منذ صعود الملالي الى السلطة في ايران، والعلاقات الايرانية – العربية تعاني من عدم الاستقرار والتوتر المستمر نتيجة الميول التوسعية لجمهورية الملالي والى اصرار خميني وقتئذ على تصدير ما عرف بالثورة الاسلامية في جميع انحاء الشرق الاوسط العربي ومنطقة الخليج العربي. ومع اهمية هذا العامل الا انه لم يكن احد الاسباب الفاصلة للاحداث بين الجانبين، وان التوترات العربية- الايرانية بالتأكيد لم تبدأ مع الثورة الاسلامية.
وأي تفسير منفرد لاسباب التوتر العربي – الايراني يعتبر امراً غير صحيح. فخلال السنوات الثلاثين الاخيرة تأثرت العلاقات العربية- الايرانية بسبب تداخل مجموعات من العوامل القديمة والجديدة ابتداءً من الخلافات التاريخية والعرقية والدينية والى القوميات المتصادمة والخلافات بشأن الارض وعدم الانسجام الايديولوجي والتنافس من اجل الحصول على السلطة والقوة في الخليج العربي.
في السنوات الاخيرة تأثرت كثيراً العلاقات العربية- الايرانية بسبب التغييرات في النظام السياسي بما في ذلك الدمج الكامل لدول الخليج العربي، اضافة الى التغييرات الداخلية في ايران والاقطار العربية.
والاشياء المهمة الاخرى هي السياسات التي تتبعها القوى الدولية نحو ايران وبقية اقطار الخليج العربي، ولهذا السبب فأن فهم اسباب التوتر العربي – الايراني ووسائل تقليلها وخطر عدم الاستقرار في الخليج العربي يتطلب فهماً مسبقاً للعوامل المذكورة آنفاً والتفاعل مع بعضها البعض.
لا يمكن فهم ايران دون فهم واحاطة بالتشيع ليس من حيث هو مذهب فقهي بل من حيث هو مذهب سياسي، وقد يدرس تاريخ التشيع والشيعة من حيث هي جماعة سياسية عايشت المظلومية التاريخية عبر ما يقارب الالف عام، ربما يستطيع تلمس الدوافع الايديولوجية للسلوك السياسي لدى الشيعة.
على سبيل المثال- حكم الاتراك المنطقة اربعة قرون عملوا خلالها على عزل الشيعة تماماً عن كل المؤسسات المؤثرة في مسار الحكم والدفاع عنه. نفس هذا النسق من العزل كان قائماً حتى في ايران ايام الشاه رضا وابنه محمد رضا بهلوي بين الحكومة في طهران والحوزة العلمية الشيعية في قم.
لقد مارس الشاه كل فنون الحرب النفسية والادارية والقانونية والامنية ضد الحوزة العلمية الشيعية، فما كان على الحوزة الا ان ترص صفوفها برفقة قوى المجتمع السياسي في ايران لتغيير الوضع هناك تغييراً جذرياً لصالحها 1978- 1979. هذه الحالة من العزل والنبذ التي مارسها الشاه ضد الحوزة في قم هي التي حولت الشيعة الى حضن دافئ لكل الحركات الثورية المعارضة في العراق بما فيها الحركة الشيوعية في العراق.
ولأن آلة التغيير كانت 1978، هي الثورة الشعبية المليونية كان من الطبيعي ان تمر الثورة الاسلامية في ايران بالمراحل الطبيعية التي تمر بها أية ثورة في عالمنا المعاصر.
ومن الطبيعي ان تمر الثورة من حيث هي عملية انتصاف تاريخي وبناء داخلي بثلاثة مراحل- مرحلة الاستنفار الثوري، يليها مرحلة بناء الدولة، تليها مرحلة التواصل مع الخارج… حدث هذا في كل الثورات، بما فيها بالطبع الثورة الاسلامية في ايران. وكانت 1978- 1979، في التجربة الايرانية هي المرحلة الاولى، وكانت 1988- 1992، هي المرحلة الثانية، وكانت 1992- الآن، هي المرحلة الثالثة ولا زالت مستمرة. سنلاحظ ان المرحلة الاولى طالت اكثر من المراحل الاخرى وذلك لسببين وجيهين، الحرب التي قامت مع العراق والتأييد العربي غير المشروط للعراق وبالاخص تأييد منظومة دول مجلس التعاون الخليجي.
هذه العوامل هي التي ساهمت في تعزيز الاحساس بالمظلومية في ايران المؤثرة في ولاءات واتجاهات الجمهور السياسي هناك. وكان من الطبيعي وسط ذلك ان يتكون البناء المنطقي مع مسوغه الشرعي للتشدد على كل مستوى، كرد فعل طبيعي لمثير قائم وفعال.
ثمة مشكلة اخرى تعترض الفهم الموضوعي بين العرب والفرس وبالتالي تعيق لدى العرب الفهم الموضوعي لايران، وتتكون المشكلة من منظومة الادراكات المتبادلة بين الطرفين Mutual Perceptions والتي ساهمت في تكوينها مشكلة اللغة، وحقيقة ميزان القوى، وطغيان الاعلام الغربي في تشكيل المرئيات العربية ازاء ايران، واخيراً وليس آخراً التفسير الضيق لحركة الفتح الاسلامي لايران، كما هو وارد في الادبيات الايرانية…
فاللغة المختلفة بين ايران والعرب لازالت تمثل معيقاً كبيراً نحو تحقيق النهج المشترك، ومن الجدير بالذكر هنا، ان الجمهورية الاسلامية الايرانية خطت خطوات كبيرة نحو حل هذه المشكلة من خلال الاستعانة بعدد من الخبراء العرب في هذا المجال، لجلب مدرسين عرب لتدريس اللغة العربية في مدارس ايران وللاشراف على تنفيذ قرار جبرية اللغة العربية في المناهج التعليمية الايرانية. ولم تبذل الاقطار العربية رسمياً، الجهد المطلوب في هذا المجال بالرغم من اهميته كبوابة هامة من بوابات اذابة الجليد بينها وايران.
