18 ديسمبر، 2024 4:59 م

استراتيجية احتلال العراق: نجاح ام فشل

استراتيجية احتلال العراق: نجاح ام فشل

عندما انهار الاتحاد السوفييتي، وتفكك إلى عدة دول، تغيرت جميع أنظمة المنظومة الاشتراكية، التي كانت سائرة على نهج النظام السوفييتي؛ ما أدى إلى حل حلف وارسو. هذه التطورات الدراماتيكية، أدت إلى الانفراد الأمريكي في قيادة العالم، ثم جاءت أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001؛ لتعطي المبررات لغزو واحتلال كل من أفغانستان والعراق، مع أن العراق لم تكن له أي علاقة بتلك الأحداث.
أمريكا لم تلتزم بالقانون الدولي، واحترام سيادة الدول والشعوب، ولم تتصرف بمسؤولية وحكمة، بما يجعل منها قوة معنوية واعتبارية، وعادلة في قيادة العالم. مجلس الأمن الدولي، هو الآخر خضع تماما للإرادة الأمريكية، وكان هذا الخضوع هو الأخطر على السلام والاستقرار في العالم.
من بداية تسعينيات القرن العشرين؛ كان المسؤولون الأمريكيون، يستخدمون لغة فريدة من نوعها في مخاطبة مجلس الأمن الدولي؛ وكان الرئيس الأمريكي، أو وزير الخارجية، او مستشار الأمن القومي الأمريكي، يطلبون من المجلس، إصدار قرارات وكان أغلبها ضد العراق. واستمر هذا الوضع لغاية 2002. بعد عقد، أو أكثر قليلا؛ فشلت أمريكا في أن تنتزع من مجلس الأمن الدولي، ما يفوضها استخدام قوتها العسكرية الظالمة، أو فرض عقوبات دولية، باستثناء قرارات ضد ليبيا، وعقوبات اقتصادية ضد كوريا الشمالية، أما ما عداهما، فقد فشلت في الحصول على أي قرار دولي؛ يبيح لها ان تفعل ما تريد تحت غطاء أممي، لصالح أهدافها التكتيكية والاستراتيجية هذا من جانب، أما من الجانب الثاني؛ فإن أغلب دول عالم الجنوب، اي دول العالم الثالث باتت تتحين الفرص للإفلات من القبضة الأمريكية بأي طريقة، وما أكثرها في هذه السنوات؛ في ظل عالم متعدد الأقطاب، أو عالم سائر إلى عالم متعدد الأقطاب. من الجانب الثالث؛ فقد تراجعت أمريكا اقتصاديا، كما يقول ويشخص هذا التراجع ذوو الاختصاص في هذا الشأن، إضافة إلى أن الداخل الأمريكي يعاني من الفوضى وانتشار الجريمة والمخدرات، وصعود النزعة العنصرية، والتدهور الاقتصادي، وارتفاع العجز، ارتفاعا كارثيا، ربما ينذر بانهيار اقتصادي وشيك؛ يعجز عن تفاديه، الطبع الهائل بلا غطاء للدولار، كما يقول المحلل الاقتصادي والسياسي الروسي الكسندر نازاروف، في عدة مقالات نشرها مؤخرا. أما الجانب الرابع؛ فقد فشلت أمريكا كليا حتى الآن؛ في إعادة صياغة الأوضاع في العراق حسبما تريد، أو ما خططت له، عليه فإنها ألحقت ضررا استراتيجيا بها وبالعراق. ولمعرفة لماذا حصل هذا؟ علينا ان نقرأ تداعيات حربها واحتلالها للعراق في التالي:

