23 ديسمبر، 2024 5:19 ص

نشر الموقع الالكتروني لمكتب السيستاني مقالاً بعنوان “كيف ولماذا تنحى السيد نوري المالكي” قدم فيه رؤية المؤسسة الدينية لما حصل قبل عام تقريباً بشأن تشكيل الحكومة الحالية، والظروف التي أنتجت المؤامرة الانقلابية متعددة الأطراف التي كان للمؤسسة دور كبير في تأجيجها، ودفعها باتجاه النتائج المعروفة.

تحدث مقال المكتب عن أمور كثيرة، وتضمن المزيد من التبريرات المزيفة، والمغالطات، والحقائق المقلوبة، كان الهدف الواضح منها إبعاد المؤسسة الدينية عن طائلة المسؤولية عن كل الفساد والخراب الذي حصل، ويحصل في العراق، بدعوى أنها تركت للناس أن يختاروا من يحكمهم، وأنها لم توجههم لانتخاب أشخاص بعينهم، وبالتالي فإنها بريئة براءة السكين من  دم الذبيحة!

الجميع يعلم أن أكاذيب المؤسسة لن تنطلي على أحد، والمؤسسة لا يمكنها، مهما تفننت في أساليب التضليل، أن تقنع جماهير الشعب بأنها كانت تمازحهم عندما أشاعت بينهم، عن طريق جهاز وكلائها، بأن من لا ينتخب أعضاء القائمة التي ترتضيها إنما يقطع تذكرة إلى الجحيم. وعليه يدل لجوء المؤسسة الدينية لأكذوبة عدم التدخل في خيارات الناس، وتوجيه إراداتهم، ووعيهم، على شعور بالقلق من الورطة الكبيرة التي وقعت فيها عندما ساندت السياسيين الفاشلين، وقدمتهم كممثلين رسميين لها، وبالنتيجة، فالمؤسسة تسارع لإزالة كل الآثار عن يديها الملطختين، وتجرب، مرة أخرى، سيناريو القفز من السفينة الغارقة.

المهم في المقال ليس ما قاله، وإنما ما لم يقله، أو ما ترك للناس أن تستوحيه، أو تتوهمه بالأحرى. فالمقال لم يذكر شيئاً عن توقيته الذي يتصادف مع السخط الشعبي الواضح الذي أخذ أشكالاً تعبيرية متطورة تمثلت بالتظاهر، والتهديد بالاعتصامات، الأمر الذي فهمته المؤسسة الدينية بأنه خطوة كبيرة قد تعقبها خطوات تعصف كلياً بالواقع الفاسد الذي تأسس بعد سقوط نظام الطاغية، والذي كانت هي العرّاب الأول له. والمؤسسة لا يمكنها الاطمئنان أبداً إلى أن نجاح الشعب في تحقيق مطالبه المتعلقة بهذه الجزئية، أو تلك، لن يكون فاتحاً للشهية، ودافعاً لمطالبات أخرى تضع نصب عينها أهدافاً أكبر، وأبعد، وقد تطيح بكامل اللعبة السياسية العقيمة.

الأمر الآخر الذي أعلنه المقال من خلال مسكوته، أو مُغيَّبِه يتمثل بالمنهجية التي تتعاطى بها المؤسسة الدينية مع هموم الشعب، وقراراته، وإرادته، وهي منهجية ركيزتها الأساس عدم الثقة بالشعب، والنأي بالنفس عن الاصطفاف معه، والمحافظة على مسافة التصالح مع النظام القائم، مع بعض النقد القشري غير المؤثر. 

أي إن المؤسسة الدينية، كعادتها، تستعمل استراتيجية الموقف النفاقي، فتطل بوجهين لا يمكن تمييز أيهما الوجه الحقيقي، وأيهما القناع المزيف، فهي وإن كانت تنتقد الأداء الحكومي، من جهة، إلا أنها، من جهة أخرى، تعمل على تطويق مفاعيل السخط الشعبي، وإبقائه في دائرة غير المؤثر على طبيعة النظام القائم، وبالتالي فهي تحافظ على النظام القائم، وتشكل ركيزة مهمة جداً من الركائز التي يتقوم بها.