كما اننا نلاحظ، ان طغيان الاعلام الغربي في صوغ المرئيات الخليجية ازاء ايران يلعب دوراً خطيراً وسلبياً في سياق العلاقات العربية بايران. فكثير من العرب يتابعون الشؤون الايرانية من خلال الاعلام الغربي ويتأثرون كثيراً بمحتواه وايحاءاته، ويأخذون كل ما يتم عرضه في هذا المجال مأخذ الجد على انه مؤشر موضوعي من مؤشرات الوضعية الايرانية ، وما لم يستقل العرب في مصادرهم المعلوماتية والتحليلية للشؤون الايرانية، فانهم سيظلون رهائن الطغيان الاعلامي الغربي ، وقد يحل جزء من هذه المشكلة عبر السماح للصحف الايرانية بالبيع في السوق العربية وبخاصة الخليجية، سواء الناطقة منها باللغة الفارسية او العربية او الانكليزية… ثم لدينا ملاحظة تتردد في التفصيل حولها وهي الادراك الفارسي Persion perception للرمزية العربية، اذ تشيع في المخيال الايراني صورة للعربي على انه الفاتح الغازي المقتحم الذي لا يبالي بالموروث الفارسي، ويبدو ان هذه الصورة قد ترسخت عبر الزمن وخاصة في مرحلة الشاه محمد رضا بهلوي ووالده من قبله مما يعيق بالطبع الفهم الموضوعي بين الطرفين العرب وايران، ويظل بالطبع العامل الطائفي المذهبي يشكل عائقاً تحتياً وراسخاً في مجال العلاقات بين ضفتي الخليج، الضفة الفارسية الشيعية والضفة العربية السنية، لكن لو اخضعنا هذا العامل للتحليل الموضوعي واستعرضنا جهود الضفتين في حرصهما على العلاقة مع المجالات الدولية الخارجية عن الملة اصلاً لتبين لنا ضرورة تجاوز هذا العامل من حيث هو معيق للعلاقات الطبيعية بين دول حكمت الجغرافيا والتاريخ على ضرورة جبرتهما.
في هذا الاطار، بين دوافع الايديولوجيا وكوابح الاستراتيجيا… تتحرك ايران، احياناً تنجح وتارة تخفق كأية دولة طبيعية في عالمنا المعاصر.
* التنافر العرقي والديني
تكمن جذور العداء العربي – الايراني العرقي والديني في قهر العرب لايران في القرن السابع الميلادي، مع ذلك فان الانتصار العربي العسكري على ايران لم يرافقه انتصار ثقافي كما انه لم يلغ رغبة الايرانيين بالاستقلال. وهكذا، وعلى الرغم من اسلام ايران الا ان العرب والايرانيين بقوا منعزلين عرقيا وثقافيا. ويعتقد العديد من العرب ان احتضان ايران للمذهب الشيعي يعتبر – مؤامرة ايرانية ضد الاسلام – واضاف هذا عنصرا تمزيقيا اخر للعلاقة العربية – الايرانية.
مع ذلك لم تكن العلاقات العربية – الايرانية عدائية دائما. فقد تعاون الشعبان بشكل وثيق في تنمية الثقافة الاسلامية. ولكن موقف العرب الامتلاكي ازاء التراث الثقافي الاسلامي بما في ذلك الجزء المنسوب الى الامم غير العربية ولا سيما الايرانيين، قد جعل حتى هذا المظهر من العلاقات العربية – الايرانية عاملاً تمزيقياً.
وباختصار خلقت الانقسامات العرقية والدينية بين العرب والايرانيين بمرور السنين توترات اساسية ادت الى قوة التأثير التمزيقي للعناصر الاخرى وتم استخدامها اما لتفسير او لتبرير السياسات العدائية.
واثناء عهد الشاه فسر العديد من العرب السياسات الايرانية بلغة ميول ايران التوسعية فقد وصف الرئيس الراحل صدام حسين حربه ضد ايران بانها دفاع الامة العربية ضد الفرس العنصريين. فقد تحدى صدام حسين حتى صفات ايران الاسلامية ووصف الايرانيين بالمجوس.
* القوميات المتصادمة
بعث ظهور القومية الثقافية والسياسية في ايران وفي الوطن العربي خلال القرن التاسع عشر الخلاف العربي- الايراني القديم. لقد حاول العرب والايرانيون بعد مواجهتهم لتحدي الغرب اكتشاف جذور تدهورهم. وخلال بحثهم اكتشف الشعبان تلوث ثقافتيهما بالعوامل الاجنبية واعتبار ان ذلك هو السبب الرئيس في التدهور وبداية عملية التطهير الثقافي. وكانت النتيجة بالنسبة للعرب والايرانيين هي ظهور التطرف القومي الذي ادى الى العداء المتبادل بينهما.
في البداية لم يشكل ظهور القومية السياسية عاملاً مسبباً للخلاف، ولكن مع تحقيق الاقطار العربية استقلالها تحولت القومية العربية من حركة معادية للاستعمار الى حركة قومية عربية تهدف الى توحيد ما عرف بالامة العربية.