أولا- صعود الصين وروسيا كقوتين عظميين، ومنافستين لها على جميع الأصعدة.. لقد استثمرت كلا الدولتين؛ انشغال أمريكا وتورطها في الحرب في كل من العراق وأفغانستان على مدار عدة سنوات، ما جعلها تخسر ماديا وبشريا واعتباريا، إضافة الى فقدانها ثقة العالم بها، وبدأ العالم ينظر لها كقوة غازية، لا تتردد في غزو واحتلال أي دولة تمارس حقها في الاستقلال والسيادة، كلا الدولتين العظميين؛ عملتا بهمة ونشاط على تحديث أسلحتيهما الهجومية، ما قلص الى حد كبير الفارق بينهما وبين أمريكا.
ثانيا- إقامة وتوسعة التكتلات الاقتصادية في الفضاءات الآسيوية في شرق وفي غرب آسيا وفي جنوب شرق آسيا (منظمة شنغهاي، والبريكس، والاتحاد الاقتصادي الأوراسي والحزام والطريق الصيني) هذه التكتلات شكلت طوقا على مساحات النفوذ الأمريكي في هذه المناطق، لأن هذه التكتلات الاقتصادية، تشكل مساحة كبيرة من الكرة الأرضية، وحجمها السكاني كبير جدا، وفيها أيضا هيكل صناعي منتج. الأهم أن دول التكتلات هذه؛ تسعى إلى أن يكون التبادل التجاري والمالي والاقتصادي بينها بالعملة المحلية، وهذا إذا ما قيض له في المقبل من الزمن أن يتحول إلى واقع على الأرض؛ سيشكل ضربة موجعة للدولار الأمريكي، كعملة دولية.
ثالثا- هذه التكتلات وفي التوازي مع التجبر الأمريكي، ومع سلاح أمريكا في الوقت الحاضر، وهو سلاح العقوبات الاقتصادية؛ دفع أغلب دول العالم وبالذات دول العالم الثالث، لأن تسعى إلى الاستقلال والسيادة الكاملة؛ وأن تتقدم بطلبات للانضمام إلى هذه التكتلات الاقتصادية، وهذا سيدفع مستقبلا الى انحسار النفوذ الامريكي بطريقة أو بأخرى.
رابعا ـ انهيار النظام الدولي الحالي، أو هو في الطريق الى الانهيار؛ ليفسح الطريق إلى عالم جديد. إن العالم، سواء قبلت أمريكا به أم لم تقبل؛ فإن هيمنتها الدولية، سوف تتلاشى كليا في المستقبل القريب، ليتحول العالم إلى عالم متعدد الاقطاب..
خامسا- عاجلا أو آجلا؛ سوف تخسر أمريكا دول الاتحاد الأوروبي وبالذات ألمانيا وفرنسا، فمن غير المعقول أن تستمر دول الاتحاد الأوروبي؛ أداة بيد أمريكا تحركها ضد أي دولة لمصالحها (أمريكا) وعلى النقيض من مصلحة دول الاتحاد الأوروبي. كما هو حاصل في الحرب في أوكرانيا اليوم.
سادسا- دول المنطقة العربية هي الأخرى بدأت تبحث عن مصالحها وأمنها بمعزل عن أمريكا، هذا الاتجاه في السياسة العربية، فرضه: انعدام الثقة في الشريك الأمريكي.. وجود قوى عظمى (الصين وروسيا) ما خلق توازنا دوليا جديدا، وهذا التوازن الدولي الجديد؛ فتح آفاقا واسعة للمناورة والمساومة لضمان مصالح الدول العربية، أو أي دولة في أصقاع المعمورة؛ في اللعب على تضارب مصالح هذه القوى العظمى، لصالح المصلحة الوطنية.. هنا افترض أن الأنظمة العربية، تبحث عن مصالح شعوبها.
في النهاية أقول إن أمريكا في احتلالها للعراق دمرته، ودمرت ذاتها.. أما في ما يخص استراتيجيتها الكونية، فلم تحقق أيا منها على أرض الواقع، بل إن ما حصل هو العكس تماما، فقد تراجعت على جميع الأصعدة، حتى في الداخل الأمريكي الذي يئن مجروحا تحت وطأة هذه الخسارة وهذا التراجع الاستراتيجي. إلا أن أمريكا لم تستسلم لهذه الضغوط والتطورات والتحولات المضادة لهيمنتها على الكرة الأرضية، بل على العكس من هذا؛ فهي في محاولة منها للوقوف في وجه هذه التغييرات والتطورات، والحد منها ومن ضررها عليها في المستقبل القريب، سعت بجهد إلى: إقامة شراكات وتحالفات مضادة، سواء مع دول جنوب شرق آسيا، ومع أستراليا والهند. وأيضا في المنطقة العربية، وفي جوارها (تركيا) فقد غيرت سياستها بزاوية ميل 180 درجة، ومحاولاتها المستميتة لدمج الكيان الإسرائيلي في المنطقة العربية – ومحاولاتها النشيطة وسعيها المحموم في التأثير في سياسات دول الاتحاد السوفييتي السابق – كذلك عملت من خلال العقوبات الاقتصادية، أو الحروب الخفية المخابراتية في تغيير حكومات بعض دول العالم الثالث، باكستان مثلا – أيضا وبما يقع في دائرة؛ تطويق الخصوم، واستنزاف قدراتهم العسكرية والاقتصادية، والحد من سياساتهم في فضاءاتها؛ عملت على توتير الأوضاع في مناطق تقاطع مصالح خصومها مع مصالحها للجهة الاستراتيجية؛ العمل على إطالة الحرب في اوكرانيا، وتسخين الأوضاع في بحر الصين الجنوبي، وبالذات في مضيق تايوان. في النهاية أقول، ومن وجهة نظري، إن أمريكا مهما فعلت فلا يمكنها التأثير في هذه التحولات والتغييرات في العالم، أو الحد من زخم حركتها في الواقع على الأرض؛ لأن ذلك ببساطة ضد طموح وإرادة الدول والشعوب في العالم، الساعية إلى التحرر من الطوق الامريكي المتحكم في سيادتها وقرارها المستقل، بالإضافة لشروط أمريكا المجحفة في العلاقة التبادلية بينها وبين تلك الدول. هذا لا يعني في أي حال من الأحوال؛ أن الدولتين، روسيا والصين، لا تسعيان إلى تغليب مصالحهما في العلاقات البينية مع هذه الدول، بل إن العكس هو الصحيح. الفرق؛ هو أن الدولتين لا تفرضان شروطهما السياسية في العلاقة، أو في الشراكة، أو بعبارة أخرى؛ لا تتدخلان في الشؤون الداخلية لهذه الدول.. من هنا يظهر بوضوح؛ ان أمريكا في احتلالها للعراق، فشلت فشلا ذريعا إلى الآن، في تحقيق أهدافها الاستراتيجية من احتلال وتدمير العراق.. وهذا ما يظهر على سطح الأحداث، وما يمور تحت هذا السطح، من إرادة صلبة للتحرر والانعتاق، لشعب مغوار عركته الأحداث والغزو والاحتلال.. والفساد وسوء الإدارة، وضياع بوصلة الطريق. إنما الغد حتما سوف تصنعه إرادة شعب العراق الذي لم يعرف يوما في كل تاريخه المجيد؛ الخضوع والانبطاح لغاز ومحتل، أو من يتدخل، سواء أكان أمريكا، أو الكيان الاسرائيلي، أو غيرهما؛ في شؤون بيت العراق الكبير، من زاخو الى الفاو..