يثــار الجــدل بعد كل عمليــة انتخابيــة حول نص المـادة (76) من دسـتـور جمهورية العــراق لسنـة 2005 ” تكليف رئيس الجمهوريــة مرشــح الكتـلة النيابيــة الآكثر عدداً بتشكيل مجلس الوزراء خلال خمسة عشر يومــا من تاريخ انتخاب رئيس الجمهوريــة ” وهــذا النص كان واضحــاُ للجميــع عند تشكيــل حكومـة المالكي الأولى عام 2006 حين حصــل على الأغلبيــة النيابية بعد فوز كتلتــه ولم يـكن لـدى التحالفـات والكتل الأخـرى نيــة القفـز على النص الدستـوري ومرت عمليــة تشكيـل الحكومــة بسهـولـة وسلاســة سياسيـة من خلال التوافقــات على توزيـع الوزارات بشمل مرضــي للجميـع ولكن هــذا الهدوء السياســي النسب لم يستمـر طويلاً حتى جرت انتخابات عام 2010 وحصــلت القائمـة العراقيـة على 91 مقعــد نيابـي متفوقـة على التحالف الوطنــي بمقعــديـن وهذا الأمــر جعــل السياسيين في تباعـد وتناحـر مما عقد المشهــد السياسي إذ تمســك كل من التحالفيـن بحقــه في تشكيــل الحكومــة فهناك كتـلة فائـزة واخـرى جمعت عدداً اكثر من خلال تحالفــهــا مع بعض الكتـل السياسيــة الاخـرى.
وقد حسـم نزاع القوم برأي المحكمــة الاتحاديــة العيـا بقرارهـا ذي العدد 25/اتحاديــة /2010 الصادر بتاريــخ 25/3/2010 ومضمونــة ” ان الكتــلة النيابيــة الأكثر عدداً هي التي أمــا الكتــلة التي تكونت بعد الانتخابات من خلال قائمــة انتخابيــة واحــدة او الكتلة التي تكونت بعد الانتخابات من خلال قائمتيــن أو أكثــر من القوائـم الانتخابيــة ودخلت مجلس النواب واصبحت مقاعــدهـا بعد دخـولهـا المجلس وحلف اعضاؤهـا اليميـن الدستـوريـة في الجلســة الأولــى الأكثــر عدداً من بقـيـة الكتل ويتولــى رئيس الجمهـوريــة تكليف مرشحهـا بتشكيـل مجلس الوزراء طبقاً لأحكـام المـادة 76 من الدستـور وخلال المــدة المحددة ” وايضـا الامـر احتاج إلى تسويـتة سياسيــة لقبـول جميــع الأطــراف برأي المحكمـة الاتحـاديــة في تفسير الدستــور على الرغـم من ألزاميــة الرأي للجميــع حسب المـادة 94 من الدستور العـراقي ، وتشكلت حكومــة المالكــي الثانيـة وقد واجهـت ردات الفعــل السياسيـة من بعض الشركـاء الذيـن شاركوا في تشكيل الحكومة وازدادت المناكفات السياسية بين الفرقاء مما ادى إلى اخفاق الحكومة في مجالات كثيـرة ومنها الجانب الامني ، الامر الذي جعل البلد يتعرض إلى أكبـر هجمـة شرســة من أعتى واحقر تنظيــم ديني متطـرف ، استطـاع من خلال اجرامــه السيطــرة على ثلث مساحــة العــراق في ثلاث محافظــات وحاول الزحــف نحـو العاصمـة العراقيــة بغــداد لولا فتوى المرجعيـة الدينيــة واستجابـة الغيارى في التصــدي لهـذه الهجمـة العدوانيــة وخلال هــذه الاحــداث جرى تشكيـل حكومــة العبادي على أســاس التسويــة كون الوضـع لايتحمـل المزيـد من الخلافــات والجميـع يعمـل على التصـدي للعـدوان حتى إن وصــلنا إلى انتخـابات عـام 2018 التي زادت المشهـد السياسي تعقيـداً بين الرأي التفسيـري للمحكمــة الاتحاديــة وبين الكتــلة الفائـزة بالانتخابات والأكثـر عدداً واحتـدم الخــلاف