، يجلد ذاته، ويشتم ممثليه، ويمزق قميصه احيانا!
كأنما هم من رسم خريطة الفساد، وكأنما هم وحدهم سبب الفشل. ينظر إلى النظام السياسي، فلا يرى فيه إلا كل ما هو سلبي، متناسيًا أنه أفضل من نظامٍ كان يجوّعه ويسوقه الى حروب عبثية، ويدفنه حيًا، ويُحرّم عليه الحلم، ويُجرّم فيه اسمه، ومذهبه، ودمه.
لكن المفارقة ليست في النسيان فقط، بل في الانتقائية المفرطة، وفي الخديعة التي يبتلعها الشيعي دون تفكّر. فالسني المعارض، سواء كان عربيًا أو كرديًا، يشتم السياسي الشيعي فقط، ويتجنب سياسييه كما يتجنب الاعتراف بالخطيئة.
لا أحد منهم يذم ما فعله صدام بالعراق، ولا يذكر من جاء بالتفجيرات، ومن فتح أبواب بغداد لداعش، من قال للمحتل: “ابقَ ما شئت، وشيد قواعدك في ارضنا فانت حليف وصديق، ولتذهب سيادة العراق إلى الجحيم”.
لا أحد يذكر من ساوم على الوطن مقابل ارضاء الآخرين، ومن اصطف إلى جانب تركيا والسعودية والكويت على حساب مصالح العراق.
هل سمعتم سياسيا سنيا او كورديا هاجم تركيا او الكويت بسبب تجاوزهما على اراض عراقية؟!
أليس المفروض أن الجميع شركاء في الخراب؟ فلماذا يقع اللطم على رأس الشيعي فقط؟ والأغرب أن الشيعي نفسه يشارك في هذا اللطم، فبدلًا من أن يوازن المعادلة، ويلطم على رأس السياسي السني والكردي الفاسد، كما يلطمون هم على رؤوس السياسيين الشيعة، نراه يوجه اللطم والتأنيب كله نحو السياسيين الشيعة دون سواهم.
كأنما خُلق الشيعي ليجلد ذاته، لا ليحاسب الآخر. كأنما التاريخ علّمه أن يكون الضحية التي تعتذر، وكأنما هو مسكونٌ باستعدادٍ فطري للاستجابة للخديعة، ولتصديق أن كل فشلٍ هو فشله، وكل خيانةٍ هو سببها.
ما يجري ليس نقدًا سياسيًا، بل إعادة برمجة للفهم وطريقة التفكير. يُراد للشيعي أن يكون محبطا فاقدا لثقته بنفسه ويقتنع بأن النظام فاشل لأنه شيعي، لا لأنه نظامٌ مختلٌ في بنيته، يشترك فيه الجميع.
ويُراد له أن ينسى أن من فجّر، وخان، وساوم، ونهب، هم شركاء في السلطة، لا غرباء عنها.
إنها لعبة إعادة إنتاج التهميش، ولكن هذه المرة بأدوات داخلية شيعية، قبل أن تدور المقصلة من جديد، كما دارت في كل مرة، ليجد الشيعي نفسه مطاردًا، متهَمًا، ومطرودًا.
متى يفهم الشيعي الناقم أن النظام السياسي العراقي ليس “نظامًا شيعيًا”، بل هو نظام محاصصة، يصيب فيه الفشل جميع المشاركين فيه، لا الشيعة وحدهم؟
ومتى يُدرك الشيعي أن خياره الأفضل ليس في جلد الذات، ولا في مؤازرة المتربصين بالنظام، بل في إنضاجه من الداخل، وتحويله إلى أداة تمثيل حقيقية؟
متى يفهم أن الفتك بالنظام لن يُسقط السياسيين وحدهم، بل سيُسقطه هو أولًا؟
كم يحتاج من تجارب التاريخ المريرة، ومن المجازر التي ارتُكبت بحقه، كي يتعلم الدرس؟ وكم مرة يجب أن يُطعن من الخلف، حتى يدرك أن الخديعة لا تأتي دائمًا من عدو صريح بل من عدو ارتدى ثوب صديق وتصنّع الحرص؟
“اعطونا بديلا مقنعا لهذا النظام كي نصطف معكم”