17 نوفمبر، 2024 3:21 م
Search
Close this search box.

اسطنبول العربية

ربما لا يعرف السلطان محمد الفاتح ان “القسطنطينية ” التي فتحها سنة 1453 م ، ويومها كانتعاصمة البيزنطيين ستكون يوما .. الاجمل والابهى من بين مدن العالم .
هي عشق السلاطين التي تمناها نابليون والفرنسيون عاصمة لامبراطوريتهم ، وهي حزن اليونانيين ، وما غادر مخيلتهم ، وهي ايضا .. قرة عين الاتراك ، بعد ان استقرت في عواطفهم ، وعيونهم ، وعقولهم .
مدينة لاتمل ، ولاتكل ، نصفها اوربي ونصفها اسيوي ، كل مافيها جميل ، شوارعها العريضة ، وبزاراتها العتيقة ، ومتنزهاتها الفريدة ، وزهورها التي طرزت كل مكان فيها .. القطط تستأنسها ، والكلاب تأويها .. والنوارس لا تفارقها والسياح يرفعون القبعة اعجابا ، لحاضرها وماضيها .
كأنها امرأة من حرير .. ترتدي فستانا شفافا يبهر الناظر والعسير .. هي مثل ملكة الجمال .. يبهرك كل مافيها من خصال ..حتى بائع الدوندرمة ، يدهشك بحركاته .. بعد ان يلويها بخفة وكمال .
مدينة .. تجبرك على التسكع في اناء الليل واطراف النهار .. من دون هدف ولا إشعار ، تحبها بشغف ، وتعيش فيها بترف معلوم ، يحبها الثري المتخوم ، والمتسكع المحروم .. ويمكن لك ان تصبح سلطانا عظيما بخمسين ليرة ، بعد التقاط صورة بملابس السلاطين ، لتعود بذاكرة الدولة العثمانية .. التي حكمت العالم لمئات السنين .
مدينة .. يعيش فيها اصناف البشر ، من الغني ، الى الفقير ، ومن عزيز القوم الى الخفير .
ما ان تغادرها تفكر بالعودة اليها ، مرات ومرات .. حتى تطلب الاقامة فيها ، كأمنية من اجمل الامنيات .
السفر .. الى مدن الحضارة والجمال .. مثل اسطنبول وباريس وروما .. وغيرها من عواصم الأنسان ، انها لحظة تأمل خاطفة ، تشعر بقيمة النظام والأمان ، وبقيمة المكان والزمان ، وتحس بالفارق .. بين العيش في عواصم عربية شبعت من الموت ، والكبت والمرض .. وبين اسطنبول ، جنة الله على الارض .
تتجول في شوارعها ، وتقف امام مساجدها .. فتجد خط الثلث العربي يطرز مداخلها و واجهاتها ، وجوامعها الموسومة بالاسماء العربية لاعظم الفاتحين والمؤسسين صممها المعمار سنان ..لتكون اجمل من كنائس الروم البيزنطيين .. جامع محمد الفاتح ، وسلطان احمد ، وسليم ، ومراد والسلطان سليمان القانوني ، لتكون آية للمسلمين على ممر السنين .. كما كان الحرف العربي ، والختم العربي ، ضالة الحاكم والمحكومين .

