إنّها ليست عملية توقيعِ عقدٍ ودفعِ صكٍّ وثمَّ إدخال الأسلحة في حاوياتٍ وشحنها بحراً حتى تصل السفن في التأريخ المحدد و ” اليوم الموعود .! ” , فالمسألةُ اعقد من العُقَد الشائكة ومتشابكةٌ اكثر من الأسلاك الشائكة الملتفّةِ على بعضها .
عنوانُ المقال هنا ليس بموضوعٍ نقديٍّ , او مقالٍ نقديٍّ – ساخر , إنما هو اختزالٌ لأثقل الأعباء المحمّلة على اكتاف رئيس الوزراء حيدر العبادي والتي تفرض عليه السير بأوزانها لمسافاتٍ طويلة ملآى بالمطبّات والكتل الأسمنتية السياسية ” المحلية الصنع ” , بالأضافةِ الى قسرية المرور في ” جيوبٍ هوائيةٍ ” مُصنّعة على الأرض وفق المتطلبات الدبلوماسية ومداخلاتها الدولية والأقليمية . ولا تدخل ولا تخرج هذه الكلمات من بوابة السفسطة , وإذ أنّ الهدف الرئيسي المُعلن لزيارة العبادي الى واشنطن هو طلب تزويد العراق بأسلحة نوعية ومحددة تتطلبها ظروف المعارك الدائرة مع داعش , وثمّ الطلب أن يكون دفع اثمان الصفقة بالآجل ” ويتحكّم الأمريكان بنسبة الفائدة التي سيفرضوها ” , وأنّ الادارة الامريكية تريد من رئيس الوزراء العراقي ضمانات موثّقة بأن لا تتسرّب الأسرار الفنية لبعض هذه الأسلحة الى جهةٍ اخرى .! ثمّ , أنّ التقليد الأمريكي يفرض موافقة الكونغرس على الصفقة خلال فترة شهر واحد , وعلى ادارة اوباما إقناع الجهات المعارضة في الكونغرس على التصويتِ لتمرير صفقة الأسلحة هذه ” وكلّ هذا والمعارك تشتعل على اوجها في اكثر من جبهة في العراق ” , ولعلّ الأهم من كلّ ذلك هو ما انتشر في نشرات الأخبار ” والزيارة لم تكتمل بعد .! ” بأنّ الرئيس اوباما يصرُّ على العبادي بأن لا تشترك الميليشيات في المعارك التي سوف تُستخدم فيها الأسلحة الأمريكية المطلوبة < والصعوبة تكمن هنا كيف سيضمن العبادي ” لاحقاً ” عدم اشتراك الميليشيات في القتال وخصوصاً اذا ما أصرّ بعض قادة هذه التنظيمات على دخول المعركة وفرضوا انفسهم فرضاً , وكيف سيكون موقف رئيس الوزراء جرّاء ذلك وجرّاء تعهده أمام الرئيس الأمريكي حول هذه المسألة او المعضلة > وهذه بعض الأعباء الثقيلة في مهمة العبادي في واشنطن , ولربما هنالك أمورٌ سريّةٌ اخرى من غير المسموح للإعلام الإطّلاع عليها ..
