حزمة من ضوء واهن تعوم وسط غرفة مصدرها السراج القديم المضمخ بالدخان . ولم تزل هي رغم النعاس الذي أثقل كاهلها ، تهدهده بذالك الشغف الغريزي ..
تود لو تحتضنه كل لحظة وتقبله . كان صغيرها أبن الشهور الستة مصاب بإلتهاب معوي حاد وقد عجف جلده تماما .. وفارقت سحنة وجهه ملامحها الملائكية ..
قالوا : أن هزه بالمهد يبعث في نفسه الراحة والسكينة .. نظرت إلى ضوء السراج المحتضر فترقرقت في عينها دمعة ، هاهو اليوم الرابع يطل ووليدها على حالته السيئة . وهناك في مكان ما أطفال ينعمون بالصحة والعافية ، وجوههم متوردة وبكاؤهم السعيد سبيل الحياة على محيا أمهاتهم .
تذكرت كلام زوجها قبل حين ( الله يعوضنا ) فتشبثت به أكثر وكأن حكم الموت قد صرّح به ، وعلى غفلة منها سوف تصادر النفس البريئة ..
صار لأنكسارضوء السراج على مقلتيها ألتماعة لكرات تدحرجت من الدمع .. نظرت من حولها تلتمس الروح الطاهرة البقاء ، فألفتها تغادر بسلام حقيقي ، وصمت طفولي رائع ، كان لفيفاً من الكرامة المفرطة والإباء .
كانت كل الأشياء الفقيرة من حولها تبكي . الدواء الذي عجز عن منح الشفاء ، السراج بدخانه الأسود ، أواني الطعام المعدنية ، الغرفة الطينية برمتها وهي تضم الدخان عند ألواح الجريد المضفورمن القصب .
وتحتضر الإنسانية وهي ترفع من شأن المستبد ، والوطن الذي فقد سمته في أحتواء مواطنيه .
– في المشفى قالوا : أن الدواء شحيح ..!
– أكيد أن هناك صفقة كبيرة لشراء الذمم ..
– في المشفى قالوا : أن هناك موكب تشييع ..!
– أكيد أنه يريد كمية من الأطفال .
– في أرض الوطن هنالك تواطؤ فئوي خطير ، واستلاب لأبسط حق من حقوق الإنسان .
حريات مصادرة ..
وغصةلاتوصف..