لقد اصبحت القومية العربية في مرحلتها الثانية من النمو عاملاً تمزيقيا متطرفاً في العلاقات العربية – الايرانية، حيث تقع الارض العربية التي يسيطر عليها الاجانب في الخليج العربي الذي اصبح ايضاً مركزاً للقومية الايرانية.
وهكذا… ومع حديث الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر عن اقامة دولة عربية واحدة تمتد من المحيط الاطلسي الى الخليج العربي، كان الايرانيون يحلمون باستعادة حقوق ايران التاريخية في الخليج بما في ذلك الجزر المقابلة للبحرين التي كانت ايران تسيطر عليها ولو بدرجات متفاوتة، وفي فترات متقطعة في الايام السابقة للاستعمار.
وهكذا وقفت القوميات العربية والايرانية ذات الابعاد التحريرية الوحدوية وجها لوجه في الخليج العربي. بدأ العرب يطلقون على الخليج الفارسي – المصطلح المستخدم في الادبيات الايرانيةـــــــــ تسمية الخليج العربي واعادوا مطالبتهم بـ عربستان والمحمرة ( خوزستان ) . وشجبوا هجرة الايرانيين الى الامارات العربية في الخليج، وتم اتهام ايران بخلق فلسطين اخرى في الخليج العربي. والاكثر من ذلك بدأ عدد من الاقطار العربية وبشكل خاص مصر ثم العراق فيما بعد حملة منظمة ضد علاقات ايران السياسية والاقتصادية مع مشايخ الخليج العربي. وردت ايران على ذلك بالتأكيد على نواياها الحسنة ازاء مشايخ هذه المنطقة.
وباختصار فان ظهور القوميتين العربية والايرانية في وقت واحد وتركيزهما على الخليج العربي وميولهما التوسعية والوحدوية والتحررية.. اصبح المصدر الاساسي للتوتر العربي – الايراني ولعدم الاستقرار في هذه المنطقة.
لم يغير مجيء الثورة الاسلامية الصورة في هذا المجال. فبالاضافة الى شن نظام الملالي حرباً ضد القومية في الداخل اتبع سياسة ازاء الخليج مشابهة الى درجة مذهلة لسياسة النظام الشاهنشاهي. فعلى سبيل المثال، لم تحول الجمهورية الاسلامية اسم الخليج “الفارسي” الى الخليج الاسلامي كما توقع العديد من المراقبين وبقي الايرانيون حساسين جدا من اسم هذا الممر المائي.
بالاضافة الى ذلك، ومع ان الجمهورية الاسلامية لم تذكر انها ستلعب دور الشرطي في الخليج العربي الا انها اكدت دائماً على دور ايران الخاص في المنطقة ورفضت اي منظمة اقليمية لا تضم ايران.
* الخلافات حول الارض وتحديد الحدود
كان المصدر الثالث للتوتر في العلاقات العربية – الايرانية هو الخلافات طويلة الامد بشأن الارض وتحديد الحدود، ومعظمها متأصلة في تاريخ كلا الشعبين الايراني – العثماني والاستعمار البريطاني في المنطقة. وباستثناء الخلاف الايراني – العراقي حول السيادة على شط العرب والخلاف بين ايران ودولة الامارات العربية حول جزر الخليج العربي الثلاثة وهي ابو موسى وطنب الصغرى وطنب الكبرى، فان الخلافات الاخرى حول الارض قد تمت تسويتها.
ولكن كما توضح في صد العراق لعدوان ايران في ايلول 1980، ودعم ايران للانقلاب الفاشل في البحرين سنة 1981، لم تعد المصالحة جذورا عميقة ، واستمرت المطالبات والمطالبات المضادة بالظهور مجدداً في اللحظات المناسبة. وهكذا فان ضعف ايران، دفع العراق لان يؤكد سيطرته الكاملة على شط العرب وتحرير خوزستان (عربستان والحمرة).
ونحن هنا لسنا بصدد الدراسة التفصيلية لجذور هذه الصراعات ووضعيتها القانونية. ويكفي ان نقول ان الخلافات على الارض كانت سبباً كبيراً للصدام في العلاقات العربية – الايرانية ولو ان الايرانيين قد ارتكبوا اخطاء معينة مثل احتلال جزر الخليج العربي الثلاث الا انهم اظهروا قدرة كبيرة على قبول التسوية كما هو الحال بالنسبة لقضية البحرين. وبالعكس اظهر بعض العرب قلقاً اكبر مع الاحتفاظ بمطالبهم وواصلوا جهودهم لتحويل الخليج العربي الى بحيرة عربية بالكامل.
وبالتالي، ومع عدم وجود جهود مخلصة من الجانبين لحسم هذه المطالبات والى الابد (ما عدا بعض التعديلات الصغيرة مثل اعادة ايران للجزر الثلاث وقيام السيادة العراقية – الايرانية المشتركة على شط العرب) ستستمر الخلافات النشطة او الكامنة في كونها الاسباب الاساسية للصدام في العلاقات العربية – الايرانية.
* عامل الايديولوجية
خلال السنين الثلاثين الاخيرة كانت الصلة الايديولوجية – او الافتقار اليها – وموقف ايران والاقطار العربية ازاء التنافس والصراع بين الشرق والغرب قد قرر بشكل كبير طبيعة واسلوب علاقاتهم.
