السخرية تكمن في المشهد السياسي العراقي؛ ان جميع القوى التي ترفض الوجود الامريكي اليوم في العراق هي من هللت وطبلت واعطت صك على البياض للطبقة الحاكمة في الولايات المتحدة الامريكية لاحتلال العراق. يومها كنا في الحزب الشيوعي العمالي العراقي الطرف الوحيد في المعارضة العراقية وقف بحزم ضد مشاريع البيت الابيض ومؤتمر لندن السيء الصيت عام ٢٠٠٢ الذي حضره قطبا الاسلام السياسي الشيعي وهما حزب الدعوة والمجلس الاسلامي الاعلى لشرعنة غزو العراق وتقسيمه على الاسس القومية والطائفية. حينها قالوا عنا جواسيس صدام حسين وازلامه وعملائه. وعندما احتل العراق كان جميع الاقطاب والشخصيات والقوى التي تزعق اليوم وتغضب من الوجود الامريكي، تتسابق وتهرول الى باب بول بريمر الحاكم المدني للاحتلال، للحصول على قسمة في مجلس الحكم الذي ضم المبشرين، ليس بجنة الاخرة بل بنعيم الدنيا وهو النفوذ والامتيازات والسلطة، وكل حسب دعمه وولائه لجرائم القوات الامريكية والبريطانية وحلفائهما في العراق، حينها ايضا شرعنا بالعمل لطرد القوات الامريكية في العراق وعبر جميع الوسائل، بينما كانت نفس القوى مشغولة بالقتل على الهوية والتطهير الطائفي لتحسين مواقعهم في السلطة والاستحواذ على اكبر قدر ممكن من حصص الفساد الاداري والسياسي والمالي، التي مهدت لانضمام الحلبوسي والخنجر دون اي عناء واية معارضة الى الصف الوطني لينشد الجميع وبجوقة واحدة انشودة “موطني” في البرلمان المشغول اليوم بالوجود الامريكي. والجدير بالذكر ان خميس الخنجر هو احد عرابي الاخوان المسلمين في المنطقة ويقطر طائفية من قمة راسه حتى اخمص قدميه.
لكن سرعان ما تتبدل الولاءات وخاصة باتت القوات الامريكية تشكل خطرا على قلعة الاسلام السياسي الشيعي في ايران وبالتالي يعني تهديد الوجود السياسي لسلطة الاسلام الشيعي في العراق، والتي توسل المالكي لها اي للقوات الامريكية بأعادة انتشارها بعد سقوط الموصل على يد داعش. الم نقل ان عراق ما بعد داعش سيختلف كليا عن عراق ما قبل داعش، وقلنا ايضا ان جميع المعادلات السياسية ستتغير، وها نحن على عتبة تصفية الحسابات المتأخرة في عراق ما بعد داعش.
ان سياسة اشغال الجماهير بالوجود الامريكي وبعدم وجوده، وبشرعية وجود القوات الامريكية من عدم شرعيتها، هي اجندة سياسية ليس لها اية علاقة لا بسيادة العراق التي تحولت الى يافطة مخرومة، وحتى من يرفعها يشكك بمعانيها وصدقيتها. فالسيادة بالعرف البرجوازي وبقوانينه الدولية منتهكة وبشكل سافر في العراق، فمعسكرات تركيا التي نصبت دون اذن من احد في شمال العراق، وقطع المياه بين الفينة والاخرى على الانهر من قبل الدول المحيطة بالعراق، وقتل الاسماك وتصفية المعارضين السياسيين من قبل المخابرات الدولية ودخول عصابات داعش وخروجها وكل المنظمات الارهابية التي تحذو حذوها عبر الحدود دون اي ترخيص، وعشرات الامثلة الاخرى تدل بان لا سيادة للعراق. بينما هناك من يتباكى على سيادة العراق التي انتهكت ودون موافقة مجلس الامن عندما غزت القوات الامريكية العراق عام ٢٠٠٣.
ان سلطة الاسلام السياسي الشيعي، تجد بإشغال جماهير العراق بالوجود الامريكي بمثابة بطاقة يانصيب للتنصل من مسؤوليتها من جميع عمليات السرقة والنهب والفساد التي قامت بها، وهي فرصة مناسبة لابعاد الانظار عنها والتحجج بطرد جميع القوات الاجنبية من العراق. بينما كان الوجود الامريكي نفسه من سمح وبخطة واضحة ومدروسة لنهب ثروات جماهير العراق من قبل سلطة القوى الاسلامية الشيعية التي نصبت بحراب المارينز الامريكي، ووضعت جماهير العراق تحت خط الفقر وتحت خط الحضارة والمدنية وتحت خط الادمية في حياتها المعيشية وتحت خط التقدم والتطور.
ان الصراع الامريكي-الايراني يلقي بضلاله على كل المشهد السياسي العراقي، وان رجالات القوى السياسية في البرلمان مشغولون اليوم بتعديل اتفاقية الاطار الاستراتيجي بين العراق والولايات المتحدة الامريكية لانهاء الوجود الامريكي بينما تعد ميليشياتهم العدة لتسخين اجواء الحرب والتصفيات استعدادا لتهيئة الساحة العراقية للمبارزة بين طرفي الصراع اي الامريكي-الايراني. انها تريد ان تدفع جماهير العراق ثمن حرب امريكا وايران في العراق من دمائها وامنها وسلامتها ومعيشتها. انها لم تكتف وطوال هذه السنوات بإعادة حياة جماهير العراق الى ما قبل القرون الوسطى على صعيد الخدمات والرفاهية والتوقعات الانسانية، بل يريدون اليوم من الجماهير ان تدفع ضريبة ذلك الصراع الذي لا ناقة ولا جمل للجماهير فيها.
ان سلطة القوى الاسلامية الشيعية ليس لديها اية مشكلة مع كل سياسات امريكا في العراق التي فاقمت من افقار المجتمع العراقي ونقصد مشاريع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وخصخصة جميع مرافق الحياة كي تتنصل الدولة من جميع مسؤوليتها تجاه المجتمع، بل شرعت هي بتأسيس المدارس والمعاهد والجامعات والمستشفيات وشركات الطيران الخاصة التابعة كل واحد منها الى هذا الحزب او ذاك. ان مشكلتها تكمن مع تهديدات الوجود الامريكي للجمهورية الاسلامية في ايران. اي ان الوجود الامريكي محل ترحاب وضيف كريم اذا لم يهدد قلعة الاسلام السياسي الشيعي في العراق. اي بعبارة اخرى ان مفهوم السيادة مثل بقية المفاهيم الواردة في الدستور، وهي مطاطية وكل واحد يفسرها حسب زمان ومصالح القوى المتصارعة عليها.
وكلمة اخيرة بهذا الصدد، ان سيادة الانسان في العراق منتهكة، كرامته وقيمته، حريته وامنه وامانه. ان سيادة الانسان في العراق تعلو فوق كل شيء، ويجب العمل على الحد من انتهاكها.