بيـن كتلة سائـرون وكتـلة البنـاء وذهبت كل منهـما نحـو تشكيـل الكتـلة الأكثر عـدداً من خلال التحالفـات السريعــة للوصـول إلى رئاسـة الوزراء وتشكيـل الحكومـة وفشـلت كلا الكتلتيـن من اعـلان الكتـلة الأكثـر عدداً في الجلسـة الأولى ما جعل التسويـات السياسيـة والتوافقـات تفرض نفسهـا بقـوة هــذه المرة كـون الأطـراف التي تصدت لتشكيـل الحكومـة تعـد الأقـوى في العـراق وخرجـت منتصـرة من حــرب همجيــة شعـواء كادت ان تطيـح بالبـلد ولم يعـلن عن الكتـلة الأكثر عدداً وبين شد وجذب ، كـان الرأي ان يعـاد الاستفسـار من المحكمـة الاتحاديــة مرة أخرى حول تفسيـر المـادة (76 اولاً ) من الدستور وقد كان جواب المحكمـة بعـد المناقشـة والمداولـة في جلستهـا يـوم 22/12/2019 التأكيــد على رأيهـا السابق بقرارهـا المرقـم 25/اتحاديـة / 2010 والذي أكـدتـه بالقرار المرقـم 45/اتحاديـة / 2014 وكل تلك الظـروف اسفرت عن ولادة حكومـة توافقيـة ضعيفــة بالكاد أكمـلت عامهـا الأول وهي غارقــة بالمشاكـل السياسيـة وانتهـى أمـرها بالاستقالـة تحت ضغط التظاهـرات والإعتصامـات التشرينيــة وكان البديـل حكومـة جديدة من أهـم برامجهـا اجراء انتخابات مبكـرة وقد حصـل ذلك فعــلاً وجرت الانتخابات يــوم 10/10/2021 بعد تأجيلهـا لمـرة واحـدة حيـن كان من المقـرر اجراؤهـا بتاريـخ 6/6/2021 وبعـد عـرض النتائـج الأوليـة للأنتخابـات برزت مشكـلة الكتـلة الأكبـر عدداً مرة أخــرى في محاولة منها لتفسير نص المادة 45 من قانون انتخابات مجلس النواب رقم 9 لسنة 2020 خاصة بعد الاجتهادات التي بدأ يطلقها البعض من المختصين بالقانون في حين أن النص القانوني واضح جدا ولا يحتاج الى اجتهاد أو تفسير وجاء بما يتلائم مع رأي المحكمة الاتحادية اعلاه وبدأت الكتل تتسابق سياسياً للحصـول على منصـب رئيس الوزراء وتشكيـل الحكومـة العراقيـة وعلى ما يبدو ان الصـراع السياسي سيستمر في هـذا الاتجـاه وسـوف نواجـه هـذه المشكـلة في كل عمليـة انتخابات برلمانيـة حيث ان تفسيـر المحكمـة الاتحاديــة لمادة 76 من الدستـور العراقـي قد صـادر حق الكتلـة الفائـزة بالانتخابات وحصـلت على أكثر المقاعـد النيابيـة من ترشيـح رئيس الوزراء وتشكيل الحكومة بل صار حق الكتلة الاكثر عددا التي تتشكل بعد الانتخابات كمـا شهدنا ذلك منذ عـام 2010 ولغـايـة 2021 وهـذه التحالفات ينتج عنهــا حكومـة توافقيـة ضعيفـة لايمكـن محاسبتهـا لان الجميـع مشترك فيهـا ويحمي بعضهم البعض فضلاً عن ان هـذا الرأي الذي جاءت بـه المحكمة الاتحاديـة غير معمـول بـه في الانظمـة الديمقـراطيـة إذ استقرت الأنظمـة السياسيـة على تشكيـل الحكومـة من قبل مرشـح الاغلبيـة وفق برنامـج حكومي يقدمه للبرلمان وهو الاتجـاه الصحيـح الذي تأمـل ان يتم العمـل بـه في النظـام السياسي بالعـراق وان تقوم المحكمـة الاتحاديـة بالعدول عن رأيهـا السابـق لتكون الكتـلة الفائـزة بالانتخابـات هي التي ترشـح رئيس الوزراء وليس الكتـلة التي تتشكـل بعـد الانتخابات لان ذلك سيعزز ثقـة الناخـب بالعمليـة الديمقراطيــة والنظام السياسي .