23 ديسمبر، 2024 5:59 ص

قال المرشح للانتخابات القادمة وهو يتجه الى سيارته الفخمة المصفحة لمرافقيه .. ( هل تعلمون لماذا خلق الله الفقراء ؟! ) فقال احدهم متملقا ولي نعمته ( لكي تحسنون اليهم باشا و تعطفون .. اليس كذلك ؟! ) ضحك الوجيه الباشا المرشح للانتخابات وهو يشعر بنبره التملق و التزلف في صوت مرافقه وقال ( لا .. لا ..ليس هذا .. ساخبركم لاحقا ) .. دلف الى داخل السيارة وخلفه مرافقيه و انطلق الموكب المكون من عدة سيارات مضللة و مصفحة
————————————————-
نظر الى ما حوله في ارجاء البيت .. لا شيء ربما هي الكلمة المناسبة .. لا شيء غير البلاط العاري والجدران العارية من كل شيء حيث لا أثاث بعد ان باع كل يمكن ان يباع لعلاج أبنه .. و الاخرين من أطفاله تركوا الدراسة وانتظموا في اعمال لا تليق باعمارهم ليوفروا مع ابيهم ما يقيمون به اودهم .. و زوجته الصابرة لا حيلة لها سوى الاعتناء بعائلتها والتمسك بالامل في شفاء ابنها .. كان المحسنون لا ينقطعون عن زيارتهم و اغلبهم متوسطو الحال يجودون بما يستطيعون وهو قليل ولكن ذلك القليل كان يعطيه بعض القوة انه ليس وحيدا في هذا العالم .. وقع عيناه على ابنه المريض .. اقترب منه رآه نائما طبع فبلة على جبينه .. فتح الطفل عينيه وابتسم و قال ( بابا ..) لم يملك الا ان يحتضنه و يغرقه بدموعه
طرقات على الباب .. حسبه محسن ما على الباب جاء بما يجود به وهو قد اعتاد على الامر و ان استصعبه في البدء لكن قلة الحيلة جعلته يرضخ و يعتاد ..فتح الباب فوجد مختار المحلة امامه و بعد السلام مد المختار يده الى جيب سترته الداخلية و اخرجها وبين اصابعه ورقة نقدية من فئة عشرة الاف دينار وقدمها له .. شكره وهو يتناولها الا ان المختار قال ( انها ليست مني بل من متعهد احد المرشحين وقد اجتمع بنا اليوم من اجل تنظيم زيارة المرشح و قد اخبرته عنك فقال ان سيده الباشا لا يستطيع دخول هذه الازقة ولكنه سيعطيك خمسة وعشرين الف دينار ان حملت ابنك الى الباشا حين يأتي و يلتقط صورة وهو يقبله ..ما رأيك ؟!) فقال الرجل بصوت مغلوب على امره ( فقط خمسة وعشرين !! ) قال المختار ( افضل من لا شيء ) وكان فكرة لمعت في رأس الاب فقال ( مختار .. بكم يشتري صوتي ) اسكته المختار قائلا ( هشششش .. ممنوع ..العقوبة خمسة عشر سنة سجن) فقال الاب ( انه صوتي وانا اريد بيعه ما دخل الحكومة و القانون في ذلك .. مختار .. ان تعهد الباشا بدواء ابني لمدة عام كامل ساتعهد له بانتخابه مدى الحياة او انتخاب من يشير علي به حتى لو كان نتيناهو .. ارجوك مختار ارجوك ) قال المختار وهو يهم بالانصراف ( احرص على ما طلبته بجلب ابنك للباشا من اجل الصورة لكي تأخذ الخمسة وعشرون المضمونة و ساخبر المتعهد بما قلت و سنرى )
————————————————-
اقترب المتعهد من السيارة الفخمة المضللة وانزل زجاج النافذة الامامي .. وضع المتعهد يده على النافذة و اخذ يكلم من في الخلف ( باشا كل شيء يسير وفق ما خططنا وكما ترى الشاحنة المحملة بصناديق التموين قد وصلت و تجمع الناس حولها .. باشا اخبرنا الناس ان هناك وليمة في قصركم و سيتم اخذ الناس بالشاحنة التي سيتم تفريغها من الصناديق بعد توزيعها والمهاويل و الشعراء الشعبيين سيكونون هناك .. ) قال الباشا ( و الطفل المريض ..؟!) قال المتعهد مستدركا ( اه .. طبعا تأكدت من الموضوع الناس كلها تقريبا تعرف بحالة العائلة المادية وفقرها بسبب مرض الطفل .. سيأتي به الاب الى هنا و المصور سيلتقط صورا و حضرتكم تستقبلون الطفل و اباه .. ) قال الباشا مذكرا ( طهر جبين الطفل حيث ساقبله .. ) قال المتعهد ( طبعا باشا لقد اخبرتهم ان يغسلوا الطفل و يعطروه لقد زودتهم بالمطهر و العطر ومع ذلك قبل التصوير ساقوم بتطهير جبين الطفل بمطهر موجود في جيبي ) قال الباشا ( جيد هذا كل شيء عندك ؟!) اجاب المتعهد ( نعم ..) رفع الزجاج النافذة وتقهقر المتعهد ليتابع عمله في الاشراف على توزيع صناديق التموين .. كان الناس يتحلقون حول الشاحنة و يتدافعون ليصلوا الى حيث يمكن ان يتلقفوا واحدا من الصناديق و كلما مر الوقت ازداد الناس و تدافعوا اكثر و بقوة للوصول الى الشاحنة و الحصول على صندوق حتى وصل الامر الى ان يتسلقوا الشاحنة من جوانبها و يصلوا الى الصناديق ليعم الهرج
الباشا المتربع على المقعد الخلفي للسيارة و من خلال زجاجها المضلل يراقب ما يحدث .. ابتسم وقال ( هل تعرفون الان لماذا خلق الله الفقراء ؟! .. خلقهم فقراء لكي نزيد نحن من فقرهم من اجل هذا اليوم .. نزيد من حرمانهم نزيد من جهلهم نزيد من اوجاعهم .. من اجل هذا اليوم .. من اجلنا نحن ..انظروا اليهم يتهافتون على الصناديق كانهم لم يروا طعاما من قبل .. انظروا الى الحرمان ما يفعله .. يجعلهم يتخلون عن المبادىء و الحقائق .. فمن سيصدقون .. شخص مفوه يقول الحقيقة ام شخص كذوب يضع بين ايديهم صندوق طعام ) قال من في السيارة ( حاشاك باشا .. انت الطيبة و الصدق ) نظر الباشا الى المتكلم و ضحك و قال ( لا استطيع الخروج من السيارة بسبب الرائحة الكريهة كما انني اشعر بالضيق داخل السيارة .. لم اعد اطيق الانتظار جهزوا لي طفلا ما غير هذا اقبله في القصر .. هيا ايها السائق انطلق بنا الى القصر )
انطلقت السيارات وسط تعجب المتعهد .. الذي قال بصوت مسموع خلف السيارات ( الصورة باشا .. الصورة ) .. لم يعد يستطيع شيء و كان الناس قد افرغوا الشاحنة من الصناديق و تحلق البعض حول المتعهد وهم يقولون ( لم نحصل على صندوق .. لم نحصل على صندوق ) استشاط المتعهد غضبا من التعب والارتباك و وصاح بهم ( اين كنتم .. و ماذا افعل لكم .. هذا ما موجود .. مازالت هناك مأدبة في القصر اصعدوا على ظهر الشاحنة ) ما كاد يكمل جملته حتى تهافت الناس لتسلق الشاحنة وحجز مكان لهم على ظهرها .. جاء الرجل حاملا ابنه المريض يبحث عن الباشا لكنهم اخبروه انه قد غادر و دلوه الى المتعهد .. الذي كان يرتب امر صعود الناس الى الشاحنة ..( سيدي قد جئت بابني المريض من اجل الصورة ) قال المتعهد ( لقد غادر الباشا .. ارجع الى بيتك ) قال الرجل ( سيدي و المبلغ ؟!!) قال المتعهد ( لا صورة لا مبلغ .. هذه هي المعادلة ) فقال الرجل بالحاح ( لكنه هو من غادر .. ) قهقهة المتعهد استهزاءا ( و ماذا تريد مثلا ..؟!! ان ينتظرك الباشا .. انه الباشا يا رجل ان الناس تنتظره .. هو لا ينتظر احد .. كان عليك المجيء مبكرا .. هيا لم يكتبها الله لك ) تركه ليحذر الناس من ان الشاحنة ستنطلق .. ركب الشاحنة لتنطلق مخلفة رجل يحمل ابنه المريض و زوجته حائرين فيما عليهم فعله .. و بعض تعساء الحظ كما يعتقدون ممن لم يجدوا مكانا لهم على ظهر الشاحنة ..
