22 ديسمبر، 2024 2:21 م

دوت صرخته عاليا….

لا….لا….لا

رجل في الثلاثين من العمر يقتعد كرسيا في طرف قصي من حفل الزفاف الذي حضره بدعوة من احد الاصدقاء وكانت صرخته قد وصلت الى مدى بعيد حيث التفت الحاضرون في ادنى المجلس وقد ارتسمت على وجوههم الدهشة يرافقها تساؤل واستفسار.

نهض الرجل من كرسيه وخطا بضع خطوات حيث صبي في الثانية عشرة من العمر يحمل بندقية صيد وحملق الصبي في وجه الرجل وكانت نظرته تنم عن غضب واستنكار لم يعرها الرجل اهتماما يذكر لكنه هتف بكلمته محذرا….

  احذر …احذر …لا تحول الفرح الى مأتم  فكم من هذه الامور قد حدثت .

لم يلتفت الصبي لتلك الكلمات ولم يعرها اهتمام هو الاخر فما كان من الرجل الا ان واصل حديثه قائلا:

لقد مر بي قبل عقدين من الزمان حادث اليم حول الفرح الى مأتم واصبحت قاتلا !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!

لقد كانت نبرة صوته تنم عن الم وحزن وفي نظرته ندم كبير.

تحلق حول الرجل والصبي الكثير من الرجال شيبا وشباب وراحوا يستمعون الى حديث الرجل لكنه اعتصم بالصمت ولم يزد على كلماته حرف واحد .

لم يجدوا بدا من ان يوجهوا له السؤال الاتي:-

لماذا لم تتحدث …؟
لان الصبي لم يزل ممسكا بندقية الصيد .

طلبوا الى الصبي ان يتخلى عن البندقية ولما رفض الانصياع للأمر طلبوا الى والده الذي كان حاضرا ان يقنع الصبي بالتخلي عنها فانصاع للأمر وقد علت قسماته علامة الدهشة يشوبها

الانزعاج لهذا الطلب الذي راه غريبا ولكنه مع هذا تقدم الى ولده وامسك بالبندقية واعادها الى حافظتها ليطمئن الرجل ان لا نية للصبي او لوالد الصبي ان يطلقا منها اي اطلاقة احتفاءا بهذه المناسبة وهنا بدء الرجل يسرد قصته التي قال فيها:-

كنت آنذاك في الثانية عشرة من العمر قبل عقد ين من الزمان وكان يوم الثلاثاء المصادف 24/12/2000 وفي ذلك اليوم نهضت من الفراش متأخرا عن الدوام المدرسي بما يقارب خمسة عشر دقيقة وكنت يومها طالبا في الصف  الثاني من الدراسة المتوسطة لذا اخترت ان اتغيب عن الدوام ولم اعر اهتما ما لإلحاح والدتي  بوجوب الالتحاق بالدوام حتى وان كنت متأخرا وفعلا تغيبت عن الدوام المدرسي ولم اشغل نفسي بالدراسة او تحضير الدروس لليوم الثاني بل خرجت الى الشارع وامضيت بعض الوقت متسكعا هنا وهناك ومع حلول الظهيرة عدت الى البيت وتناولت وجبة الغداء ثم دخلت غرفتي وراجعت بعض الدروس ومن ثم خرجت الى فناء البيت بعد ان سمعت صوت الجرار الزراعي الذي يقوده ابي فكان لزاما علي ان اساهم في نقل المزروعات التي جاء بها من الحقل لإعدادها وتجهيزها لتباع في السوق في اليوم الثاني وفعلا حملت بعضها وكان اخي الكبير البالغ من العمر سبعة عشر عاما وهو طالب في المرحلة الاعدادية لكنه تعود ان يرافق ابي الى الحقل ويساعده في العمل الزراعي بعد انتهاء دوامه الصباحي في الاعدادية وقد حمل معي بعض المزروعات وعدنا معا الى داخل المنزل وهنا قال ابي مخاطبا اخي الكبير:

اذهب الى الجرار واتني ببندقية الصيد …

وبعد لحظة اضاف  :

تجدها قرب مقعد القيادة .
نهض اخي ملبيا  الامر لكنني سبقته وركضت وانا اقول له لاعليك ابقى في مكانك… انا من سياتي بها

نعم هكذا بكل بساطة ركضت وجئت بالبندقية وراح اخي يطالعني وهو يبتسم لي كانت ابتسامته كأنها كلمات شكر متواصلة لذا قررت ان امزح معه فسددت له البندقية وصرخت قائلا:

خذها منى ….آآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآه    

انطلقت الرصاصة واستقرت في صدر اخي الذي هوى الى الارض صريعا يتخبط بدمه وكان صائما ينتظر اذان المغرب

قبل قليل كان يتحدث الى امي وطلب اليها ان تعد له الوجبة التي يحب (السمك المشوي على النار)التي تعودت والدتي ان تهيئه لنا في كثير من الاحيان .

