23 ديسمبر، 2024 11:25 ص

استقلال كوردستان والاعتراض المصري والعربي الغير مبرر

استقلال كوردستان والاعتراض المصري والعربي الغير مبرر

الطرف العربي مبدع في صناعة الاعداء.
على مر سنوات الصراع الاسرائيلي العربي نجحت اسرائيل في توظيف سلاح الاعلام للإيقاع بالحكومات العربية في مواقف لا تخدم مصالحها القومية سواء في الصراع المباشر معها او في علاقاتهم الدولية مع محيطهم , لافتقار الطرف العربي الى الحنكة السياسية في توجيه ردود افعاله بشكل ايجابي في المعارك الاعلامية , ما ادى الى انحسار دوره في المنطقة وتقوقعه على نفسه . وآخر هذه المعارك الاعلامية ما صرح به مسئولون اسرائيليون بتعاطفهم مع الطموح الكوردي في الانفصال عن العراق ودعمهم لتشكيل دولة كوردية .

ولان المنطق السياسي يقول بان المواقف السياسية الحقيقة يمكن ترجمتها بشكل عملي دون الافصاح عنها اعلاميا كما حصل , فان التصريحات الاسرائيلية كانت رسائل موجهة الى دول المنطقة اكثر ما كانت موجهة للحدث نفسه , وكان الطرف العربي اكثر الاطراف التي ( شربت المقلب ) وأبدت ردود افعال متشنجة لتشكيل الدولة الكوردية , فجاء موقفه الرسمي عن طريق الجامعة العربية التي رفضت اي حديث عن تقسيم العراق , اعقبه تصريح الرئيس المصري الذي وصف قيام دولة كوردية في كوردستان العراق بأنه ( كارثة ) على العراق سيسفر عن تفكك الدولة العراقية .

ان المخاوف العربية في ان قيام دولة كوردية ستكون مقدمة لانفصال الاجزاء الباقية عن العراق يفندها الواقع السياسي العراقي , فالعراق الحالي يعيش حالة سياسية يتماهى مع الاجندات الايرانية اكثر منها للمصالح العربية في المنطقة , وان كان الانفصال الكوردي له مبرراته القومية والتاريخية , فلا ينبغي ان يشكل عاملا لتفكيك عربي ( شيعي سني ) في هذه الدولة ( في الحالات الطبيعية ) , اما اذا كان الرابط القومي العربي ليس بالقوة التي يتمكن من الحفاظ على وحدة المكونين العربيين (السني والشيعي) ضمن بوتقته , فمنعه لا يجب ان يكون على حساب الطموح الكوردي للاستقلال , ولا ان يدفع الكورد ثمن ضعف الانتماء العربي لهذشين المكونين . اضف الى ذلك ان وجود مساحات جغرافية واسعة بين كوردستان العراق والدول العربية تقطنه مجاميع بشرية لها انتماءات مذهبية تقربها من ايران اكثر من انتمائها القومي المشترك مع الدول العربية تجعل من اي كلام عن الوحدة الوطنية العراقية مجرد هراء سياسي ليس له اساس في الواقع السياسي .

هذا الموقف العربي يذكرنا بمواقف سابقة اتخذتها الدول العربية كردود افعال فورية اضاعت فيها مكتسبات سياسية مهمة كان بالإمكان الحصول عليها . فعلى سبيل المثال .. ردود الافعال العربية الرافضة لاتفاقية كامب ديفيد في سبعينات القرن الماضي , ثم هرولتها ( بعد ذلك بسنوات) لعقد اتفاقيات سرية وعلنية مع نفس الكيان اضعفت الموقف العربي وأضاعت منها فرصا كان يمكن استغلالها بما يخدم القضايا العربية . كذلك ردود افعال هذه الدول من الثورة الايرانية , ودعمها لصدام حسين في حربه الغير مبررة على ايران افقدت هذه الدول فرصة اقامة علاقات طبيعية مع هذه الدولة لا زالت المنطقة تعاني من تداعياتها السياسية لغاية الان . اضافة الى الخطأ الذي ارتكبته هذه الدول في وقوفها ضد انفصال جنوب السودان وإفساحها المجال امام الدور الاسرائيلي في هذه الدولة الناشئة افقدت العرب مكاسب كان بالإمكان الحصول عليها لو اسست علاقات طبيعية مع هذه الدولة . وتكرر الخطأ ذاته في مواقفها الضبابية من عملية التغير في العراق عقب اسقاط نظام صدام حسين , ما فتح المجال امام ايران للاستفراد بالساحة العراقية وإمرار اجنداتها في هذا البلد الذي لا يزال يعاني من اثار هذا الخطأ .

ان المد الايراني الزاحف على المنطقة والذي بات يهدد الوجود العربي في صميمه , والخطر الامني المتمثل بالحركات الاسلامية المتطرفة والتي اصبحت تشكل تهديدا حقيقيا على الامن القومي العربي اضافة الى الاوضاع الداخلية في الدول العربية , تجعل لزاما على الدول العربية النظر الى العامل الكوردي في المنطقة من زاوية اكثر واقعية , لا سيما وان كل المؤشرات تدل على ان استقلال كوردستان خطوة قادمة لا مفر منها

بغض النضر عن التوقيت . اما الوقوف في وجه الطموح الكوردي بمبررات واهية سينتج عنه قطع في التواصل العربي الكوردي , تضطرها للالتفات الى اطراف اقليمية اخرى ( سواء كانت تركيا او اسرائيل) تستند عليها في بداية نشأتها , في وقت تحتاج فيها الدول العربية الى حلفاء تقيم معهم علاقات طبيعية .

لكن يبدو ان الدول العربية لا تبدع في شيء قدر ابداعها في اكثار عدد اعدائها . فالمواقف السياسية الكوردية وعلاقاتها مع محيطها لا تستند الى مواقف سياسية مسبقة قدر استنادها على بناء علاقات تعتمد على المصالح السياسية والاقتصادية المشتركة مع هذا المحيط , الامر الذي ادى الى ان تكون علاقات اقليم كوردستان مع محيطه العربي اقوى بكثير من علاقات بغداد مع هذا المحيط , عكس الطرف العربي الذي يبني علاقاته السياسية حسب اجندات غير واضحة المعالم تعاني من ضبابية افقدت هذه الدول تأثيرها في كل المنطقة . فهل سيتراجع الاخوة العرب عن موقفهم السلبي الاخير تجاه انفصال كوردستان ام سيستمرون بالدفع لزيادة التوترات في المنطقة بموقفهم الرافض هذا ؟