منَ البديهياتِ والمسلّماتِ الأولية ” بل اقلّ من ذلك ” في العلوم العسكرية أن يجري ويغدو تجهيز الأسلحة وذخائرها بكمياتٍ مفتوحةٍ وهائلة لأيّ معركةٍ يراد خوضها قبل إعداد ورسم الخطط التعبوية والتكتيكية والستراتيجية للمعركة وبحيث تكون الأسلحة وذخيرتها ” تحت اليد .! ” في حالة إطالة المعركة من قِبل العدو او في حال التقدّم والتوغّل في عمق اراضي العدو , وايضا في ظرف الإضطرار للأنتقال الى وضعٍ دفاعيٍ صعب لكنه لا يعني الأستسلام بأي شكلٍ من الأشكال , وبدونِ كلّ ذلك او بدون تهيئة مستلزمات واستحضارات المعركة فمن الأفضل عدم التفكير فيها اصلاً .! وهذا الكلم يجرّنا جرّاً الى اليوم العاشر من حزيران 2014 حين سقطت الموصل بأيدي الدواعش ” وهم كانوا متغلغلين قبل ذلك التأريخ ” وكان حينها نوري المالكي هو القائد العام للقوات المسلحة وبقي في منصبه لعدة شهورٍ بعد ذلك التأريخ الى أن جرت ازاحته , فلماذا لمْ يوفّر ويهيئ ويجهّز ذلك القائد العام مستلزمات ومتطلبات المعركة مع داعش منذ ذلك التأريخ .!؟ وليس المالكي وحده وانما كبار القادة العسكريين الذين اختارهم للتحكّم بالمؤسسة العسكرية ” بدءاً من وزير الدفاع سعدون الدليمي – الضابط الصغير في جهاز الأمن في النظام السابق ومروراً بِ : < فريق أوّل على غيدان , وفريق اوّل قنبر , والفريق مهدي الغراوي > وغيرهم ممّن يجري استجوابهم الآن في قضية سقوط الموصل , الم تكن فترة وجودهم على رأس القيادة العسكرية كافية ” الى أن جرى انتخاب العبادي ” ليوفّروا للقطعات العسكرية الأسلحة والذخيرة المطلوبة لخوض المعركة وخصوصاً أنّ اسعار النفط لم تكن قد هبطت آنذاك مثلما الآن , وذلك يعني توفّر الأموال والمليارات الهائلة في زمن المالكي , ولا ريب أنّ هذا من الأسئلة التي تصعب إنْ لمْ تستحيل الأجابة عليها في المدى المدى المنظور على الأقل .!
وفي الحديثِ عن السلاح والتسلّح , فصحيحٌ أنّ سوق السلاح مفتوحة لمن يطلب , وهنالك دول وشركات تجهد في تسويق وتصدير اسلحتها بل أنّ بعضها يساعد ويسبب على نشوب المعارك في دول العالم الثالث بغية تصريف اسلحته , لكنّ العراق مرغمٌ الآن في استيراده المتأخر للسلاح الأمريكي , وليس بسبب أنّ الولايات المتحدة هي اللاعب الرئيسي في قضية العراق فحسب , وإنما لأنّ الأمريكان هم من يتحكمون في الغارات الجوية على داعش من نواحٍ عددية ونوعية واخرى ايضا , ولو كانت للحكومات العراقية المتعاقبة ” بعد الأحتلال ” وخصوصا في سنوات المالكي , علاقات حسنة مع الدول العربية وانفتاح عام على المحيط العربي فلربما انهالت المساعدات العسكرية العربية على العراق ولكانت نسبة المشاركة في العمليات الجوية العربية ضد داعش اعلى بكثير مما هي عليه الآن , وقد لوحظ الكمّ الهائل من التأييد العربي في انتخاب العبادي رئيساً للوزراء , وقد كان ذلك تأييداً لإسقاط المالكي اكثر مما هو دعما للعبادي الذي لم يكن من الممكن التعرف على سياسته تجاه عموم الموقف العربي آنذاك .
وإذ من الصعب الجزم الآن او التكهّن بما ستستغرقه
المعارك مع داعش في اكثر من جبهة , ومع الحاجة الماسّة لتأمين متطلبات القصف والأستطلاع الجوي ” وطنيا وامريكيا ” , فيبدو – فيما يبدو – في الآفاقِ القريبة أنَّ هنالك اعتباراتٌ سياسيةٌ خاصّة ” حزبية واقليمية ” تحدُّ من حرية الحركة للعبادي في التعامل المجرّد مع المتطلبات الجوهرية لإنجاح المعركة مع تنظيم الدواعش , وهنا تكمن إرادة وكفاءة رئيس الوزراء في استقلاليةِ قراره وتساميه عن اية اعتباراتٍ اخريات مهما كانت .!