كقاعدة عامة ، كان لايران علاقات مناسبة وودية مع الاقطار العربية ذات الايديولوجية المنسجمة. وبالطبع لم تكن علاقات ايران مع هذه المجموعة من الاقطار العربية خالية من التوتر دائماً بل على العكس ادت بعض العوامل كتلك التي تناولناها آنفاً في بعض الاحيان الى صدامات حادة في هذه العلاقات. ومع ذلك فقد خلقت الافضليات الايديولوجية المشتركة والمواقف المشتركة ازاء الصراع والتنافس بين منظومة الدول الشرقية والدول الغربية وقتها حوافز لكلا الجانبين لتجاوز الخلافات الاخرى. فعلى سبيل المثال، خلال العهد الملكي في العراق وخاصة بعد انضمام ايران والعراق الى حلف بغداد احتفظ البلدان بعلاقات ودية مع بعضهما البعض. ومع ان هذا لا يعني ان باستطاعتهما حل جميع خلافاتهما الا انه يشير الى الرغبة في ذلك. وعلى اية حال لم يسمح لهذه الخلافات ان تعرض العلاقة ككل للخطر.
وبنفس الطريقة كان لايران علاقة وثيقة مع الاردن والمغرب وتونس وعلاقات ودية بصورة عامة مع العربية السعودية واقطار الخليج الاخرى. وكذلك فان التحسن في العلاقات المصرية – الايرانية خلال عهد السادات يعود الى التغيير في اتجاهات مصر الايديولوجية وموقفها ازاء الصراع بين الغرب والشرق، وليس الى اي تصرف خاص من جانب ايران.
كذلك يبين التغيير في نموذج العلاقات العربية – الايرانية منذ قيام الثورة الاسلامية الاهمية المستمرة للعامل الايديولوجي وخاصة المواقف ازاء الصراع والتنافس بين الشرق والغرب. نتيجة لذلك تحتفظ ايران في الوقت الحاضر بعلاقات طيبة مع سوريا والعراق بينما لها علاقة متوترة مع بقية الاقطار العربية الاخرى. ومع ذلك فهناك اختلاف في الوضع الحالي لان ما يربط ايران مع سوريا والعراق هو معاداتهم المشتركة لامريكا ــــــــــ على الاقل ظاهريا ــــــــــ بدلا من الحب المشترك لروسيا بينما كان السبب في السابق هو الصداقة المشتركة مع الولايات المتحدة التي ربطت ايران مع الانظمة العربية المحافظة.
كان تأثير هذه العوامل على العلاقات العربية – الايرانية قوياً جداً بحيث انها حجبت قضية علاقات ايران مع اسرائيل والخلافات حول الارض والمصاعب الناجمة عن القوميات المتصادمة، فعلى سبيل المثال، لم تكن ايران مع اسرائيل ولو انها عامل مثير للغضب، عائقا، لا يمكن التغلب عليه في علاقتها الودية مع الاقطار العربية ذات التفكير المشابه لها. لم تحسن سياسات ايران المعادية لاسرائيل في فترة ما بعد الثورة علاقتها مع الانظمة العربية المحافظة الموالية للغرب.
وبالعكس، فان التشابه في المواقف بالنسبة للتنافس بين الولايات المتحدة وروسيا قد جعل سوريا حافظ الاسد (التي كانت تعارض دائما احتلال ايران لجزر الخليج الثلاث) تتغاضى عن استمرار احتلال ايران لهذه الجزر.
مع ذلك اعتمد التعاون العربي – الايراني لحد الان قبل وبعد الثورة على الملائمة والموافقة. وبالنتيجة لم تتمكن حتى الصلة الايديولوجية والتشابه في المواقف ازاء الصراع بين الولايات المتحدة وروسيا من حل القضايا الاخرى التي تدعو الى التمزق.
* متغيرات مؤثرة
خلال الثلاثين سنة الماضية كان للمتغيرات في النظام الدولي وفي الشرق الاوسط العربي تأثير كبير على العلاقات العربية ــــــ الايرانية. ومن اهم هذه المتغيرات في المنطقة اقامة دولة اسرائيل وظهور المشكلة الفلسطينية. والمتغير المهم الاخر المتعلق بالظروف المحلية لاقطار الشرق الاوسط العربي.ولكن الشيء الذي اثر كثيرا في العلاقات العربية – الايرانية هو الرابطة المتزايدة والتداخل بين الخليج العربي وبقية الاقطار العربية.
ان هذه العملية التي بدأت في اوائل الستينات والتي ازدادت حدة منذ ذلك الوقت تعود جزئيا الى تغيير التركيز الوطني العربي الى الخليج العربي، مما ادى الى المساهمة الفعالة للوطنيين العرب في سياسات الخليج العربي.
ان وجهة نظر الوطنيين عن الخليج العربي كمعقل للقوة الغربية وايمانهم بان السيطرة الغربية قد جردت العرب من اهم ثروة لديهم وهي النفط ادى الى زيادة مساهمتهم بالسياسة الخليجية.
وهكذا اصبح ازاحة النفوذ الغربي من الخليج العربي هدفاً اساسياً للراديكاليين العرب، واذا اخذنا بنظر الاعتبار وجهة نظرهم الخاصة عن حكام الخليج كعملاء للغرب فمن الضروري اجراء تغيير في زعامة هذه الحكومات واصبح ذلك جزءاً من ستراتيجية الراديكاليين في المنطقة.
في ظل هذه الظروف اصبحت ايران، اكبر دول الخليج العربي الساحلية والعضو في التحالف الموالي للغرب وذات العلاقات الودية مع اسرائيل، ذات علاقة بحسابات الراديكاليين العرب كما تم اعتبار ايران عائقا في طريق تحقيق اهداف الراديكاليين واصبح ضروريا تغيير في زعامتها.
