23 ديسمبر، 2024 8:25 م

استحقاقات..لا مكرمات أو هبات !؟

استحقاقات..لا مكرمات أو هبات !؟

صباح يوم وقائع الجلسة الشعرية المربدية الرابعة، في المربد التاسع، على قاعة عتبة بن غزوان. قدم مقدم الجلسة الشاعر عبد السادة البصري أحد الشعراء الضيوف ، ما أن صعد المنصة بدأ بذكر مرض شاعر صديق له ، محملاً وزارة الثقافة عدم اهتمامها به ووضعه الصحي الحرج. كان عليّ بصفتي عضو “الهيئة التحضيرية للمهرجان” ، ومن قرارات الهيئة التحضيرية التي كانت جلساتها متواصلة صباحاً ومساءً، في مقر اتحاد أدباء وكتاب البصرة قبل المهرجان بأسبوعين وتتخذ قراراتها ، على وفق آلية التصويت العلني ، ومنها أن لا تخلو أية فعالية من تواجد في الأقل ثلاثة أعضاء يمثلونها لغرض معالجة ما يحدث خلال الفعاليات وما يمكن أن يخلَ بالمهرجان، ومراقبة عمل لجانه، والإشراف على تقديم الخدمات المناسبة للحاضرين خلال الفعاليات. فكتبت ملاحظة جاء فيها نصاً: “الهيئة التحضيرية تتمنى للزميل للشاعر المريض الشفاء العاجل ، لكنها تؤكد أن المنصة ليست لطرح المطالب أو المقترحات وإنما للقراءات الشعرية والفعاليات الثقافية فقط ، وثمة قنوات رسمية ومدنية يمكن أن تقدم لها الطلبات وتأمل الهيئة التحضيرية الاستجابة لها بصفتها (مستحقات) لا بد أن يحصل عليها أدباء وكتاب العراق خاصة المرضى”. سلمتُ الورقة لمقدم الجلسة ، قبل نزول الشاعر وطلبت منه أن يقرأها، ما أن ينتهي الشاعر من قراءته الشعرية، وبعد نزوله استقبله الأستاذ فوزي الاتروشي وكيل وزارة الثقافة ، الذي كان يحضر كل الفعاليات المربدية و القراءات الشعرية ، وما أطولها زمناً، ولا يغادر إلا عند نهايتها ، وكذلك السيد فاضل ثامر رئيس اتحاد أدباء وكتاب العراق ومعهما رئيس اتحاد أدباء البصرة الزميل الشاعر كريم جخيور. وبقوا مع الشاعر ذاته يتحدثون وقوفاً وفي القاعة . بحدود خمس دقائق في الأقل. تداركت الأمر وطلبت ، من مقدم الجلسة ، إهمال ما كتبت، لأني كنت واثقاً أنهم كانوا يتحدثون معه بهذا الشأن. بعد تقديم الشاعر الآخر طلبَ الأستاذ الأتروشي بلياقة(حق الرد). فكان له ذلك، وذكر أشياء كثيرة ومنها بالضبط ما جاء في ملاحظتي التي ذكرتها أنفاً وهي” إن منصة المربد لقراءة الشعر والفعاليات الثقافية فقط” ، ثم تعهد بأن وزارة الثقافة ستقوم بتقديم (مساعدات) للأدباء المرضى جميعاً، و ذكر أسماء ثلاثة أدباء من البصرة والرابع الشاعر المذكور.  عندها تصورنا أن الأمر بات في متناول اليد ، فتم مفاتحة ممثل الوزارة مالياً في المهرجان حول الأمر. فكان الجواب أن ميزانية المربد لا فائض فيها حالياً وعليكم متابعة السيد الوكيل في بغداد ، وما تعهد به هو من صلاحياته فقط  ولا علاقة لميزانية المربد بذلك !؟. والأمر الواجب ذكره أن الهيئة التحضيرية في البصرة ، وعبر الخبرات المتراكمة ، شخصت شحت المبلغ المخصص للمهرجان ، فشكلت وفداً ، منها، لمقابلة بعض مسؤولي المحافظة ، ومنهم السيد رئيس مجلس المحافظة والسيد نائبه . و خلال اللقاء بهما أكدا دعمهما التام للمهرجان و” تكفل مجلس المحافظة بدفع نفقات أحد الفنادق المخصصة للضيوف، ومنها الإيواء والطعام والخدمات الأخرى طوال أيام المهرجان”. وهذا ما حصل فعلاً من قبل” مجلس المحافظة”. وكذلك تكفل الأستاذ رئيس جامعة البصرة بتقديم حقائب بصفة هدايا للضيوف ولكل أعضاء لجان المهرجان، وثمة خدمات لوجستية قدمت لإنجاح فعاليات المهرجان ساهمت بها دوائر عدة في