طالب رئيس مجلس النواب العراقي، محمد الحلبوسي، باحترام سيادة بلاده وعدم التدخل في شؤونه، في إشارة واضحة إلى التراشق الإعلامي بين السفيرين الإيراني والتركي لدى بغداد,, وكتب الحلبوسي على تويتر: ممثلو البعثات الدبلوماسية في العراق واجبهم تمثيل بلدانهم وتعزيز التعاون بين البلدين، فعلى بعض ممثلي تلك البعثات أن يعي جيدا واجباته، ولا يتدخل فيما لا يعنيه، ويحترم سيادة العراق لكي يُعامل بالمثل
جاء ذلك ردا على التراشق الايراني – التركي وتدخلهما في شؤون العراق حين قال السفير الإيراني: إن “إيران لا تقبل بوجود قوات أجنبية في العراق (…)، ونحن نرفض التدخل العسكري، ويجب أن لا تكون القواتُ التركية بأي شكل من الأشكال مصدرَ تهديدٍ للأراضي العراقية ولا أن تقومَ باحتلالها وعلى الأتراك أن ينسحبوا إلى خطوط حدودهم الدولية وينتشروا هناك وأن يتولى العراقيون بأنفسهم ضمان أمن العراق ,, فكان الرد التركي عبر سفيرهم في بغدادقائلا – سفير إيران هو آخر شخص يمكن أن يعطي تركيا درسا في احترام حدود العراق، وثانيا باستدعاء السفير الإيراني في البلاد, وزادت التوترات بعد استدعاء الخارجية التركية سفير طهران لدى أنقرة، على خلفية تصريحات سفير إيران لدى بغداد بشأن التواجد التركي بالعراق، في خطوة هي الثانية خلال 3 أشهر، ما يعطي إشارة واضحة إلى أن الخلاف التركي الإيراني بات عميقا
وقال عضو لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب العراقي، رامي السكيني، إن “التراشق الكلامي بين سفيري طهران وأنقرة يمثل استخفافا بالسيادة العراقية، أن ما حدث ناتج عن عدم حفظ كل سفير لواجباته ومهامه كممثل دبلوماسي لبلاده في العراق,, وأضاف السكيني في تصريحات أن هذا يعد “استهتارا وعدم حفظ للبرتوكول الدبلوماسي، ما بجعل العراق منطلقا لتصريحات غير مسؤولة، مطالبا حكومة بلاده باستدعاء السفيرين فورا وتوجيه رسائل شديدة اللهجة لهما بضرورة احترام السيادة العراقية, واضاف النائب السكيني وهو عضو بتحالف “سائرون” إن ما حدث “غير صحي، وعلى وزارة الخارجية أن تقوم بدورها، وألا يكون موقفها جبانا أمام تركيا وإيران”، مشيرا إلى ضرورة مطالبة وزارة الخارجية البلدين بتغير السفيرين اللذين “خرقا المواثيق الدبلوماسية وخرجا عن مهام إدارة سفارة بلديهما في العراق
وبينما يقول النائب العراقي السكيني إن هذه التصريحات ربما تمثل “فجرا جديدا” للأزمة بين تركيا وإيران، وحديث السفيرين يمثل انعكاسا للصراع الموجود على الأرض في سنجار، باعتبار أن “إيران تحتضن حزب العمال الكردستاني المتواجد في القضاء، ومقاتلوه يحصلون على رواتب كالحشد الشعبي تماما، في المقابل يتعرض أعضاء حزب العمال الكردستاني لملاحقة عسكرية من قبل تركيا علما ان الحكومة العراقية وقعت اتفاقا مع حكومة إقليم كردستان في9 أكتوبر/تشرين الاول 2020 لحل المشكلات القائمة بقضاء سنجار شمال البلاد— بعد سنوات من الخلاف الذي حال دون عودة عشرات آلاف النازحين الذين شردهم تنظيم داعش عند سيطرته على المنطقة عام 2014، ستتولى قوات الأمن الاتحادية بالتنسيق مع قوات إقليم أربيل، مهمة حفظ الأمن وإخراج الجماعات المسلحة غير القانونية، وفقا للاتفاق الذي حظي بترحيب دولي واسع
ومنتصف شباط الماضي، خاطب الرئيس التركي رجب طيب إردوغان أنصار حزبه الحاكم، قائلا: “لا (جبال) قنديل ولا سنجار ولا سوريا. من الآن، لم يعد هناك مكان آمن لهؤلاء الإرهابيين”، في إشارة إلى مناطق في شمال العراق توجد فيها قواعد لحزب العمال الكردستاني البكاكا, سنجار العراقية قد تهدد تقاسم النفوذ بين تركيا وإيران في دول عربية , بعد وئام دام لسنوات بين الوجود العسكري لطهران وأنقرة، أعلن وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف رفض بلاده لوجود تركيا في سوريا والعراق، واصفا سياستها بـ”الخاطئة
