22 ديسمبر، 2024 7:15 م

اشكالية اندماج المهاجرين

اشكالية اندماج المهاجرين

هناك مشكلة في اوروبا تتعلق باندماج المهاجرين وخصوصا العرب والمسلمين . وبالرغم من وجود برامج عديدة لتعليم اللغة وتوفير المستلزمات اللازمة لتسهيل اندماجهم الا اننا مازلنا نجد شكاوى من الطرفين . الدول المستقبلة والعائلات المهاجرة اليها . وقد تسببت هذه المشكلة في انعدام الثقة بينهما. وجرى اتهام كثير من المهاجرين العرب والمسلمين بالتخريب والقيام بعمليات ارهابية. وفي المقابل فان كثير من العائلات المهاجرة تشكوا من ان بلاد المهجر قد تسببت في اغتراب الابناء نتيجة فقدانهم للغتهم او عدم تمسكهم بدينهم ، مما دفع هذه العائلات للانعزال، مع وضع ابناءهم وبناتهم في مدارس اسلامية خاصة، فزاد اغتراب الاطفال عن مجتمعهم
ان كثير من المهاجرين الاطفال يعانون من ازدواجية القيم والثقافات. نتيجة اصرار كثير من الاباء على احتفاظ العائلة بالطقوس الدينية وما يرونه من عادات اسلامية . وهي تختلف عن الوسط الاجتماعي الذي يعيشون فيه فيقعون في ازدواج الشخصية واحيانا الانحراف او الامراض النفسية، لعدم استطاعتهم التوفيق بين العادات والتقاليد السائدة في بلدانهم الاصلية مع المجتمع الجديد . ومن هنا تاتي خطورة هذه الازدواجية على الاسرة وعلى المجتمع الذي يعيشون فيه والذي يهدد كل من النسيج الاجتماعي وتماسك هذه الاسرة

ان هذه الحالة قد دفعت بعض الشباب المتذمرين الى استخدام القوة والعنف تجاه المجتمع الجديد لعدم استطاعتهم الاندماج به او الموائمة معه فيحاولون فرض تقاليدهم وعاداتهم على المجتمع الجديد بدل التكيف معه. وياتي ذلك تحت مسوغات دينية وبذريعة الجهاد او نشر الدين الاسلامي بالرغم من كون البعض منهم ضعيف الايمان، او عديمه في كثير من الاحيان

في اوروبا يسمح للافراد قانونيا مزاولة طقوسهم الدينية، طالما انهم لايسيئون لاحد، وهناك مساحة للحرية لم تكن تتوفر للاجئ او المهاجر في بلاده. وغالبا مايساء استعمال هذه الحرية من قبل الوافدين لنشر معتقداتهم وافكارهم تحت ذريعة الدعوة للدين الاسلامي، ويندفعون احيانا ليصطدموا مع المجتمع . . وهذا ما تستغله الحركات الشعبوية اليمينية للتحشيد ضد العرب والمسلمين باعتبارهم ارهابيين

كما ان النظرة السيئة تجاه المحجبات لاتأتي بسبب الحجاب بحد ذاته، بل للاعتقاد السائد بان ماوراء المحجبة رجال متزمتين ومتطرفين يهددون المجتمع الذي يعيشون فيه. ولذلك جاء النظر اليهن شزرا . واحيانا معاداتهن علنا، في حين لانرى هذه النظرة تجاه ملابس الهنديات مثلا

ومن جانب اخر فان التوجهات السيئة للغرب تجاه العرب والمسلمين جاءت لكون غالبية الوافدين شبه اميين ومتخلفين حضاريا وينظرون الى سكان البلاد المضيفة باعتبارهم متحللين اخلاقيا وغير ملتزمين بما يعتقدونه سلوكا صحيحا في بلدهم. ولذلك ينعزلون في مناطق محددة ويتجنبون الاختلاط باهالي البلد . في حين ان مفهوم الاخلاق في المجتمع الغربي يتعلق بالتعامل الانساني وليس بالجنس كما هو سائد في المجتمعات الاسلامية