————————————————-
لقد خلق الله الفقراء .. وخلق المسؤولين ليزيدوا فقر الفقراء و حرمانهم .
يتبجح وزير التربية مثلا انه نجح في تأمين الكتب الى التلاميذ و الطلاب .. ولكنه هل نجح في تأمين مدارس كافية لهولاء التلاميذ و الطلاب؟! هل امن لهم مقاعد دراسية مناسبة و اجواء دراسية مناسبة .. هل حارب ظاهرة المتاجرة بالتعليم .. هل نجح في مكافحة فساد مدراء المدارس و المفتشين و مدراء المناطق التعليمية ..؟!
حين يقول وزير الصحة ان نسبة المستفيدين من المستشفيات الحكومية قد ازدادت .. لكن كم هم عدد المضطرين الى السفر خارج البلاد للعلاج .. وكم زادت نسبة الامراض ليزداد بالنتيجة اعداد المرضى .. هل سال احدهم عن اسباب نقصان و فقدان الدواء في المستشفيات الحكومية .. هل سال احدهم عن اعداد المستشفيات الحكومية الجديدة في فترة المسؤولية .. هل سال احدهم عن المتاجرة بالدواء .. وعن غلاء اجور الاطباء في عياداتهم الخاصة و عن لا اباليتهم في المستشفيات الحكومية .. هل سال احدهم عن دور شركات الادوية الاجنبية و تغلغلها في الصحة ..
حين يقول وزير العمل و الشؤون الاجتماعية عن ازدياد اعداد المستفيدين من رواتب الرعاية واعداد المتدربين واستعادة ملايين الدنانير من غير المستحقين .. الا يسال احد كيف تم توظيف تلك الاموال المستعادة وهل تمت معاقبة المقصرين في دفع الاموال الى غير المستحق .. هل سال احد عن اسباب ازدياد ظاهرة التسول واطفال الشوارع و عمالة الاطفال .. هل سال احد عن المتسربين من المدارس ..هل سال احد عن مرتادي المقاهي و محلات بيع الخمور من المراهقين .. هل سال احد عن ظاهرة تفشي المخدرات .. والرقيق الابيض .. وهكذا كل الوزارات .. فما دور البرلماني ان كان مقيد بالتزامات الحزب و العمولات و الصفقات بحكم منصبه و دوره الرقابي
انهم يبرزون النجاحات ويخفون الاخفاقات و السرقات .. هل قدموا كشوفات بالايفادات المسؤولين وهل كل الايفادات مهمة الى درجة عدم الاهمال ام ان ايفادات المسؤولين مكافاءات لهم بها يعوضون ما دفعوه نظير تسنمهم مناصبهم .. و مناصبهم مضمونة بالانتخابات و محصنة من المس بالاستجوابات مادام هناك فقراء زادوهم فقرا و جهلا و ألما الى درجة انهم يعرضون ويرفعون شعارا وقت الانتخابات ..اصوات للبيع