تشير الصحف الأمريكية إلى أن العديد من راصدي الشرق الأوسط يرون أن الساحة تركت من جديدٍ إلى خصمَين تاريخيَّين. إذ كانت في الماضي الدولتان العثمانية والصفوية هما من يتباران لأجل الهيمنة على المنطقة، فاليوم قد تكون المنافسة بين أنقرة وطهران,, وليست الأصوات المنادية بتدخلٍ تركيٍّ أقوى في المنطقة بأمرٍ جديدٍ. فمنذ غزو العراق بقيادة الولايات المتحدة في 2003، جاءت معظم هذه الأصوات من دولٍ عربيةٍ مجاورةٍ خائفةٍ من توسُّع النفوذ الإيراني. ثم تبدَّدت تلك الأصوات إلى حدٍّ ما مع تدهور العلاقات بين تركيا ودول الخليج العربي، ولكن شهدت الآونة الأخيرة إحياءً للاهتمام بحصول تركيا على دورٍ أكبر، بالأخص من المجتمعات السنية المهمَّشة في العراق
الصراع بالوكالة بين إيران وتركيا هو صراع مستمر من أجل النفوذ في الشرق الأوسط والمناطق المحيطة بين جمهورية إيران الإسلامية وجمهورية تركيا. في ما وصف بالحرب الباردة، يدور الصراع على مستويات متعددة حول النفوذ الجيوسياسي والاقتصادي والمذهبي سعيًا وراء الهيمنة الإقليمية بين البلدين بسبب اختلاف المصالح. كان الصراع بين إيران وتركيا أكثر حدة في سوريا والعراق وجنوب القوقاز وليبيا، حيث يؤدي تضارب المصالح بين إيران وتركيا في كثير من الأحيان إلى اشتباكات بين وكلاء البلدين. كلتا الدولتين مدفوعان أيضًا بالرغبة في أن تصبح القوة الإسلامية المهيمنة في المنطقة
اندلاع الثورة الإيرانية وما تلاها من إنشاء نظام الجمهورية الإسلامية في إيران عام 1979، تغيرت العلاقة بين إيران وتركيا إلى علاقة أكثر تنافسية وعداءً، وإن لم تكن على مستوى موقف إيران تجاه إسرائيل والمملكة العربية السعودية,, قدمت الدولة التركية الدعم لعراق صدام حسين خلال الحرب الإيرانية العراقية في الثمانينيات، مما أدى إلى عداوة من القيادة الإيرانية, تبع ذلك لاحقًا صراعات محتملة بين الدولتين فيما يتعلق بنزاع ناغورني قره باغ (أرتساخ(، والصراع التركي الكردي والإيراني الكردستاني، ومؤخرًا بعد الربيع العربي، عندما أدت علاقاتهما المتعددة الأوجه إلى خلافات حول بلاد الشام وشمال أفريقيا، وكذلك البلقان وجنوب آسيا, وازدادت خلافاتهما حول سوريا واليمن وليبيا وكشمير ,, تصاعدت وتيرة الحرب الباردة بين إيران وتركيا بعد أن باتت العراق أرضا خصبة لصراع برز بشكل كامل للسطح من خلال تصريحات سفيري البلدين لدى بغداد
لقد أثارت العمليات التركية الأخيرة في إقليم كردستان العراق، وبحجة مطاردة حزب العمال الكردستاني، استياءَ العديد من القوى الغربية التي اعتبرت تلك العمليات بمنزلة خرق للسيادة العراقية. وقد أثار الوفد العراقي في زيارته الأخيرة لواشنطن موضوعَ التدخل العسكري التركي في العراق، وحقيقة أن تركيا تسعى هذه المرة إلى بناء مواقع دائمة لها داخل الأراضي العراقية، إلّا أن واشنطن لم تُظهر الكثير من الحماس تجاه الضغط على أنقرة في هذا الملف، وتفضل أن تركز الحكومة العراقية على الحد من النفوذ الإيراني، وردع الميليشيات المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني التي صعّدت هجماتها – غير القاتلة – على المنشآت والبعثات العسكرية والدبلوماسية الأمريكية والجهات التي تتعامل معها.
ولا تزال تركيا تمثل منفذاً رئيساً لتصدير النفط العراقي والكردستاني الذي يمر إلى ميناء جيهان على البحر المتوسط, ومع طموحاتها بإنتاج الغاز في المتوسط، وتحالفها الوثيق مع قطر، أبرز مصدّري الغاز في الخليج، فإن لتركيا –كما لإيران- مصلحةً في تعطيل تطوير قطاع إنتاج الغاز الطبيعي في العراق، خصوصاً أن معظم المشاريع التي تم الإعلان عنها بهذا الخصوص، كمشروع غاز أرطاوي ومشروع المنصورية، يتم التفاوض عليها مع شركات أمريكية ومع أرامكو السعودية التي يحتمل أن تدخل كمستثمر رئيس في حقل أرطاوي مع هانويل الأمريكية. كل ذلك، يدفع الإيرانيين والأتراك، على الرغم من التباين النسبي والتنافس بين توجهاتهما في العراق، إلى اكتشاف المزيد من الأهداف المشتركة.
