ادرك جيد ان حريقا هائلا يجتاح قلبي, منذ ان رحلت عني تلك السمراء, وها انا اتحول الى عامل اطفاء, محاولا رش كمية كبيرة من الماء كي اطفئ تلك النيران المشتعلة, لكن الغريب ان الماء اصبح عامل مساعد على الاشتعال, فكأني ارمي بالبنزين على النار! عندما شاهد حالي العم عبد المحسن نصحني بتناول علاج النسيان, واخبرني انه وحده من سيطفى النار التي ترفض النوم, لكن لم احصد الا الخيبة! كخيبة العراقيين بأحزاب السلطة, وهي تبيع الأوهام للعراقيين وتسطو كل عام على خزينة الدولة.
احيانا عندما اشعر بالاسى على فقدها, لا اجد الا الشتائم اطلقها بحق الاحزاب في بغداد, فهي علة العلل لكل منغصات حياتنا, هل تعلمين يا “سمراء” انني في غيابك تعلمت مزيدا من مصطلحات الشتائم, فأحيانا اللعن صدام واخرى اشتم كل مسؤولا لصا بعثر مستقبلي, حتى نساء السلطة وجدت لهن مفردات تناسب انوثتهن الملطخة بدم العراقيين, انني املك مفردات غنية من الشتائم, وهي ذات رؤية واضحة عن دواعر وعواهر السلطة.
ما لهذا الانتظار المتعب لمن قرر الهجر, انه انتظار يشبه ترقبا قلقا للحصة التموينية من قبل عائلة فقيرة, فنحن نعيش في زمن احزاب النهب العراقية, نعم انني في انتظارك لا احد معي الا كرسيا فارغا! فأهدد هذا الكرسي الفارغ ليكف عن الانين, بكاءه يوجع قلبي, كأنه فقد عزيزا, فها هو وحيدا كحالي.
سأخبرك سرا لقد انطفأت كأي شيء رائع, كالشمعة عندما يغادرها الاوكسجين, او مثل العراق عندما حكمه الطواغيت واللصوص, كلنا ينطفئون الان انا والشمعة والعراق.
انتظر… ثم انتظر.. ولم تأت! ادرك ان قصتنا تشابه قصة العراق, فالعراق كل ما وعدنا به اخلفه! حلم السكن, حلم الضمان الصحي, حلم العمل, حلم الامان, والسبب يعود لقافلة قذرة من اللصوص تتحكم به! ممن ماتت ضمائرهم, فتحول البلد لسجن كبير لأبنائه, كما كان في زمن صدام! كذلك هي, مات الشوق في قلبها ولم تعد تبالي بالرجوع او بحريق قلبي.
لست متشائما يا سمرائي وها انا اعود للحياة مرة تلو مرة, واتسلح بالأمل, واطلب جوابك : فمتى تعودين لي؟ كي تزهر اشجار حديقتنا العتيقة, وتعود الطيور تحلق فوق شجرة التوت الازلية, فكري معي ماذا لو تعودين كي يعود الفرح, ليس مستحيلا فحتى بلدي سيعود له الفرح يوما, وتشرق شمس العدل الغائبة, بزوال كل حمير السلطة, هذه سنن الكون التي لا تضمحل.