استاذه ضحى احمد اديبه سوريه
د.محمد فتحي عبد العال كاتب وباحث مصري
سَأعيشُ رَغْمَ الدَّاءِ والأَعْداءِ كالنِّسْر فوقَ القِمَّة ِ الشَّمَّاءِ
أَرْنو إِلَى الشَّمْسِ المضِيئّة ِ..،هازِئاً بالسُّحْبِ، والأمطارِ، والأَنواءِ
لا أرمقُ الظلَّ الكئيبَ..، ولا أَرى ما في قرار الهَوّة ِ السوداءِ…
وأسيرُ في دُنيا المشاعِر، حَالماَ، غرِداً- وتلكَ سعادة ُ الشعراءِ
أُصغِي لموسيقى الحياة ِ، وَوَحْيها وأذيبُ روحَ الكونِ في إنْشائي
وأُصِيخُ للصّوتِ الإلهيِّ، الَّذي يُحيي بقلبي مَيِّتَ الأصْداءِ
وأقول للقَدَرِ الذي لا يَنْثني عن حرب آمالي بكل بلاءِ:
هكذا أنشد شاعرنا الكبير أبو القاسم الشابي بأسم بروميثيوس بطل اسطورتنا اليوم
بروميثيوس أو بعيد النظر كما يعني اسمه كان من حكماء التايتن فقد امتلك القدرة علي التنبؤ بالمستقبل -وقد أهلته خصاله لاختيار زيوس ملك آلهة اليونان له ولاخيه ابيمثيوس لتزويد الكائنات الحية بالادوات التي تكفل لهم البقاء والحركة والحياة …لم يكن ابيمثيوس عادلا حينما منح الحيوانات كل الهبات كالفراء الذي يغطي أجسادهم ليقيهم من البرد وحاسة السمع الكبيره التي تمكنهم من التقاط وتمييز الاصوات البعيدة بالاضافة الي سرعة العدو والرؤية عن بعد فضلا عن أسلحة طبيعية كالانياب والقرون تأمن لهم الزود عن أنفسهم ..أنهي ابيمثيوس تشكيل الحيوانات بكل سرعة بينما أستغرق بروميثيوس المزيد من الوقت في تشكيل البشر مما افقدهم الكثير من الصفات التي فازت بها الحيوانات …
حزن بروميثيوس لرؤية البشر يقاسون برد الشتاء ولا يملكون الادوات التي تمكنهم من التصدي للمخاطر علي عكس الحيوانات من حولهم فقرر ان يجلب لهم النار التي تساعدهم في الدفء وفي صنع الادوات لقطع الاشجار والصيد أضافة الي العديد من مواهب آلهة الاوليمب وأثينا مثل فنون العمارة واستخراج المعادن وعلم الفلك والارقام والحروف الهجائية والتداوي وذلك علي غير رغبه زيوس الذي لم يشأ امتلاك البشر للمعرفه وهو السلاح الذي يمكنهم من مجابته في يوم من الايام ..
كانت الهبات التي منحها بروميثيوس للبشر علي غير رغبة زيوس وكانت البداية لتصدع العلاقة بينهما فحذره من مغبة الاستمرار في هذا الفعل ومما اجهز علي هذه العلاقة خداع بروميثيوس لزيوس حتي يحتفظ بالنار للبشر فقدم قربانين اهداهما لزيوس والالهة كان أحدهما قطع من اللحم مخبأة داخل امعاء ثور اي شيء طاهر في غلاف كريه والقربان الاخر كان عظام ثور مغلفة في شحم ودهن اي شيء خبيث في تغليف مبهر فأختار زيوس والالهة القربان الثاني مما أمن للبشر الاحتفاظ باللحم …غضب زيوس وحرمهم من النار مما افقد أبناء اثينا من البشر الكثير من المميزات فعادوا للحياة البدائية كالعيش في الكهوف والبرد والظلام …
شق علي بروميثيوس ذلك وقرر مناشدة زيوس العفو والسماح بالنار دون جدوي فقرر بروميثيوس تحدي ارادة زيوس والدخول في مواجهة معه وسرقة النار من جبل اولمب فأستطاع التسلل الي مدخل سري لمكان النار المقدسة في جبل اولمب وسرقة شعلة العلم والمعرفة ليخرج ابناء اثينا من الكهوف المظلمة الي الحياة المدنية مرة أخري..
فثارت ثائرة زيوس وحكم علي بروميثيوس بالعذاب الأبدي فأمر بتقييده بالسلاسل الي صخره ثم أطلق عليه نسرا عملاقا متوحشا يسمي اثون ناهشا كبده ..كان بروميثيوس يقاسي من اجل البشر مقدما أول فكرة في التاريخ الانساني للفداء وكان عزاءه الوحيد هو الحياة السعيدة التي كفلها للبشر وأمله في أن يخرج من نسل زيوس من يقتل النسر ويخلصه من عذابه..
قرر زيوس ان يعاقب البشر وأن يفسد عليهم حياتهم الجديدة بخلق المرأة فأعطاها هيفاستوس الجسد وأثينا قوة التحمل وافروديت السحر فيما منحها هيرميس العقل وبعض الصفات السلبية كالكذب والمخادعة ومن هذه الهبات الالهية المتنوعه تشكلت المخلوقه الحسناء باندورا اي التي منحت كل شيء.
اهدي زيوس المخلوقه الجديدة باندورا الي ابيمثيوس شقيق بروميثيوس برفقه صندوق حافل بالشرور والامراض مكتوب عليه لا تفتحه حاول بروميثيوس إثناء اخيه عن قبول هدية زيوس متوقعا ما تحمله من شرور لكن ابيمثيوس أحبها وملكت فؤاده …فضول باندورا ورفض ابيمثيوس لفتح الصندوق دفعها الي فتحه في غيابه لينطلق منه كل الشرور كالفقر والنفاق والمرض والجوع فحاولت اغلاقه ولكن كان قد فات الاوان انها الصورة المصغرة لادم وحواء عبر الحضارات وتحميل المرأة مغبة خروج البشر من النعيم الي الشقاء والمكابدة ..
تحققت نبوءة بروميثيوس فقد خرج من نسل زيوس بعد ثلاثة عشر جيلا البطل هرقل الذي يحرر بروميثيوس ويقتل النسر ..
انزعج زيوس من افلات بروميثيوس من العقاب فقرر اغراق البشر بطوفان كبير لكن بروميثيوس تنبأ بالطوفان وافضي بأمره الي احد الصالحين وهو ديكاليون وبيرها زوجته واللذين قدر لهما النجاة من الطوفان وانجبا ولدا سمياه هيلين ومنه انتسب اليونانيين الهيلينيين …في نهاية الاسطورة يغفر زيوس لبروميثيوس الا انه يشترط عليه ان يصنع خاتما من الحديد يذكره دوما بعقابه ومن يومها الي الان والبشر يصنعون الخواتم لهذه الذكري..
لقد تحولت قصة بروميثيوس والفداء والسعي الي الخلاص والمعرفة واحدة من القصص الهامة في الميثولوجيا كما صارت ملهمة للعديد من الفلاسفة والشعراء والمفكرين الذين تباروا في تقديمها في قوالب مختلفة تحمل دلالات فكرية شتي فنجد مسرحية بروميثيوس مكبلا للشاعر الاغريقي ايسخيليوس وباليه مخلوقات بروميثيوس لبيتهوفن ومسرحية بروميثيوس حرا للشاعر بيرسي شيلي ولوحة بروميثيوس للفنان أوتو غرينييه.