الانتقادات التي أخذ يوجهها رئيس مجلس الوزراء ،نوري المالكي، لمؤسسات الدولة المختلفة ، سواء المتعلقة بالفساد او الخدمات ، لا تخلو من محاولة للتبرؤ من الواقع غير المريح الذي عاشه المواطن خلال ولايتين من حكمه على رأس السلطة التنفيذية ، فيما يجد هذا المواطن تلك الاستدراكات المتأخرة ،بمثابة دعاية انتخابية ليس إلا، بدليل انه لم يحمل نفسه أية مسؤولية، ملقيا باللائمة على الآخرين.
ومن غريب ما تناوله رئيس امناء شبكة الاعلام العراقية حسن سلمان، في هذا الصدد، انه حاول ابعاد اية مسؤولية عن السيد المالكي في هذا الجانب، حيث قال : ان الجانب الخدمي موكل الى وزراء من كتل لا يستطيع هو ان يتدخل في عملها، متناسيا ان الجانب الأمني الذي يمسك بزمامه وحده، والمؤسسات ذات الطابع العسكري التي تخضع لادارته المباشرة ، هي الاخرى لم تؤد الدور المطلوب منها، وقد نالت من انتقادات السيد المالكي نفسه، في الجانب الخدمي ايضا، مثل دوائر المرور، والشرطة والجنسية وحتى السيطرات التي تحول اداؤها الى هم يومي يواجه المواطن، ما دفع الى شتم الحكومة جهارا نهارا، على حد قول المالكي نفسه، فماذا تراه سيقول السيد سلمان ازاء هذه المؤسسات التي لا وزير فيها سوى المالكي ، لكن كما يقول المثل : العذر اكبر من الذنب، اذ ان السيد المالكي نفسه قد أقر بأنه المسؤول التنفيذي الاول في البلاد ، وهذه المسؤولية ليست في جانب التصرف بالموازنة، او تحريك قطعات عسكرية، او اعتقال مطلوبين ، وانما تعني المسؤولية الكاملة عن اداء كل الوزارات ، ومؤسسات الدولة ، واية حالة اخفاق ، هو مسؤول عنها ، من خلال الموقع الذي يتبوءه.
وهذه ، مشكلة المسؤولية، انها ليست مجرد صلاحيات وأوامر، وقصور وجيش وشرطة، واجهزة تحت التصرف وحمايات ، وانما هي مساءلة ايضا عن التقصير والاهمال وسوء الادارة وغير ذلك.
واحدة من القضايا التي اثارها دولة الرئيس ، مشكلة البطاقة التموينية ، كونها تمس حياة المواطن بالصميم، وتمثل احدى الضمانات الاساسية لتأمين بعض مستلزماته المعيشية ، لكن قضية “البطاقة” هذه، ليست بنت اليوم، فمنذ عشر سنوات، والمواطن يصرخ ويصيح ويتساءل: اين مواد الحصة التموينية، التي تقلصت واختزلت، ومع ذلك لم يحصل على المتبقي منها، واصبحت حصته الشهرية، يتسلمها كل ثلاثة او اربعة اشهر، فيما حصة رمضان لم يهل هلالها الا بعد شوال، فلماذا استدرك الآن مشكلة الحصة الغائبة، بعد ان تحولت منذ سنين الى مجرد مستمسك مطلوب في اجراء المعاملات ليس إلا، فيما كانت صمام أمان قبل ذلك، في وقت كان العراق يعاني حصارا قاسيا، بينما تطلع المواطن بعد رفع الحصار الى تطوير حصته الشهرية وتحسين مفرداتها، خصوصا بعد ان اخذ العراق يعلن ميزانياته الانفجارية سنويا، ويسابق الريح ، في زيادة صادراته النفطية، لتحقيق موارد تتجاوز بامكانياتها دول عدة، يعيش ابناؤها ، وضعا اقتصاديا افضل من الذي نعيشه ، برغم الفارق الاقتصادي.
المهم، ان السيد المالكي، عزا سبب عدم وصول الحصة التموينية الى عدم الحرص والفساد، لكنه لم يحدد من هذا الطرف غير المبالي بقوت المواطن ، ومن المفسد الذي يتلاعب به.
بالتأكيد، ان المعني بهذا التوصيف هو مسؤول حكومي، لان المهمة مرتبطة بالجهاز التنفيذي، وبالتالي لابد ان يتحمل رأس الجهاز التنفيذي مسؤولية التقصير او الاهمال او الفساد، الذي ارتكبه من هو دونه في المسؤولية، ولا يتركه يعمل كل هذه السنوات من دون ان يحاسبه او يعاقبه، والكلام وحده لا يبرئه من هذا الاخفاق، كما ان تبريرات رئيس امناء شبكة الاعلام غير منطقية بالمرة، فما قيمة ان اكون المسؤول التنفيذي الاول ولا استطيع ان احاسب او اطالب اي وزير لمجرد انه من كتلة اخرى، وما قيمة ان اكون على رأس المسؤولية ولا امتلك صلاحياتها ؟.. ربما تركها اسلم واضمن من البقاء فيها ، رأساً غير فاعل، خصوصا ان الشعب ينظر الى الحاكم ، وليس الى المفاصل الاخرى المرتبطة به.
هذا الاستدراك لا يعدو ، كما ذكرنا ان يكون غاية انتخابية، وكون البطاقة التموينية تشكل مفصلاً مهماً من مفاصل حياة أسر كثيرة وشرائح في المجتمع، لذلك حاول السيد المالكي ان يطيّب خواطر الجياع، والفقراء ، باجراءات جديدة في نهاية دورته الثانية لتأمين مواد الحصة للاسرة العراقية، لكن من حق المواطن ان يتساءل : اين كنت خلال ثماني سنوات منها.. ولماذا الآن شعرت بأهمية هذه “البطاقة” التي قالت حكومتك في مرات سابقة انها مرهقة وتكلف ميزانية الدولة ، وتبنت سابقاً قرارات لالغائها.
يبدو انها ليست محاولة لجلد الذات، ولا اعادة نظر في واقع المسؤولية الحكومية، بقدر ما هي استدراكات انتخابية ، كما ذكرنا ، والحليم تكفيه الاشارة، كما يقولون.