المحافظة ، وهو ما قلل الضغط على ميزانية المهرجان المقررة من قبل الوزارة، خاصة إذا عرفنا أن عدد الضيوف فاق الـ(395) ضيفاً من داخل العراق فقط ، وهو غير متفق عليه ، من قبلنا، مع الهيئة العليا للمهرجان إذ كان المتفق عليه أن لا يتجاوز العدد ( 275)  مدعواً . واستناداً على تعهد السيد، الأتروشي، وكيل الوزارة ولغرض متابعة هذا الشأن ، ذهب رئيس اتحاد أدباء البصرة لمتابعة الموضوع ، مع مواضيع أخر، برفقة احد أعضاء الهيئة الإدارية، ولم يحصلا على أي شيء ، ولا حتى على الأمل بالإيفاء بتلك التعهدات بحجج كثيرة أغلبها مكرر ومعروف، وللدقة فإنهما لم يلتقيا السيد الأتروشي بسبب سفره أو ربما مشاغله. أن صفة (المساعدات) لا تليق بأدباء وكتاب العراق ولا بوزارة الثقافة بالذات. لكن الأمر الذي يجب أن يكون هو أن ما يقدم للأدباء والكتاب ،المرضى بالذات، ليس (مساعدات) تعيدنا إلى زمن (المكرمات و الهبات ) أنها في الواقع مستحقات تقع في صلب اهتمامات الدولة العراقية الجديدة والتي ميزانيتها تعادل ميزانية أربع أو أكثر  خمس دول عربية ، وتقع في ذمة وزارة الثقافة والاتحاد العام للأدباء والكتاب العراقيين ، ولا أريد أن أتحدث عن ما يرد الاتحاد من محصولٍ مالي سنوي ، ذكره لي احد الزملاء إذ كشف لي رقماً مالياً كبيراً يتحصل عليه الاتحاد شهرياً ، ولا تتجاوز ما يقدمه من  (مساهمات) لمنتسبيه المرضى إلا مبلغ مالي ضئيل جدا. أؤكد هنا أن الأستاذ رئيس الاتحاد والسيد الأمين العام وأعضاء المكتب التنفيذي والمجلس المركزي ، والذين تم انتخابهم بطريقة ديمقراطية لا يرقى لها الشك إطلاقاً ،سواء من بقي منهم أو استقال لظروف خاصة، هم جميعاً فوق الشبهات ولم تطل أياً منهم شائبة ما في هذا الزمن العفن الرديء، وان بعضهم من أساتذتي الكرام وفيهم أصدقاء أعزاء عليّ جداً. ما يجب أن يقدم إلى الأدباء والكتاب العراقيين (المرضى) بالذات، هو مستحقات في عنق الدولة العراقية تجاه شريحة مهمة من العراقيين ، هم من أهم صناع توجهات الرأي العام العراقي و يسهمون، كل حسب طاقته وإمكاناته، بالشكل الذي يجب أن تغدو عليه الصورة الجديدة للدولة العراقية ، دولة الحقوق المأمولة والواجبة والعدالة الاجتماعية الإنسانية تجاه كل مواطنيها ، خاصة في بلد يتمتع بثراء طائل هائل تناهب قسمه الأكبر لصوص المال العام ، دون متابعة جدية للحد من كل هذا النهب في كل مكان وزمان بعد سقوط النظام ، وما زال ذلك متواصلاً. والغريب أنه كلما كثر عدد اللصوص زاد ثراء الدولة العراقية الجديدة وميزانيتها التي هي أقرب للخيال ، ومع إن المفكرين والأدباء والكتاب هم أصلاً أمهر صناع الخيال البشري ، لكن ليس في ميزانية دولتهم ومؤسساتها الرسمية ، شيئاً يوازي  أو ينسجم مع خيالاتهم الإنسانية ، وما زال التعامل معهم، خاصة المرضى، يتم بموجب(المساعدات والمكرمات والهبات) وليس (المستحقات) واجبة التنفيذ، وهي حق لابس فيه أو نزاع عليه ، من اي كان ، وفي عنق دولتهم، الثرية جداً ، ومعها برلمانهم المنتخب والذي استثمر بعض جلساته لصالح أعضائه وامتيازاتهم دون منازعة، أو اعتراض ما، فهم سلطة التشريع واجبة التنفيذ ، وبعضهم لم يحضر غير الجلسة الافتتاحية( البروتوكولية) فقط. ما يجب أن يغدو لأدباء ومفكري العراق وكتابه  لابد  أن ينسجم  و دورهم الوطني- الاجتماعي والإبداعي وخطابهم العابر لكل التخندقات والمحاصصات الطائفية المقيتة ، و التي ميزت (عراق) ما بعد 9 نيسان 2003.