غامت عيناي وتكاثفت الضلال حولي وصكت مسامعي الصرخات وكنت انا الاخر صريعا على الارض لم افق من تلك اللحظة الهائلة الا بعد يومين  وجدتني طريح الفراش في احد المشافي وابي عند رأسي يجري دموعه ولا يستطيع ان يخفيها رغم محاولته اخفائها وسألت عن اخي

كيف هو الان …؟

لم يجبني

كررت سؤالي

كيف هو اخي ……؟

شهق ابي بعبرته وتلجلجت الحروف على شفتيه وفاضت دموع غزيرة من عينيه وبدى كأن الحروف تخرج من نزيف حاد ومحرق في لب فؤاده اذ قال:

لقد فارق الحياة….!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!

لقد مات للحظته ,الحمد لله انه لم يتعذب طويلا ولم يعاني سكرات الموت دارت الارض بي ….بل روحي هي التي فارقت جسدي احسست بالموت بالموت الحقيقي ,اجل الموت ليس مجازا بل حقيقة فما عدت ادرك اي شيء ليس فقدان وعي وانما هو الموت

لقد مت وفارقت الحياة انا الاخر وبهذا كانت فجيعة ابي وامي واسرتي واحبتي مضاعفة ففقد اخي قبل يومين كان حدثا مؤلما وها هي الحياة تضيف فجيعة اخرى هي فقدي انا الاخر .

صمت الرجل وكانه اتم الحديث لكن كلماته غريبة وعبارته غير مفهومة …..لماذا…؟

تداخلت الاصوات والتساؤلات منهم من يقول :

-ربما كان الرجل مجنونا

– ربما يقصد امرا آخر كأن يقول انني سجنت لجريمة القتل التي ارتكبتها وامضيت سنوات السجن فهي اشبه ما تكون بالموت.

– ربما اغمي عليه او تعرض لصدمة نفسية تركته سجين مستشفى المجانين او اي مشفى للأمراض النفسية.

– ربما عاش حياة الغربة والتخفي هاربا من عقوبة السجن التي عليه ان يواجهها.

انتم ماذا تقولون……؟؟؟؟؟؟؟

مهما كانت افكاركم ومهما اختلفت اجاباتكم

الجواب نسمعه من الرجل …اجل نسمعه من الرجل كلمات تنطقها شفتيه تتحدث عن حقيقة افكاره وما عناه بالموت الحقيقي فهو الاتي:

حين علمت بموت اخي ادركت انني اصبحت قاتلا اجل انا قاتل انا قاتل اخي ولهذا سألت ابي :

-كيف تم دفن اخي الذي قتلته بيدي دون ان يتم القاء القبض عليَّ باعتباري المجرم القاتل ….؟

قال والدمع يفيض من عينيه :

لم نذكر الحقيقة بل قلنا ان الاطلاقة قذفت حين سقطت البندقية من يد القتيل ………………!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!
كيف ….رحت اهتف بحرقة والم ….كيف هل اقتل اخي مرتين مرة بيدى واخرى بافتراء عليه …؟؟؟؟!!!!

امسك اخي بيدي ووضع يده الاخرى على فمي في محاولة منه لمنعي عن الكلام  مخافة ان يسمع احد ما هذه الكلمات التي كما قال ستودي بي الى السجن او المشنقة وقد اجبرني على الصمت ومن تلك اللحظة اصبحت ميتا  ميتاحقيقا وان كنت احيا كما يحيا الاحياء واودي كل الفعاليات الحيوية واليومية واعيش اللحظات وأؤدي المهمات وصرت حريصا على اداء الافضل وعمل الاجمل لأمسح بعض الشيء حزنا والما سببته لأحبتي .أمي ,ابي ,اخوتي اصدقائي واقربائي وجيراني وقبل كل هؤلاء نفسي  فالجرح لن ولن ولن يبرء عميق ومؤلم وخجل كبير كلما لاح لي وجه اخي في اليقظة او في الحلم فانا قتلته مرتين مرة بالخطأ دون  العمد ومرة بالافتراء اذ البسته تهمة ان البندقية سقطت من يده وهو من تسبب في موت نفسه نتيجة اطلاقة قذفت من البندقية واصابته في مقتل جراء سقوطها…الا انني ميت موت حقيقي فانا منذ تلك اللحظة اصبحت قاتلا ……………………………