لم نستغرب عندما استيقظنا صباحاً لنجد عناصر فصيل (ربع الله) المسلح تستعرض بالأسلحة المتوسطة في شوارع بغداد وتبث الرعب بين المناطق السكنية وتروع المدنيين، لم نستغرب لأننا تعودنا ان نرى مختلف اصناف الميليشيات في الشوارع والمناطق العامة تتجول بسلاحها المنفلت امام انظار القوات الامنية الحكومية ولا احد يتجرأ على سؤال عناصرها من انتم وهل عندكم رخصة حمل السلاح؟ وماذا تريدون بالضبط وما هدفكم من التواجد في الاماكن العامة حاملين اسلحتكم وانتم تعلمون جيداً ان هذه المناطق لاوجود فيها لإرهابيي داعش ولا يوجد فيها اي عدو مزعوم ولا قوات امريكية ولا مصالح اسرائيلية؟
لم نستغرب ولم نتفاجأ في صباح الخميس الخامس والعشرين من آذار عندما اصبح اكثر من نصف العاصمة في قبضة تنظيم ربع الله لعدة ساعات.. وهو تنظيم جديد بحسب علمي تم تأسيسه في العام الماضي بهدف قمع المتظاهرين واغتيال الناشطين الذين ينتقدون الحكومة ويطالبون بالقضاء على الفساد، بالاضافة الى حرق مقرات ومكاتب القنوات الفضائية التي تدعم التظاهرات وتهاجم الفساد، وهو غير مسجل ضمن فصائل الحشد الشعبي..
لم نتفاجأ لأننا نحن العراقيون المساكين كل يوم نتفاجأ بفصيل مسلح جديد له اهداف جديدة بحسب مزاج الشخص الذي قام بتأسيسه ، او بحسب مزاج الدولة التي استباحت العراق منذ ان زرعت فيه تنظيم داعش الارهابي ثم ارتدت قناع المدافع عن العراق ومارست مسرحيتها السخيفة باعتبار انها تحارب داعش في حين انها شاركت في تأسيس هذا التنظيم الارهابي بالاشتراك مع امريكا..
في عراقنا الجديد، من السهل جداً ان يتم الاعلان عن تشكيل فصيل مسلح يستعرض في شوارع العاصمة بأسلحته الخفيفة والمتوسطة وحتى الثقيلة ، ومن السهل جدا – وللأسف الشديد – اهانة القوات الأمنية في وضح النهار ، من السهل ان يقوم مراهق ملثم يحمل باج فصيل مسلح بقتل ضابط في الجيش العراقي في احدى نقاط التفتيش ولن يتجرأ احد على محاسبة الميليشيا التي ينتمي لها هذا (الزعطوط) الذي اطلق النار.. ومن السهل الاعتداء بالضرب على شرطي المرور الذي اعترض على مخالفة ارتكبها احد الولائيين.. لقد اصبحنا نشعر بأن القوات الامنية حلقة زائدة تستلم الرواتب فقط لأنها عاجزة عن فرض هيبتها وحصر السلاح في يدها .
من اين جاءت هذه التراكمات التي اوصلت العراق الى هذه الفوضى؟ من الذي فتح الباب وسهل الطريق لهذا الانفلات وترك الفصائل تتناسل وتفرخ الى ما لا نهاية؟ من الذي جعل العقل الجمعي يتقبل فكرة سيطرة فصيل مسلح على الشارع؟
لنكن صريحين ونعترف بأن هناك طرفين يتحملان المسؤولية عما يحدث، وهذان الطرفان هما الأبوان الشرعيان للطرف الثالث سواء بقصد او بدون قصد، فالطرف الأول الذي يتحمل المسؤولية هو المؤسسة الأمنية العراقية التي تغض النظر عن تحركات هذه المجاميع ولا تتجرأ ان تطبق القانون وتفرض هيبة الدولة في الشارع، وأقرب مثال على هذا الضعف والتخاذل هو البيان الخجول الذي اصدرته وزارة الداخلية اليوم على خلفية استعراض (ربع الله) الذي احرج القوات الامنية واهانها اهانة موجعة.. ليتك التزمت الصمت يا معالي وزير الداخلية عثمان الغانمي ولم تصدر هذا البيان ، اما دولة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي فمعروف عنه خوفه الشديد من اصغر فصيل مسلح في العراق .
والطرف الثاني المتسبب بتفشي هذه الظاهرة هو التيار الصدري الذي كان اول فصيل مسلح بعد سقوط النظام السابق يستعرض بسلاحه في الشوارع ، فجيش المهدي قد انبثقت عنه عشرات الفصائل المسلحة والتي بدورها انقسمت وتكاثرت ، فعلى الرغم من ان السيد مقتدى الصدر اصدر بياناً انتقد فيه استعراض ربع الله الا ان الصدريين يقع عليهم اللوم ايضا في تفشي هذه الظاهرة ، خصوصا واننا قبل اقل من اسبوعين شاهدنا استعراضاً مسلحاً قامت به سرايا السلام التابعة للتيار الصدري ، ولم يختلف استعراض سرايا الصدر كثيرا عن استعراض ربع الله من حيث احراج الحكومة واهانة القوات الامنية وضرب القانون عرض الحائط .
ان معالجة هذه الظاهرة اليوم بات صعبا جدا ، فانحسارها او اختفاؤها مرهون بمدى قدرة الدولة والقوات الامنية على فرض هيبة القانون في الشارع وحصر السلاح بيد الدولة ، وهذا الشيء وللأسف بات حلما بعيدا ، فلا الكاظمي ولا الغانمي ولا عبدالوهاب الساعدي قادرون على حصر السلاح بيد الدولة ، وتبقى الفوضى في عراقنا الجريح الى ما لا نهاية .