هاهي العراق تعود شامخة معززة مكرمة بفعل تعاضد ابناءها وجيرانها من الاشقاء وتغليب العقل ومنطق الاموربعد جفوة بينها وبين جوارها بفعل ما اظهرته من خصال طيبة تعكس مدى مصداقيتها- مصداقية تبهر الخيال . حيث منذ القدم يتغنى العرب في خطابهم اليومي بكرمهم وكرم اجدادهم وينفردون بضرب الامثال بكرم شخصية عربية شهيرة وهي شخصية حاتم الطائي العراقي الاصل والهوى وقصصه.هذه الشخصية التي كانت تعيش في بيئة سخية وكريمة ذات نهرين غنية بمواردها وما جلبته من خيرات مياه نهريها دجلة والفرات وشطها شط العرب حيث ملتقى النهرين في مدينة البصرة المزينة بحلاوة هذا المنظر البيئي الجميل التي حباها الخالق به. الا انها اصبحت مطمع الناظرين والحالمين من طرف اعدائها الاجانب فتعرضت لويلات الحروب وحصل الذي حصل وتاريخها معروف للقاصي والداني. ولكثرة احداثها نساها وتناساها الناس لاشتعال نيران الصراعات المجنونة .
يقال ان الشعوب عندما تغلب على امرها تفقد عزتها وكرامتها كما روى لنا عسكري امريكي في الاعلام الغربي انه بعيد اندحار النازية في المانيا ان الالمان كانوا يجمعون اعقاب سجائر الجنود الامريكان ليدخنوها وهم ينتظرون في طوابير للدخول الى دور السينما . ها هم اهل العرق و اهل البصرة برغم المصائب يحولون بيوته الى فنادق مجانية ويشاركون ضيوفهم واجبات الغذاء اليومية بالمجان مع الترحيب الحار المتميز في هذا العرس الرياضي الكبير–خليجي25 . هل هناك كرم اروع من هذا الكرم يا سادة؟ عندما يقول مستضيف لضيفه اجعل لك احدى عيني فراشا والاخرى غطاءا لتتغطى بها . هكذا تغنى جمهور البصرة باستقبال ضيوفهم.
والجدير بالذكر انه في الاحداث السلمية الكبرى كالمهرجانات والبطولات والانتصارات الاخرى على وجه الخصوص تسلط الاضواء على مقام الحدث ويزوره الزائرون بعد غيبة طويلة منذ زمن اجدادهم حيث يستذكر الاحفاد الزائرون ما كانت تدورحول المقام من قصص ويستذكرون خصائل اهلها الذين لم تغيرهم مآسي ونكبات الزمن القاسي ووجدوااهلها اكثر كرما وجودا ومحبة بضيوفهم مما جعل الزائرين مستغربين كيف لم تجلد الحروب والمآسي قلوب هؤلاء الناس ولم تعزز فيه الحقد والكراهية على غيرهم بل على العكس زادت طيبتهم عن الحدود المتاحة والقدرة المتاحة كيف رجعت البسمة الى وجوه الناس بعد الفواجع.
من يزور بلاد النهرين هذه الايام كمن يبحث عن كنوز التآلف والقرابة والشوق للاحبة ويجدها وفعلا يجدها كما رواها الاجداد . انها الانسانية باجمل صورها انها الحب الخالص للغير انها الحياة كما يبغيها للانسان نعم هكذا العراق وبئسا لتجار الحروب ولوعاظ الفتن ولاخبث الاشرار ومنشدي الخراب. نعم يعود العراق الى احضان عروبته ونبذ الطائفية نعم عاد احبابنا وونتمنى ان يدوم الوصل وتصمت افواه الفرقة ونعيش بعذوبة العلاقة بيننا هذه كعذوبة النهرين وشطهما. نعم زال الشر واصبح المكان آمن وتقابل الاخوة باخوتهم وشخمت النخيل وغردت الطيور وكثر الخير وتهدمت اسوار العزلة.
ومن يتصفح مواقع التواصل الاجتماعي – هذا المولد الحديث العهد- يجد انها غطت وطفحت خيرا بصور جميلة تحكي لنا كيف لنا كجيران اهمال هذه الكنوز بفعل اعلام مزيف وكاذب واحيانا مدفوع الثمن.
ما اردنا قوله هو ان الاصيل يبقى اصيلا مهما كانت قساواة الزمن علية ومهما كانت شدة الظلم عليه ويبقى متمسكا باصالة قومه ومحافظا على الخصائل المحببة عند الناس التي تطبع بها اسلافه بالرغم من قساوة ظروف . الا ان الدرس المستخلص هو ان لايصدق المرء ما يقال في هذا الزمن الردئ وانما يحاول ان يوسع افقه ويترك مجالا للامل وبعدها يجرب واذا اكتشف كذب الكاذبين عليه ان يردم هوة الفراق ويبني جسور المحبة ويعبد طرق الامل ويشيد ما يزهر الحياة. ثقوا يا ساداتي هذا كلام من الصميم وليس كلام انشائيا لوصف جريح يتعافى.