وفي الوقت نفسه اعتبرت ايران الراديكاليين العرب خطرا على امنها وعلى الخليج وبدأت سياسة لمواجهة نفوذهم. وتفاقم هذا الامر بسبب احداث اواخر الستينات وبداية عقد السبعينات من القرن الماضي وخاصة بعد حرب 1973 وصدمة النفط التي تلت ذلك مما جعل ايران متعلقة بشكل اكثر واكثر بالقضايا التي تهم الوطن العربي والعكس بالعكس.
لقد ادت الحرب العربية – الاسرائيلية لسنة 1967 الى تغيير توازن القوى العربية ازاء الراديكاليين وذلك بتقليل تأثير مصر وقدرتها على استخدام القوة العسكرية من اجل تحقيق اهدافها. وفي الوقت نفسه تحسن الوضع المالي لعدد من الاقطار العربية المحافظة وخاصة السعودية والكويت بسبب التغييرات في سوق الطاقة العالمي. وكانت النتيجة مساهمة اكبر للحكومات العربية المحافظة في الصراع مع اسرائيل اي زيادة اندماج الخليج العربي ببقية الوطن العربي. وفي الوقت نفسه ادى التحسن في المواقف العسكرية والاقتصادية لايران في بداية السبعينات الى توسع علاقاتها الاقليمية والمحلية واصبحت متعلقة بشكل متزايد بالسياسات العربية.
لقد ادى قرار الانكليز سنة 1968 بالانسحاب من الخليج العربي وتسلم ايران لدورهم في الخليج الى زيادة تدخل ايران في السياسات العربية. ومن اجل الحصول على الموافقة العربية لدورها القيادي في ايران تبنت ايران موقفا اكثر موالاة للعرب بالنسبة للصراع العربي – الاسرائيلي. ومع ان هذا الموقف الجديد ساعد ايران نوعا ما على تحسين علاقتهما مع العرب المحافظين الا انه اقنع ايضا العرب الراديكاليين بان مشكلة ايران لا يمكن فصلها عن القضايا الاخرى المهمة بالنسبة لهم في سياسات الشرق الاوسط العربي.
ازدادت العملية المزدوجة للترابط الاقليمي المتداخل والتدخل الايراني في السياسات العربية بعد ثورة 1973 النفطية. وقد ادت زيادة العائدات النفطية الى وجود سياسة خارجية ايرانية اكثر حركية في الشرق الاوسط العربي من خلال استخدام المساعدات المالية والقوة العسكرية، وساعدت ايران مصر ماليا وتدخلت عسكريا في عمان ضد ثوار ظفار. وبصورة عامة قدمت ايران الدعم الى الانظمة المحافظة والموالية للغرب اعتبارا من الخليج العربي وحتى شمال افريقيا.
وهكذا بدأت القوى العربية الراديكالية تنظر الى ايران كعائق اكثر خطورة في طريق تحقيق اهدافها واستهدفوها لاعمال التخريب. لقد اصبحت معاداتهم لايران وجهودهم لالحاق الاضطراب فيها مصادر اساسية لعدم الاستقرار في الخليج العربي ولو ان ثورة ايران تمت من الداخل بصورة اساسية الا ان التخريب العربي الراديكالي عجل في مقدمها.
ومنذ قيام الثورة الاسلامية ازداد تداخل ايران مع الاقطار العربية مع ازدياد نفوذها على المستوى الشعبي هناك.
لقد ادى تغيير سياسة ايران ازاء اسرائيل وكلامها المعادي للصهيونية والامبريالية وتأكيدها على الاخوة الاسلامية وتقليل تأكيدها على القومية الى تغيير رأي العديد من العرب بايران، مما ادى الى تقليل العداء العربي- الايراني، كذلك فان تشجيع ايران لاستخدام اللغة العربية في ايران والروابط الثقافية الاكثر وثوقا مع العرب ذوي التفكير المتشابه قد جعل الوطن العربي اقرب وصولا بالنسبة لايران، مما اعطى ايران دورا اكثر فعالية واهمية في المجموعة العربية.
بالاضافة الى ذلك، استمرت ايران في اتباع سياسة نشطة في الخليج على الرغم من اعلانها عن شجب دور الشرطي فيه. مع ذلك ففي هذه المرة نرى ان سياسة ايران موجهة ضد الوضع الراهن في المنطقة وضد كل من يؤيد الانظمة العربية المحافظة وحلفائها الغربيين. ونتيجة لذلك وعلى عكس ما كانت عليه سابقا تغيرت ايران من كونها هدفا للتخريب الراديكالي الى مصدر لمثل هذا التخريب.
* السياسات العربية والتنافس في المنطقة
يوضح ما ذكرناه سابقا كيف ادت التغييرات الخارجية والداخلية في ايران والاقطار العربية الى تقوية التداخل بينهم. وهذا بدوره جعل العلاقات العربية- الايرانية حساسة لمد وجزر السياسات العربية بما في ذلك التنافس العربي من اجل السلطة. كذلك اثرت طبيعة السياسات العربية على العلاقات العربية- الايرانية بشكل اخر ايضا حيث زاد على تأثير العوامل الداعية للتمزق وقلت فرص التسوية وتحسن العلاقات.
ويعود ذلك الى حقيقة ان الوطن العربي له روح سياسية معينة لا يستطيع اي زعيم سياسي تجاوزها ولو ان هذه الروح قد لا تؤثر في صنع السياسة باي شكل حقيقي.
ويتعلق اقوى تأثير لهذه الروح في الوطن العربي بالفلسفة الوطنية العربية. فعلى سبيل المثال من المستحيل على اية حكومة عربية ان تكون ضد الوحدة العربية والدمج الاقتصادي العربي وما شابه ذلك ولو انه من الناحية العملية لا تتبع هذه الحكومات سياسات تعزز هذه الاهداف. والمظهر الآخر للروح العربية الوطنية هو الحاجة الى اثبات الشخصية العربية للخليج العربي والحصول على الاعتراف الدولي، لذلك لا يستطيع اي قطر عربي (حتى لو كان يرغب في ذلك) ان يظهر ضد هذا الموقف بدون الحاق الضرر بصفاته الوطنية العربية.
