18 ديسمبر، 2024 10:11 م

اعتصام جبار وساحة “أومليش”

اعتصام جبار وساحة “أومليش”

قرر جبار ذات صباح ان يقوم باعتصام مفتوح نتيجة السياسات الاقصائية التي عاملته بها “وبرية” طوال سنوات الزواج…  جبار استيقظ على غير عادته متأخرا ولم يكترث بحديث “وبرية” زوجته المزعجة، التي وقفت على رأسه كانها عزرائيل تحك في كفشة راسها وتملي عليه خيارات الريوك “جبير بيض طك لو احمسلك وياه طماطه…”

جبار المستيقظ بعد الثامنة، في اكبر مرحلة تحدي يشهدها بعد زواجه، صرخ بزوجته “وبرية… وبرية.. ام كويظم…هلا.. وين”.

لم يكن امام وبرية سوى الاستجابة مع زفرات شديدة وعبارات قاسية بعض الشيء وفق مقياس حقوق الانسان المعاصر، “خايب جبير، وحمس نايم للظهاري وتصيح، موت الكرفك يمصخم، شتريد، طفح وكنالك شتزغنب، اتريد سم تاني الغده جاي، تريد شي هز طولك، من خفت طولك..”

لم يكترث جبار بسماع موسيقى الراب اليومي من وبرية التي اعتاد سماعها، كان اكثر وثوقا هذه المرة، اعتدل في جلسته واخذ يحرك برجيه ويفرك على شاربيه محددا مطالبه بصراحة متناهية وتحد غير معهود.. “وبرية.. سويلي اومليش”.

وبرية: “اومليش الملشك وملش عظامك، شبيك جنك حصان، انت بس كوم من فراشك تصير زين”

جبار: “اكلج اومليش خايبه اومليش..”

وبرية: خايب اومليشيش هاذا، دوه فطور الرجلين، يا سم للفار… عرفت تريد املش شعرك، كول فليلي شعري يمكن انعديت كمل من ربعك بالشغل وياك… كتلك دير بالك”

جبار: شوف المتخلفة هاي.. جا هم الاجانب يعدون كمل، كل واحد افاده مال اخرس وشعر ماكو جنه صينية طابك، اكلج اومليش خايبه اومليش…”

وبرية: وشنو هل الصخام المملوش هذا، ماكو منه بالسماجة ماشفت… عدنه زايد من اكل الفروخ، تريد ازغنب ما تريد تاني الغده، ما تريد اركع راسك بالطوفه.. مصخم للظهر نايم ويريد امملش..”

جبار لم يرتضي هذه المرة الركون الى معاملة وبرية، التي اعتبرها مهينة وقرر ان ياخذ بساطا وفرشا ويجلس في باحة البيت الخارجية، معلنا بصراحة تامة “وبرية انا معتصم بالحوش لو الاومليش هذا يا ماردن للبيت..”

بقي جبار في باحة البيت، ولم تكن وبرية لتعير اهمية لجبار التي اعتبرت انه عطال بطال وبالنهاية لا يستحق “الاومليش” ايا كان نوعه وكيفيته…

جبار استثار عطف الجيران، واستحسان زوجات جيرانه اللاتي اعتقدن بعدالة مطالب بـ”الاومليش” مع انهن يرفضن بشكل قاطع ان يحضى اي من ازواجهن بالاومليش لاسباب عدة، ابرزها كونه ثقافة دخيلة على مجتمع محافظ ومطيع للزوجة ام البيت.

اصبح جبار يتلقى انواع الدعم من زوجات جيرانه، فبعد البيض بالدهن ومركت الباذنجان، وصلت اليه اطباقا لم يكن يعدها من قبل، تذوق جبار لاول مرة الدولمة وعرف بان حق الانسان باكل اللحم حق كفلته الشرائع السماوية، وان روايات من قبيل انتشار داء العظمة وسواها التي ترافق كثرة الاكل منه لا صحة لها.. بالمقابل رأت ازواج الجيران في مطالب جبار انتصارا لهن على لسان وبرية الطويل واسلوبها الجاف معهن.

اطلق جبار على باحة الدار اسم “ساحة اومليش”، ودعا بناته وابناءه الى الالحاق به والتمرد على امهم التي بخست حقهم طوال السنوات الطويلة، مذكرا ابنته “رازقية” بان العرسان الذي تقدموا لخطبتها كانوا يطفشون لسياسة امها الرعناء وان الوقت قد حان لتحديد مصيرها قبل ان يفوتها القطار وضرورة رفع سنينة “اجتثاث العرسان” التي تعاملت معها وبرية بازدواجية شديدة حين قبلت بخطبة ابن اخيها ورفضت خطبة ابن اخيه بذريعة ممارسته لاعمال غير لائقة مع ان كلا الطرفين يعملون ذات المهنة، والشغل مو عيب لـ”المنظر” حسب جبار.

