23 ديسمبر، 2024 9:25 م

استثمار التعليم الجامعي

استثمار التعليم الجامعي

دخل رأس المال الخاص- القطاع الخاص- حقل التعليم الجامعي بثقله بعد ان كان متردداً ومتشككاً في جدوى الاستثمار في هذا الميدان لسنوات طويلة، فانتشرت الجامعات الخاصة كرديف للجامعات الرسمية في شتى انحاء العراق، وما تكاد تخرج بسيارتك متجولاً في شوارع بغداد وفي اي اتجاه، الا وتمر بواحدة او اكثر من هذه الجامعات. وبعد ان اصبحت هذه الجامعات حقيقة واقعة فيجب النظر اليها بما تمثله من اهمية تعليمية واقتصادية واجتماعية للوطن، ولا بد من تضافر الجهود لضمان نجاحها واستمرارها وعدم الاكتفاء بنظرة التشكيك في قدراتها وانتظار لحظة فشلها وادبارها.
 ضمن البعد الاقتصادي، يعد الاستثمار في هذه الجامعات اضافة مهمة وحيوية لتراكم رأس المال الوطني، حيث جاء هذا الاستثمار في وقت كان الاقتصاد بأمس الحاجة الى من يحرك عجلته ويدعم نموه. وقد بدأ هذا الاستثمار بدفع عجلة النمو الاقتصادي، وسيوالي هذا النهج بخطى متسارعة حيث تستكمل الجامعات الخاصة مراحلها التأسيسية ويشتد عودها وبالتالي تستطيع ان تستقطب عدداً اكبر من الطلاب الى صفوفها.
يضاف الى هذا وربما بنفس الدرجة من الاهمية ان الاستثمار في التعليم العالي يعد من الاستثمارات المستخدمة للعمال بكثافة، وهنا لا يخفى على احد الاعداد الكبيرة من العاملين الاكاديميين والاداريين الذين التحقوا بهذه الجامعات الناشئة. كما ان اهمية هذه النقطة تبرز بشكل واضح، حيث يدرك ان بداية مسار هذه الجامعات قد تزامن مع تعمق مشكلة البطالة في الاقتصاد العراقي ووجود الالاف من العاطلين عن العمل، فجاء تأسيسها ليخفف من حدة المشكلة الى حد ما.
ولا اعتقد ان الامر يتوقف عند هذا الحد بل يتعداه الى مجالات ارحب واوسع حيث سيعمل تأسيس هذه الجامعات على تطوير نوعية القوى العاملة العراقية، ففي تأسيسها حافز للشباب العراقي للالتحاق ببرامج الدراسات العليا في الجامعات الرسمية العراقية او في الخارج، وخصوصاً في برامج الدكتوراه ليقينه بانه سيجد فرصة عمل مناسبة بانتظاره حال تخرجه.
من ناحية اخرى، ان انتشار هذه الجامعات بهذا العدد لا بد وان يعمل في المدى المتوسط والطويل على تعميق الاهتمام بين الجامعات العراقية جميعاً، الرسمية  والخاصة، بالتخصص والبحث العلمي الراقي كأن تنشئ كل جامعة مركزاً متخصصاً في احد شؤون الحياة، كمركز للدراسات المائية وآخر للموارد البشرية وثالث للبيئة ورابع لحقوق الانسان.. وهكذا.
والنقطة الاخرى الجديرة بالاهتمام عند الحديث عن الاستثمار في الجامعات الخاصة بأن ندرك بأن رأس المال المستثمر في هذه الجامعات قد يكون بمعظمه وافداً للعراق من الخارج وربما يكون قد وفد لهذا الغرض خصيصاً، اي ان الاستثمار في هذه الجامعات قد يعد ولو جزئياً كأستقطاب لرأس المال من الخارج ورافداً من روافد العملة الاجنبية في وقت بات العراق فيه بأمس الحاجة الى هذه الاستثمارات وتلك العملات.
كما انه لا يخفي على احد مخاطر ارتفاع حجم (فاتورة) المستوردات على الاقتصاد العراقي، ولذلك فقد هدفت برامج التصحيح الاقتصادي الى اصلاح الخلل في هيكل التجارة الخارجية وخصوصاً في هيكل الحساب الجاري. وهنا ايضاً يبرز واضحاً دور الجامعات الخاصة، حيث يمكن النظر اليها كمؤسسات (احلالية)، اي  انها تعمل على احلال المنتج الوطني مكان المستورد.
وفي هذا المجال يكثر الحديث عن ملايين الدولارات التي يتم تحويلها سنوياً للخارج لتمويل تعليم العراقيين هناك، وأليس من المستهجن في هذا السياق ان نجد الآن جامعة عربية يشكل الطلبة العراقيين فيها ما يزيد على 20% من مجموع طلبتها، ولكن واذا ما تعزز دور الجامعات الخاصة فأننا سنرى توقفاً كاملاً لهذا النزيف من العملات الاجنبية.
وربما يثار نقاش هنا حول الفرق في نوعية التعليم بين ما تقدمه الجامعات الخاصة وما يحصل عليه طلبتنا في الخارج. وارى الرد على هذا يتمثل في نقطتين رئيسيتين، اولاهما- ان سوق العمل العراقي حتى هذه اللحظة لم يسجل اي تفوق في نوعية التعليم بالنسبة للجامعات الاجنبية على الجامعات العراقية بل وربما العكس هو الصحيح. وثانيهما- انني لا ارى اي مبرر لأن تكون نوعية التعليم في الجامعات الخاصة اقل منها في الجامعات الرسمية لا سيما بعد عبور مرحلة التأسيس…
وهنا ايضا لا اعتقد بان دور الجامعات الخاصة يجب ان يقتصر على الدور الاحلالي بل على العكس من ذلك يمكن ان يكون لها مع المستشفيات الخاصة دور قيادي في قطاع التصدير. فاذا ما ادركنا وجود طلب كبير على التعليم الجامعي في كافة دول المنطقة من حولنا من ناحية وما قطعناه من شوط كبير في العراق في بناء المؤسسات التعليمية وتجهيزها باحدث الاجهزة والمعدات وتطور نوعية البرامج الاكاديمية والخطط الدراسية وحتى الكتب التي نستخدمها من ناحية اخرى، فلا بد اننا قادرون على اجتذاب الطلبة ذكوراً واناثاً من كافة ارجاء الوطن العربي. وربما ان احسنا التعاون بين القطاعين العام والخاص في تطوير الخدمات التعليمية ونجحنا في وضع خطة تسويقية ولا اقول ترويجية محكمة، سيكون قطاع التعليم العالي الخاص مصدر خير وفير للوطن، وستكون هذه الجامعات مصدر ربح ليس لاصحابها فقط بل ولاقتصادنا ولعراقنا العزيز.
[email protected]