ان هذه القضية مع سعي الاقطار العربية لاستعادة الحقوق العربية لفلسطين قد اصبحت اختبارا للشرعية بالنسبة للحكومات العربية.
وبالنسبة لمواقف ايران ازاء الخليج العربي فقد كانت سببا مستمرا للصدام وعائقا خطيرا للتعاون بين ايران والعرب الذين يقتربون منها بالتفكير.
على سبيل المثال، اثناء الفترة السابقة للثورة عندما كانت ايران تساعد عرب الخليج العربي ضد الراديكاليين العرب، كان موقفهم ضد هذه القضية سببا للصدام مع ايران. وهم كانوا سعداء لان تدخل ايران العسكري في سلطنة عمان ساعد على كبح التأثيرات الراديكالية والتمزيقية في الخليج العربي ولم يكن هناك بديل عربي عن القوات الايرانية. ولكن العرب ما يزالون يعترضون على التدخل الايراني لاسباب تتعلق بالسياسات العربية والا لتم اعتبارهم شركاء للتوسعية الايرانية ضد الامة العربية. وبنفس الطريقة فشلت العديد من المحاولات لتنظيم جهاز امني مشترك في الخليج العربي – يضم ايران والاقطار العربية- بسبب عدم رغبة العرب لانضمام الى تحالف مع ايران يضفي الشرعية على دورها في الخليج العربي. مرة اخرى كان الخوف من ردود الفعل العربية الراديكالية عاملا اساسيا.
لم يؤد تحالف الجمهورية الاسلامية مع سوريا (حافظ الاسد) وليبيا (القذافي) الى اعترافهما بالحقوق الايرانية في الجزر الثلاث المتنازع عليها في الخليج ولم يغير وجهة نظرهما فيما يخص الشخصية العربية للخليج العربي. ومن المحتمل جدا ان تصبح هذه النقطة في المستقبل قضية للخلاف في علاقتهما مع ايران.
اما على المستوى العملي فان دعم ايران لمجموعة من الاقطار العربية ضد مجموعة اخرى وذلك بتحسين موقع القوة للاخيرة سيؤدي حتما الى تدهور علاقاتها مع الاقطار العربية المتنافسة الاخرى.
ان بحث ايران والعرب عن القوة والهيبة هو مصدر صدام بينهما وساهم في عدم الاستقرار في الخليج العربي. على سبيل المثال ، لم تكن معارضة ايران للنفوذ المصري في الخليج فقط بسبب راديكالية /ناصر/ التي تشكل خطرا امنيا على ايران ولكن ايضا لان الوجود المصري الكبير في الخليج كان سيحدد نفوذ ايران في المنطقة. والشيء نفسه ينطبق على العراق ومع انه اذا اخذنا بنظر الاعتبار الخلافات الخطيرة وطويلة الامد بين القطرين، فان العامل الامني كان وما يزال الاهم. وكذلك فان دعم سوريا لايران في حربها مع العراق كان يعود جزئيا الى رغبتها في تقليل نفوذ العراق في الوطن العربي.
ومع زيادة ثروتها اصبحت العربية السعودية ايضا طرفا منافسا في لعبة القوى في المنطقة. وبالطبع لا تمتلك السعودية تراث ايران الامبراطوري ولا امكانياتها كقوة. وهكذا الى تصرفاتها بنفس المنظار الذي يستخدم مع ايران.
ومع ذلك فان الرغبة في تعزيز نفوذها في الخليج العربي والبحر الاحمر يعتبر عاملا مهما في سياسة السعودية الخارجية. وفي الواقع وبسبب الروابط القبلية والدينية وغيرها تعتبر السعودية الخليج العربي مجال نفوذها الطبيعي.
لقد استاءت السعودية دائما من غزوات ايران الى داخل مجالها في الفترات السابقة للثورة، على سبيل المثال كان السعوديين يكرهون روابط ايران مع دبي وجهودها للحصول على موطئ قدم في اليمن ولقد حاول تقليل نفوذ ايران في باكستان، ولو ان ايران في ذلك الوقت لم تشكل اي خطر على السعودية او امن الخليج.
واليوم، تقول الحكومة الاسلامية ان الادعاءات السعودية حول تهديدات ايران لامن السعودية والخليج مجرد اعذار لوضع جميع اقطار الخليج العربية تحت السيطرة السعودية ومهما كانت هذه الادعاءات والادعاءات المضادة فان المنافسة من اجل الحصول على القوة في المنطقة كانت وستبقى سبباً للصدام في العلاقات العربية – الايرانية ومصدرا محتملا لعدم الاستقرار في الخليج العربي.
* تأثير سياسة القوى العظمى
اثرت السياسات المحددة التي اتبعتها الولايات المتحدة وبقية القوى العظمى الاخرى على العلاقات العربية الايرانية الى حد كبير خلال الخمسينات. فعلى سبيل المثال اثرت السياسة الامريكية الخاصة ببناء التحالفات حول حدود الاتحاد السوفيتي السابق على علاقات ايران مع عدد من الاقطار العربية. فأستخدمت مصر وغيرها من الاقطار العربية الراديكالية الاخرى فيما بعد عضوية ايران في حلف السنتو كسبب لتصرفاتهم المعادية لايران. وبنفس الطريقة اعتقد العديد من العرب ان علاقات ايران مع اسرائيل عبارة عن نتيجة ثانوية لتحافها مع الغرب. فقد اعتاد جمال عبد الناصر ان يدعي انه لو تمكن مصدق من البقاء لكان موقف ايران ازاء اسرائيل قد تغير.
