العرب لا يتّحدون في مواقفهم , ويميلون للفرقة والتناحر والنيل من بعضهم , وشواهد ذلك واضحة وممتدة على ساحات القرن العشرين ولا تزال.
الإستجابات الطبيعية عندما تتعرض أمة للأخطار أن تتحد وتتماسك وتكون عصبة واحدة , إلا أمة العرب فالتحديات تزيدها تفرقا وتناحرا وتآمرا على بعضها , والتواصل مع أعدائها.
هذا سلوك عجيب تقوده الكراسي الموكلة بتأمين مصالح الطامعين في الأمة , ولا تهمها مصالح المواطنين .
فما يجري اليوم , لو إنطلق في سبيله صوت عربي موحّد , لإرتعبت القوى المدعية بالفدرة على نصرة الباطل ضد الحق.
لا يمكن تفسير سلوك العرب الغريب إلا بالقول أن الكراسي لا تمت بصلة إلى المواطنين , وتستمد شرعيتها وقوتها من قوى خارجية.
والأنظمة الفردية بأسرها تكون كذلك في حالتين , دعم خارجي ودعم حزبي.
فالأحزاب تقوم بدور العصابة , التي ترضخ لإرادة رئيسها ومَن يخالفه يكون الموت مصيره.
وقد عهدت الأمة أشكالا من الأنظمة الفردية , في العراق وسوريا وليبيا ومصر والسودان واليمن , وباقي الدول بدرجات متفاوتة ومتناسبة مع وعي وثقافة الفرد.
هؤلاء الأفراد أذاقوا الأمة الويلات , وتوهموا بقدرات خيالية لا وجود لها عندهم , وكأن الواحد منهم لا ينطق عن الهوى , وينفذ إرادة ربه الذي جاء به للسلطة , لأنه لا يستوعب كيف ينتقل من الحضيض إلى القمة , ويبدو أنها سياسات القوة الطامعة بالأمة , تساند وصول النكرات إلى قمة هرم السلطات , فيتوهمون وينطلقون في تصرفاتهم الخطلاء , ويحسبون ما يقررونه تعبير عن إرادة قوة مطلقة , وضعتهم في مناصبهم وأملت عليهم إرادة تقرير مصير البلاد والعباد.
وهذه الآلية السلوكية ليست جديدة , بل متوارثة على مر القرون , فالجالس في الكرسي صوت الرب وممثله , وكأنه أعلى مرتبة من الرسل والأنبياء , وبموجب ذلك حصلت الفظائع في دول الأمة المتعاقبة.
ولا يشذ نظام حكم عن الدائرة المفرغة من الأوهام والتصورات الغريبة أو المنحرفة , التي تدفع ثمنها الأجيال.