22 ديسمبر، 2024 11:33 م

اشكالية العلاقة بين التدين والاخلاق في مجتمعنا

اشكالية العلاقة بين التدين والاخلاق في مجتمعنا

كان كثير من الناس يربطون اخلاق المرء بمقدار تدينه، ويفترضون أن التدين ملازم بالضرورة لحسن الخلق والعدل .
ولكننا الان نشاهد اشخاصا” يَدَّعُون التدين ويقيمون الشعائر الدينية المختلفة، “واحيانا المبالغة فيها” في العلن ، ولكنهم في الخفاء يخونون الامانة ويبتزون الفقير ولايكفون الاذى عن الناس اوالطريق، وحتى عدم مراعاة الطهارة والنظافة التي يؤكد عليها الدين ، ناهيك عن انتشار الفساد بهذا الشكل المخيف .

كما نلاحظ كثرة السؤال عن الحلال والحرام في المأكل والملبس ، دون السؤال عن مكارم الاخلاق او السلوك الحسن المكمل للدين ، حيث يقول الرسول الكريم (إنَّما بُعثت لأتمِّم مكارم الأخلاق) .
ويخاطب رب العزة نبيه الكريم وانك لعلى خلق عظيم .

تعتبر القيم الأخلاقية أساس الدين والتدين . ولايمكن تصور الالتزام بالدين دون اخلاقياته .
والاديان كافة تضع قواعد اخلاقية صارمة لتنظيم العلاقات الانسانية . وتكون مترافقة مع الطقوس والشعائر الدينية .
ولذلك كانت علاقة الدين بالأخلاق متشابكة ومتداخلة الى حد كبير . .
ولكننا الان لانستطيع القول إن الأخلاق البشرية الحالية مترادفة او مرافقة للدين او التدين .

حيث اصبح كثير من الناس في عالم اليوم يعتقدون أن الدين ليس ضروريا لأخلاق الإنسان ، فالدين علاقة الانسان بخالقه ، والاخلاق علاقة الانسان باخيه الانسان او بمحيطه .
وبالتالي فليس من الضروري ان يتبنى الانسان دين معين من أجل الحصول على القيم الأخلاقية . فاخلاق الانسان بدأت بالدين حتى اصبحت الزامية من خلال ربط الدين بالاخلاق ، وجاء العقاب والثواب على وفقها . ولكن تطور الاخلاق جرى بمعزل عن الدين .
حتى اصبحت الاخلاق غير مرتبطة بالدين وجودا وعدما .

فالأخلاق من المنظور العلمي أو العقلاني هي سلوك انساني واجتماعي متطور ومتحضر . اما التدين والطقوس الدينية بشكلها الحالي فقد اصبحت نتاج تراكمي للعادات والتقاليد اكثر منها ايمانا بالدين اوبالقيم الأخلاقية ، بل كثيرا من هذه الطقوس ابتعدت عن الدين الذي كان وسيلة اصلاح اجتماعية ، فتحول في كثير من الأحيان الى وسيلة سلطوية لتنفيذ مهمات واهداف سياسية واقتصادية لاعلاقة لها بالاخلاق .

الابتعاد عن القيم الدينية

ان مانراه اليوم من عدم الالتزام بالمبادئ والقيم الدينية الحقة والاقتصار على الطقوس والشكليات ومارافقها من انحطاط القيم الاخلاقية لدى بعض المتدينين في مجتمعاتنا يعود اما الى ضعف الايمان الحقيقي بالدين ، او اتخاذ الدين وسيلة لخداع الناس والاحتيال عليهم ، وهي بالتالي ادوات نصب وتضليل .

أننا نعيش الان في ازمة فعلية في التدين وفي الاخلاق معا” ، فجاء التدين الظاهري في كثير من الاحيان كغطاء لغمط حقوق الناس أو الاستيلاء على المال العام .

اين مدعي التدين من مكارم الاخلاق التي يزخر بها التراثِ الإسلامي مثل العفة، والرضى، والبر والإحسان، والصدق، والأمانة، والحِلم ، والكرم، والإيثار، والعدل، والعرفان ، والوَفاء، ، والتواضع ، والتعاون، والتسامح، وفعل الخير، واجتناب الشبهات وغيرها .

وهكذا انقطعت العلاقة بين التدين الظاهري والأخلاق، حتى اخذنا نشاهد حالات مؤلمة من الاستيلاء على الاموال العامة والخاصة وضياع الحقوق ، واستغلال حاجة الناس لكسب المال او الصعود الى السلطة باي ثمن ، واكثر هذه الممارسات تصدر من اناس يتمظهرون بمظاهر دينية مخادعة .

وهكذا اصبحنا نشاهد “مع الاسف”
أن الافراد والمجتمعات الأكثر تديناً، أو التي تدعي التدين على الأصح، هي الأكثر فساداً في الإدارة، والأكثر كذباً في السياسة، والأكثر هدراً للحقوق، والأكثر تحرّشاً بالنساء وغمط حقوقهن ، والأكثر اساءة للأطفال، ثم يأتي هؤلاء الاشخاص ليقولوا لنا بوقاحة إن سبب فساد الأخلاق هو نقص في الدين !

لاشك أننا نواجه أزمة حقيقية .. أزمةٍ في الأخلاق وازمة في التدين على حد سواء .
حيث تدهورت الأخلاق العامة نتيجة تدهور سلوكنا الفردي والجمعي بشكل واضح ، وهذا ينطبق على كثير من الناس رغم اختلاف توجهاتهم العرقية اوالطائفية او السياسية .

كما تدهور التدين الحقيقي لطغيان الطقوس والشكليات على حساب الايمان الحقيقي بالله وبقيمه ، واتخاذ الدين وسيلة للمكاسب السياسية والفردية .

ان القيم الاخلاقية هي حجر الزاوية الذي يرتكز عليه بناء الأجيال المتعاقبة القادرة على الصمود في وجه تحديات المستقبل.

لذلك تواجه الأخلاق في مجتمعاتنا تحديًا كبيرًا يتطلب التفكير الفردي والجماعي .

ولمنظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام والتعليم والمؤسسات الدينية الرصينة دور مهم في الحفاظ على القيم الأخلاقية والدينية الجيدة ، وايجاد طريقة فاعلة في السماح للافراد بالعيش في المجتمع وفقًا لمثلهم العليا ، وتجنب مصادرتها ، مع الحفاظ على الحد الادنى من القيم والمبادئ الاخلاقية العامة التي يجب أن يحترمها الجميع . .