خلال السبعينات ساهم الاستخدام الامريكي للحلفاء في المنطقة لحماية المصالح الغربية في زيادة التوتر العربي- الايراني. ان تأييد واشنطن لسياسة ايران الهادفة الى ان تصبح قوة مهيمنة في الخليج العربي وحامية للمصالح الغربية جعلها هدفا للتخريب العربي الراديكالي وساهم في انهياراها الاخير. كذلك غدت هذه السياسة ميول ايران التوسعية. ومع الاخذ بنظر الاعتبار الفرق الشاسع في المساحة والسكان والقوة العسكرية لايران واقطار الخليج الاخرى خلقت هذه السياسة التوتر في علاقات ايران حتى مع العرب الذين يشبهونها في طريقة التفكير وذلك باثارة اسوأ مخاوفهم من ايران الفعالة والقوية. وكذلك فان قرار بريطانيا السريع بالانسحاب من الخليج العربي قبل حل الخلافات المحلية وصياغة هيكل امني قابل للتطبيق قد ساهم في زيادة التوتر العربي – الايراني وعدم الاستقرار في المنطقة.
وبالطبع فان سياسة الاتحاد السوفيتي السابق المتعلقة بمد نفوذه في منطقة الخليج والبحر الاحمر (كما كان واضح من معاهدته الامنية مع العراق سنة 1972) ودخوله الى اليمن (الجنوبية قبل الوحدة اليمنية) ودعمه للثورة في ظفار ووجوده في الصومال كانت عاملا مهما اخر. فان بعض السياسات الايرانية التي تهدف بشكل اساس مواجهة التحدي السوفيتي مثل التدخل في عمان قد ادت الى توتر العلاقات العربية- الايرانية.
اما اليوم فان صلة الولايات المتحدة الوثيقة مع السعودية واقطار الخليج الاخرى – اضافة الى مصر والاردن وبعض اقطار افريقيا الشمالية تعتبر سببا للتوتر بينها وبين ايران. وبنفس الطريقة فان اي سياسة امريكية او غربية لدعم اي قطر في المنطقة او مجموعة من الاقطار للقيام بدور ايران القديم وكبح التخريب الايراني والراديكالي من جهة اخرى سيؤدي الى زيادة التوتر العربي – الايراني والى زيادة عدم الاستقرار في المنطقة لان اي قطر سيقوم بدور ايران القديم سيصبح هدفا لاعمال التخريب الايرانية وغيرها كما كانت ايران خلال السبعينات وربما قد يواجه نفس المصير الذي واجهته ايران سنة 1979.
وبالطبع كان الامر الاساس وراء هذا كله الصراع العربي – الاسرائيلي والمشكلة الفلسطينية والسياسة الامريكية الخاصة بالدعم الكامل لاسرائيل الذي كان له تأثير كبير على المواقف والسياسات في الشرق الاوسط بما في ذلك العلاقات العربية – الايرانية والاستقرار في الخليج العربي.
* مرتجيات
ان التوتر العربي – الايراني كانت له دائما اسباب مضاعفة وكذلك اكدت وجهة النظر القائلة بان تداخل هذه العوامل وليس واحدا منها كان السبب في هذا التوتر، والاكثر من ذلك فقد اثبتت الدراسات بأن الاختلافات الايديولوجية والاختلاف في المواقف ازاء الصراع بين القوى الكبرى قد قرر في النهاية حالة العلاقات العربية – الايرانية.
واوضحت الدراسات كذلك بان العداء التاريخي والعرقي والديني بين الايرانيين والعرب قد خلق عنصرا دائما مثيرا للغضب في علاقتهما الثنائية مجسدا التأثير الذي يدعو للانشقاق للعوامل الاخرى ومقللا فرص التعاون. فالرد العربي على صلات تركيا مع اسرائيل كان الطف بكثير من ردهم على العلاقة بين ايران واسرائيل. وبنفس الطريقة لم يكن للخلاف العربي – التركي حول اقليم الاسكندرونة نفس التأثير على العلاقات العربية – التركية كما كان للخلافات الاخرى تأثير على العلاقات العربية – الايرانية. وكذلك فان العديد من الاقطار العربية شعرت براحة اكبر وهي تقبل بمساعدات الاقطار غير العربية مثل باكستان اكثر مما لو كانت المساعدات من ايران.
ونستطيع القول انه بالنسبة للمستقبل القريب فان درجة معينة من التوتر في العلاقات العربية – الايرانية امر لا مفر منه. مع ذلك يجب ان لا يتحول هذا الى عداء نشط ويصبح سببا لعدم الاستقرار في المنطقة. ان الاعتدال من جانب العرب والايرانيين وتجنب بعض السياسات المعينة من جانب القوى العظمى واتخاذ القرار بشأن الخلافات الكبيرة في المنطقة يمكن ان يساعد كثيرا في حل التوتر العربي – الايراني.
فيما يلي بعض المرتجيات التي اذا تم الاخذ بها ستؤدي الى تقليل التواترات العربية – الايرانية وخطر عدم الاستقرار في منطقة الخليج العربي.