بعد اندلاع الحرب العالمية ، وانهيارالدولة السنية ، ومجيء حزب “الاتحاد والترقي” واختيار مصطفى كمال اتاتورك رئيسا لجمهورية تركيا الحديثة ، وسقوط الباب العالي ، وعزل عبد الحميد الثاني عن الخلافة و الخليقة .. كانت اول القرارات ” الأتاتوركية ” استبدال الحروف العربية ، بحروف لاتينية ، والمجيء بلغة تركية هجينة .. ثلثها اذري ، واخر عربي ، وثالثهما اعجمي .
كان الاتراك يكتبون لغتهم بالحروف العربية.. في المدارس والجامعات و الدوائر الرسمية .. وفي سنة 1928 تم احداث “هيأة اللغة التركية ” مهمتها استبدال الحروف العربية بحروف لاتينية ، بأمر من حاكم الرعية ، مصطفى كمال اتاتورك ، صاحب الطلة البهية .. و وضعت الهيأة سقفا زمنيا .. من خمس الى عشر سنين زكية .. لكن الجنرال اتاتورك المستعجل بأمره ، جعلها ثلاثة شهور قصية .. بل زاد على ذلك .. اشتراكه بحملات التوعية اللغوية.. وكأنه يقول لمواطنيه .. “وداعا لموروث ومخلفات الدولة الأسلامية ” بعد ان اغلق المدارس الدينية ، ومنع الاذان باللغة العربية .. حتى جاء عدنان مندريس ، الفائز بالانتخابات البرلمانية ، وسط الخمسينيات .. والذي توج رئيسا للوزارة التركية ، متخذا قرارات تأريخية بأستعادة الهوية الاسلامية .. لكنه لم يستمر بسياسته الدينية .. حوكم وشنق لمخالفته الدستور وتعاليم الدولة العلمانية .
التحول .. من الدولة العثمانية ، التي كانت مهيمنة على اجزاء كبيرة من الكرة الارضية .. الى جمهورية فتية ، خلق تحديات ومشاكل للراعي والرعية .. بسبب استبدال الابجدية التركية ، والمغامرة بقوانين غبية .
منذ عام 1860 وبعد دخول المطابع الى الولايات العثمانية ، بدأت فكرة تغيير الأبجدية التركية .. بعد ان تنوعت الحروف المستعملة .. بين ايغورية ومانوية وصينية .. الى ان استقرت عند اللغة العربية .
ان الذي يتجول داخل المدن التركية .. يرى نقوش الحروف العربية ، على اقدم البنايات العثمانية .. مثل بناية البريد والتلغراف .. وعلى قبب الجوامع ، والصوامع التركية .
بمجيء حزب” العدالة والتنمية” سنة 2002 وبروز الشخصية الأردوغانية ، وسط التسعينيات كعمدة للمدينة الاقتصدية .
لم تكن اسطنبول بهذه الحلة الجمالية قبل مجيء اردوغان .. معه تألقت المدينة وتنظفت من نفاياتها واصبحت تنافس العواصم الاوربية ، بعد ان نشطت السياحة الاجنبية والعربية ، وتكدست الأستثمارات السياحية والبيئية ، وبدأت الحياة في المدن التركية ..
وتحركت معها من جديد ، الحاجة الى المترجمين في اللغات الاجنبية والعربية .. في المتاحف ، والفنادق والمطاعم ، والاسواق والمتاجر ، والملاهي الليلية ..
وصرنا نلاحظ ونقرأ لوحات باللغة العربية على واجهات الصيدليات والمقاهي والمطاعم العربية ، حتى اصبحت اللغة العربية ثالث لغة بعد التركية والانجليزية .. وكان لوجود الاشقاء السوريين اثرا وطعما .. مما خلق منافسة واحتكاك بين الاتراك ، والجالية السورية .. خلقت معها بعض المظاهر العنصرية .
ما يقارب خمسة ملايين عربي يقيمون على الاراضي التركية .. ثلثان من سوريا ، والبقية من عرب افريقيا الشمالية .. اما الجالية العراقية فهي حديثة العهد بالاقامة والعمل والتمتع بالاجواء التركية .. اغلبهم من المتقاعدين ، اشتروا عقارات واستقروا في اسطنبول وسكاريا وسمسون وطربزون ، وانقرة وانطاليا وألانيا ويلوه .. لكن موجة ارتفاع الاسعار ، وتشديد قوانين الهجرة على الاجانب والمقيمين .. جعلهم يعيدون حساباتهم من وقت لأخر وسط ذهول الاجراءات الاردوغانية .. ولكن اين المفر .. وفي العراق لامستقر ولا تطمين .. بعد ان تحكم بأمره .. ثلة من اللصوص ، والقتلة و المجانين ..& / دمتم

أحدث المقالات