قررت رازقية التي كانت تحب ابن عمها، في صباح اليوم التالي، الانضمام الى اعتصام ابوها جبير، وسرعان ما انضمت اليه “هاشمية، حريثه، وعزيزه، ورفيعه” مستنكرات سياسة وبرية الشديدة.

وفي صباح يوم جديد، اعلن جبير قطع الطريق المؤدي الى الحمام (التواليت) الخارجي، وقال في حديث تناقلته بنات الجيران “كافي تواليتنه النه، الي يريد يشوفله مكان”.

بنات جبار اللاتي توزعت مطالبيهن بين الغاء سناين وبرية او تنحيها عن البيت، او ضرورة ان تأتي ظرة جديدة بمواصفات اكثر لطافة، قمن هذه المرة بترجمة مطالبهن الى لافتات كتبت عليها شعارات متنوعة وعلقت في الباحة,

حتى هذه اللحظة لم تكن وبرية تعتري بزوبعة جبار وبناته معتقدة بانها “طربة عرس” وسرعان ما سيعود كالعبد الابق، لكن جبار استمر في تحديه هذه المرة وتطاول على حدوده التي وصفتها وبرية بـ”النفاخات”، واخذ جبار يحرض ويدعو بناته المتزوجات الى الالتحاق به في “جمعة الج يوم وبرية”.

وبرية رأت من المناسب احتواء الازمة وقامت بارسال “كويظم” لمعرفة مطالب ابوه وخواته وتلبية ما ما يمكن منها مع عدم المساس بقدسية مكان وبرية. لكن خوات كويظم رشقنه بالبيض الفاسد والبصل. الامر الذي دعا وبرية الى الاستعانة بـ”مشية خيرين” للوصول الى حل مع جبار الذي بدت مطالبه بالاتساع لتشمل سياسات الطبخ والنفخ في البيت وضرورة ان تتنحى وبرية عن مصرف البيت، وتترك لهم خيار الاكل، في وقت ذكرت وبرية جبار وبناته انها عملت عبر سياستها خلال السنوات الطويلة على المحافظة على البيت من الانهيار وتشريد الجهال او ان “تسيب بناته” وان لسياساتها الفضل في وجوده اليوم معززا مكرما وبناته بعد ايام العمالة وصيد السمج وزراعة الطماطة والبطيخ التي لم تكن لتثمر سوى مزيدا من الارهاق وقليلا من الاجور.

جبار اصر على ان ما تذكره وبرية لا يبرر سياساتها وان ثمة حقوق يجب ان يتمتع بها ابناء البيت رغم ما تفضلت به وبرية مشكورة، وان خشيتها المشروعة من عيون ابناء جيرانهم الوسخة على بناتها لا تبرر بالتاكيد عدم السماح له بالنوم حتى السابعة او الثامنة صباحا. وان الوقت حان لرفض مسألة “الفتان المضموم”  يجب ان تنتهي بعد ان دأبت وبرية سماع اخبار معقبين وراء سياسات جبار التي قالت بانه ما ان يرتزق ببضع دنانير حتى تزوغ عينه، ويجنح للانحراف.

عرض جبار على ابناء جيرانه، في اطار تسويقه لمشروعه بالرفض، جزءا مما قال انها “جويات” وبرية لمعاقبة جهاله، الذين انظموا اليه للتو، لكن وبرية قالت على الملأ انها غير مسؤولة عن تلك الاثار في اجسام اطفالها الصغار، وانه “وحم” ولادي من جراء “نساوة” لم تشبع او تلبى لما كان عليه جبار فقر الحال ورداءة التصرف، وان ذلك لا يبرر معاقبة المقصر.

وبرية قررت ان ياخذ جبار باحة الدار ويكعد هو وجهالة، بس جبار انتفض “ما انريد انريد وبرية تروح لو تكعد بغرفة وندخل للبيت”، لكن وبرية وفي جواب قاس قالت “ابيتنه ونلعب بيه شلها غرض بينا الناس..” في اشارة الى تعاون جبار مع بيت جيرانه ابو تركي.

الشد والجذب دخل اسابيع تلو اسابيع، والجميع متمترس في مكانه، جبار وبناته، ووبرية وولدها، جبار اخذ يرفع شعارات اكثر حدية “جمعة الوصول الى المطبخ” “بيض ابد ما نقبل وبرية لازم ترحل”، ووبرية بعثت اكثر من مشية وهي تقول انها نفذت كل ما اراده جبار، بس هو يريد يسويله زعلة كوه مروه.

جبار قرر ان يدخل بيته ويريد يروح للمطبخ “حقي اريد اشرب استكانة جاي، وارجع، واريد اشوف شكو بالمطبخ اريد اكل لكمة ابيتي”، وبرية لازم تتحدد فترة وجودها بالبيت،..

المشكلة اخذت بالتصاعد فجبار المصر على دخول المطبخ ووبرية التي قد تمنعه، والجميع نسي ان المشكلة هي “الاومليش” الذي لم تعرف وبرية بعد ما هو؟ ولم يتعلم جبار لفظه بصورة صحيحة…