1. يجب على العرب والايرانيين الاعتدال في دوافعهم الوطنية والتـأكيد على مجالات المصلحة المشتركة بدلا من تأكيدهم على مجالات الصراع، ففي ظل ظروف مناسبة يمكن ان يكون الاسلام عاملا يجمع الطرفين. ومع ذلك ولكي يصبح ذلك امرا ممكنا يجب ان يغير العرب موقفهم التملكي نحو الاسلام والاعتراف بمساهمات ايران في تطوير الثقافة الاسلامية وعليهم ايضا ان يقبلوا بدور مهم لايران في العالم الاسلامي سواء اتفقوا مع ايران ام لا. ومن المحزن ان نرى ان بعض مظاهر الثورة الاسلامية المستوحاة بشكل اساسي من الافكار الشاذة لبعض رجال الدين بما في ذلك عداؤهم لامريكا قد قدمت عناصر جديدة للتوتر في علاقات ايران مع عدد كبير من الاقطار العربية في الوقت الذي ازالت فيه من تقليل ايران لاهمية القومية وتغيير موقفها ازاء اسرائيل بعض الاسباب الخطيرة للصدام الايراني – العربي.
2. على العرب والايرانيين ان يتخلوا نهائيا عن مطالبتهم بالارض وان يعترفوا بالحدود المعترف بها دوليا.
3. على ايران ان تتبنى سياسة عدم التدخل في الشؤون العربية الداخلية وان تبتعد عن الخلافات العربية. وعلى العرب من جانبهم ان يعترفوا باهمية الخليج العربي بالنسبة لبقاء ايران السياسي والاقتصادي والقبول بدور في المنطقة يتناسب مع حجمها وسكانها.
4. باستطاعة العرب والايرانيين ان يخفظوا التوتر في علاقاتهم وذلك بتبني مواقف ايجابية وغير منحازة وذلك يقلل من تأثير الصراع بين الشرق والغرب على علاقاتهم.
5. يجب تجنيب سياسات القوى العظمى الخاصة باستخدام وكلائهم في المنطقة – ايران او العرب – قدر المستطاع لحماية مصالحهم مما يزيد التوتر العربي – الايراني وخطر عدم الاستقرار في الخليج .
6. يجب ان تحاول البلدان الغربية حماية مصالحها الحيوية مثل التدفق النفطي الحر وفق القانون الدولي وبالاساليب الدبلوماسية. واذا ظهرت الحاجة لاستخدام الحل العسكري فمن الافضل استخدام قواتهم بدلا من قوات اقطار المنطقة.
7. يجب على الغرب عدم التحيز في الخلافات حول الارض بين دول المنطقة مع احترام الحدود المعترف بها عالميا وشجب استخدام القوة لتسوية الخلاف حول الارض وغيرها. وبصورة خاصة يجب ان لا يحاول شراء تعاون دول المنطقة بدعم مطالبهم ضد الدول المجاورة لهم.
8. يجب ان يشجع الغرب وجود توازن عسكري تقريبي بين ايران وجيرانها العرب ومن الافضل يكون ذلك على مستوى واطئ من الاستعداد العسكري.
وقد وضحت الحرب الايرانية – العراقية كيف يمكن ان تؤدى حالاتا عدم التوتر العسكري المفترض او الحقيقي الى الصراع. ولهذا وفي هذا الاطار يجب ان يشجع الغرب ويساعد التعاون الامني والدفاعي بين الاقطار العربية في الخليج . مع ذلك يجب حماية المؤسسات الدفاعية لهذه الاقطار كي لا تصبح مجرد وسائل للستراتيجية الغربية فقط كما كان الحال في ايران.
9. يجب ان يكون للغرب تقدير افضل للصلة الوثيقة والتداخل بين الاحداث في الخليج العربي وبقية الشرق الاوسط وتبني سياسة موحدة ازاء المنطقة كلها. وبصورة خاصة يجب ان تفهم الاقطار العربية جيدا تأثير المشكلة الفلسطينية والسورية والعراقية على امن اقطار الخليج. فبدون حل لهذه المشكلة ستكون جميع الاقطار الموالية للغرب في الشرق الاوسط – سواء ايران او العرب – معرفة للافكار الراديكالية والعمليات التخريبية المباشرة.
10. واخيرا يجب ان يدرك الغرب ان نمو الميول المتطرفة في ايران او بين العرب له علاقة كبيرة جدا باعتقادهم بان النظام الدولي يعتمد على التمييز ولا يستجيب لاحتياجاتهم وهكذا فانه على اية سياسة ستساعد في حل مشاكل المنطقة الاجتماعية – الاقتصادية العديدة وتغير نظرة السكان الى النظام الدولي، ان تخفف التوترات في المنطقة بما في ذلك التوتر بين ايران والعرب.
وباختصار، كان للتوتر العربي – الايراني دائما عدد من الاسباب المحددة. ولكنه ايضا عكس ديناميكيات عالمية ومحلية اوسع، فاذا اراد الغرب ان يتعامل بفعالية مع هذا التوتر فسيحتاج سياسات رصينة في السنوات القادمة وسيكون للتفسير الغربي البسيط للتوتر المؤدي الى سياسات بسيطة نتائج سلبية على الاستقرار في الخليج العربي والمصالح الغربية.
* المراجع
1- شيرين هنتر – العلاقات العربية – الايرانية والاستقرار في الخليج الفارسي، مجلة واشنطن كورترلي (الولايات المتحدة)، صيف/ 1984، ترجمة محدودة التداول، مركز البحوث والمعلومات، مجلس قيادة الثورة، بغداد، 1985
2- عبد الله فهد النفيسي – الخليج، امريكا، ايران… ماذا والى اين؟ جدلية العلاقة بين ايران ومنظومة مجلس التعاون الخليجي، جريدة الاتحاد (الامارات العربية)، السبت 29/ ايار/ 1999
[email protected]