ومما يزيد الطين بلله ان الوافد او المهاجر يربي اطفاله على نفس النظرة الضيقة التي ينظر بها الى المجتمع الجديد المختلف عنه بالدين والسلوك ولذلك يقوم بتحجيب ابنته خوفا من المجتمع المنفتح. كما ان نظرته القبلية تجاه المرأة تجعله يزوج ابنه من نفس وسطه الديني المتزمت، واستنادا لهذه النظرة يستنكف عن مصافحة المرأة نتيجة التعاليم الدينية التي يستقيها من الوعاظ في المساجد، ويعزو ذلك الى التزامه بالدين

ولهذا كله ضعفت الثقة و التواصل بين الطرفين. فتحولت العلاقة بينهما الى نظرة عدائية لكل طرف تجاه الاخر . ولم يبذل الطرفان اي جهد لمد جسور التواصل بينهما، يضاف اليها النظرة السلبية لسكان البلد المضيف تجاه الوافدين لكونهم منعزلين عنهم ومختلفين عنهم بالعادات والتقاليد وبالتالي يعاملونهم على انهم مجرد ايدي عاملة غير ماهرة، الا ماندر

ومن هذا المنطلق ايضا نجد ان اولاد المهاجرين يسلكون احد طريقين. اما انهم ينسجمون مع محيطهم الجديد ويتواصلون مع اقرانهم بالمدرسة ويتقدمون بالدراسة على وفق مبدا المساواة في الحقوق والواجبات. ومن ثم يحققون نجاحات في حياتهم المستقبلية . او يرفضون الحياة الجديدة بما فيها من ثقافات وتقاليد مختلفة وهم بذلك يتاثرون بالجو العائلي الرافض ايضا على اعتبار ان المجتمع الجديد فاسد ولا يتوجب تقليده او مجاراته، فينتكس الطفل او اليافع في دراسته ويتخلف عن اقرانه ويترك المدرسة ليعيد اجترار افكار وتجارب والده او عائلته فينعزل هو الاخر عن محيطه الجديد في حلقة مفرغة من القبول وعدم القبول بانماط المجتمع الجديد

ان الواجب الديني والاخلاقي يقتضي على الوافدين والمهاجرين احترام سكان الدولة المضيفة
ولايفرضون عليهم تقاليدهم. وان يلتزموا بالقوانين والانظمة المعمول بها في تلك الدول كما يوجب عليهم تقبل واحترام الفكر المغاير لفكرهم بدل الاحكام المسبقة من كونهم صليبيين او كفار، وتبادل الثقافات المتنوعة معهم بدل تصادمها او رفضها، على وفق الاية القرآنية (وهل جزاء الاحسان الا الاحسان)ء

كما ان المسلمين يستطيعون التاقلم مع المجتمعات الجديدة لو كانوا مسلمين حقيقيين حيث باستطاعتهم تبني القيم الاسلامية العليا التي نسوها وركزوا على المظاهر والطقوس الشكلية بدلا عنها. والعمل على وفق هذه القيم. مثل الالتزام بالمواعيد بدل التسيب واللا مبالاة. وترك الكذب والنميمة والنفاق ، والعمل التطوعي في خدمة المجتمع، واماطة الاذى عن الطريق، والنظافة التي حث الدين عليها ، والصدق في تعامله مع الناس، وافشاء السلام بدل الحقد والكراهية، وحب العمل بدل الكسل والاعتماد على المساعدات، والنزاهة، والتعامل الانساني مع الاخرين بدل النصب والاحتيال وخصوصا فيما يتعلق بالتهرب الضريبي، واحترام الاديان والطوائف الاخرى، وحب اخيه الانسان، ومقابلة الاساءة بالحسنى، والصبر، والكلمة الطيبة، فهذه كلها قيم اسلامية تنسجم مع الحضارة الغربية ولا تتعارض معها. .

ان الواجب الاخلاقي والانساني يوجب ايضا التثقيف بهذه المبادئ وهي وحدها الكفيلة بنزع الكره والنظرة العدائية تجاه المهاجرين او الوافدين. والدين الاسلامي انتشر في اندونيسيا، وهي اكبر دولة اسلامية عن طريق مكارم الاخلاق . فالدعوة للدين تكون بالكلمة الطيبة والخلق السليم وتبني
القيم الاسلامية العليا، وليس بالعنف والقتل وفرض الارادات بالقوة. فهذه الاساليب لم تعد تجد نفعا . والله لايغير مابقوم حتى يغيروا مابانفسهم .