في ظل التحولات العديدة التي تشهدها المنطقة، خصوصاً تطبيع الإمارات والبحرين علاقاتهما مع إسرائيل، تخشـى كلٌّ من تركيا وإيران من أن ظهور محور خليجي-إسرائيلي سيستهدف مكانتهما الجيوستراتيجية حيث تروج كلا الدولتين أن هذا المحور يمتلك خطة لإضعافهما، وأن الخطة تشمل العراق من خلال مشاريع تنشيط فكرة استقلال إقليم كردستان عن مجال التأثير الرسمي للحكومة المركزية والقوى الشيعية في بغداد، وكذلك العمل على تفعيل فكرة إقامة الإقليم السني في غرب العراق ليكون مدخلاً يتم عبره العمل على نشر عدوى التفتيت الجغرافي للدول المجاورة (تركيا وإيران. لذلك قد يغدو التقارب الخليجي-الإسرائيلي سبباً في تصعيد التنسيق بين الجانبين في العراق ومناطق أخرى.
إن لطهران وأنقرة مصلحة في ملء الفراغات الناتجة عن ضعف أو انهيار الدولة في جوارهما الجغرافي وتوسيع مساحات نفوذهما، وغالباً باستخدام مزيج من الأيديولوجيا الإسلامية والتضامنيات الطائفية والتأثير الاقتصادي والخبرة المتراكمة في صناعة ودعم الميليشيات المسلحة. وحتى الآن، وعلى الرغم من خلافهما العميق خلال الصراع السوري، وجد الطرفان طرقاً لعدم التصعيد والتنسيق، ومن المحتمل أن تشهد المرحلة المقبلة المزيد من الميل بهذا الاتجاه، مع تطبيع العلاقات الخليجية-الإسرائيلية الذي لا يَنظر إليه الطرفان بارتياح كبير، وكذلك مع وجود حكومة في بغداد تميل إلى تأكيد استقلاليتها السياسية وتقترب أكثر من واشنطن والغرب والسعودية والإمارات
تشهد الأوضاع في العراق ولبنان وسوريا تأزما وانهيارا اقتصاديا يتصل بتبعات تمركز المشروع الإيراني. وهكذا فيما تتهيأ الحكومة الإسرائيلية للإعلان عن خططها في ضم أجزاء من الضفة الغربية في استكمال إنهاء “وهم” حل الدولتين، يتم تقاسم النفوذ في العالم العربي من مشرقه إلى مغربه بين المشروعين الإقليميين الإمبراطوريين التركي والإيراني وذلك في سياق تنافسي أو تنسيقي حسب الموقع وحجم المصالح.
وإذا كان التمدد غير العربي من نتائج سقوط النظام الإقليمي العربي، فلم يكن لذلك أن يتحقق لولا مناهج القوى الكبرى التي لا تأبه إلا لتحقيق مصالحها في المقام الأول وتسمح بملء الفراغ العربي بتنامي مشاريع إقليمية توسعية تستفيد من غياب مشروع عربي أو مشاريع عربية بديلة , وما يؤجج الصراع تمتع المنطقة العربية بأهمية اقتصادية وإستراتيجية كبيرة؛ ففي باطنها يوجد نحو 62 في المئة من الاحتياطي العالمي من النفط بالإضافة إلى الغاز والمعادن، وتقع هذه المنطقة وسط الكرة الأرضية وتمثل مساحتها 10.2 في المئة من مساحة العالم، ويطل موقعها على بحار ومنافذ بحرية مهمة، وهي تضم كتلة سكانية كبيرة. ولهذا كانت وما زالت تمثل مسرحا للمشروعات والمحاور المختلفة، التي سعت وتسعى إلى التحكم في تفاعلاتها والاستفادة من إمكاناتها، ومحاولة رسم خارطتها من جديد أو ترتيب التوازنات فيها, شهدت السنوات الأخيرة المزيد من التقارب الإيراني – التركي حيال المسألة الكردية والوضع في العراق. كما بدا في العملية العسكرية التركية الأخيرة في شمال العراق، حيث تسعى أنقرة إلى توسيع تنسيقها العسكري الثلاثي مع بغداد وطهران ليشمل مجالات الطاقة والتجارة في إطار تقاسم النفوذ بين تركيا وإيران في العراق وسوريا ومساعدة النظام الإيراني في الالتفاف على العقوبات الأميركية
ظهر جليا من خلال هذا العرض غلبة عوامل التلاقي على عوامل التنازع بين المشروعين التركي والإيراني عندما يتصل الأمر بالعالم العربي. وبالرغم من الفارق بين الطرح الأيديولوجي لولاية الفقيه والإسلام التركي الذي احتضن آخر خلافة إسلامية وبالرغم من بلبلة تاريخية عثمانية – صفوية، اقترب رجب طيب أردوغان من كل تيارات الإسلام السياسي بما فيها التيار الذي يقوده الحكم الإيراني. وفي هذا المجال يمكننا القول إن لعبة المصالح المتبادلة تنظم الصلات بين الجارين اللذين يسكنهما الحنين إلى الأمجاد الإمبراطورية.