برنامج تلفزيوني قديم شاهدته اليوم وكان يدعو الفلاحين الى العودة الى الريف في زمن المرحوم عبد الكريم قاسم.
في الاربعينيات والخمسينيات ازدحمت المدن وخاصة بغداد باعداد كبيرة من الفلاحين الذين هجروا الريف وجاءوا طلباً لحياة افضل.
عاشوا حياة مزرية في هوامش تلك المدن بعد ان ساءت اوضاعهم في الريف واشتد استغلال الاقطاعيين لهم.
في ذلك البرنامج يصدح صوت المطربة الراحلة وحيدة خليل وهي تناشد الفلاحين ” الاوفياء” العودة الى قراهم وزراعة اراضيهم، بشكل ساذج ومباشر وشعاراتي فارغ!!
في بداية السبعينيات قامت الحكومة بحملة مشابهة ولنفس الغرض واعلنت عن استصلاح اراضي وتقديم دعم للفلاحين الخ…..
تلك الجهود الفاشلة تفضح طبيعة التفكير الحكومي السائد وجهله بقوانين الحياة وجهله بتجارب العالم في هذا الصدد.
عدد سكان الريف في العالم يتقلص مع زيادة الانتاج النباتي والحيواني(تبلغ نسبة السكان العاملين في الزراعة في الولايات المتحدة حوالي ٢% ، ولكنهم ينتجون مئات الملايين من الاطنان من المنتجات المختلفة) وهذا دليل
على :
– ازدياد استخدام المكننة والعلوم في الريف وتقليص العمل البشري.
– تطور القطاعات الاخرى كالصناعة والبناء والانشاءات والخدمات والتجارة والنقل ، واستيعابها للنازحين الريف بعد تدريبهم.
– تطور المناطق الريفية السابقة وتوفر خدمات ورفاه المدينة فيها بحيث لاتدفع سكانها الى الهجرة للمدن بحثاً عن حياة افضل. بل اصبحت تجذب سكان المدن للعيش فيها ( العيش في الضواحي).
– تغيير تصنيف بعض المناطق من ريف الى حضر بسبب التغييرات التي طرأت عليها وجعلها تشابه المدن التقليدية.
اما لدينا في العراق ، فان الحكومات عجزت عن تحقيق ذلك ولذلك لجأت الى حملات دعائية تناشد وطنية الفلاحين وتصوّر لهم عظمة الحياة في الريف وكأنهم غرباء لم يختبروا ويعيشوا قسوة الظروف في الريف.
الحياة راكدة ولايحركها سوى ريع النفط الذي تم توظيفه لاغراض لاتخدم التنمية. لذلك لاتوجد فرص عمل جيدة لهؤلاء النازحين.